«سجينة أطلال الهوى».. هكذا تصف المطربة الكبيرة أسماء كمال بفرقة التراث للموسيقى والغناء بدار الأوبرا المصرية نفسها فى حوارها معى عن سر عشقها لأغانى «الست « بسبب استماعها لآيات الذكر الحكيم من خلال أثير إذاعة القرآن الكريم، ما جعلها تتذوق اللغة العربية وتترهبن غنائيًا فى محراب «ثومة» وإن كانت قدمت من قبل بعض الأغانى لمطربات أخريات إلا أنها ترى أن غنائها لكوكب الشرق يعبر بها إلى عهود من الحقب والأزمان السخية بفن راق تربت عليه.. تعود أسماء بأغانى ثومة فى كل حفلاتها بمشاعر الجماهير إلى عواصم ذكرياتهم.. مؤكدة بأنها كلثومية الحس ومتيمة منذ طفولتها بقصيدة «نهج البردة» للست، التى تمثل لها خطا أحمر ولا يوجد لها خليفة حتى الآن داخل الساحة الغنائية لأن أم كلثوم لن تتكرر.
تعد «أسماء» جمهورها بمفاجأة فنية عن الست، وأنها سعيدة بمشاركتها فى «فعاليات الأسبوع الثقافى المصري» بدولة قطر وأنها ستقدم هناك رائعة كوكب الشرق «فكرونى».
كيف بدأت علاقتك بأم كلثوم كمستمعة وكمطربة؟!
بلا شك إننى تأثرت أثناء طفولتى بالاستماع لإذاعة القرآن الكريم وتلاوات بعض المشايخ العظام، الذين أعتبر أصواتهم منحة لمصر من السماء، فكان والدى يقتنى بعض شرائط الكاسيت الخاصة بهم، فكنت أستمع داخل منزلنا لتجويدهم وترتيلهم للقرآن الكريم لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ثم تلى ذلك استماعى لأغانى الست وأغانى بعض المطربين العمالقة الذين يتميزون بخامة أصواتهم القوية والعريضة قبل أن أشرع فى الغناء للست، وكانت أول أغنية أستمع إليها من أغانى الست هى قصيدة «نهج البردة» لأمير الشعراء أحمد شوقى فى مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، والتى تتضمن مائة وستين بيتًا من شعر شوقي، إلا أن أم كلثوم قد اختارت منها ثلاثين بيتًا فقط لكى تغنيها، وحبى لهذه القصيدة أشعل شغفى وبدأت أستمع لقصائد كثيرة أغلبها تندرج تحت مسمى القالب الغنائى الديني، وأثناء دراستى كنت أذهب خلال وقت «الفسحة» إلى مدرس اللغة العربية لكى يشرح لى معانى كلمات قصيدة «نهج البردة» لصعوبة معانيها، ولكى أتذوق المغزى الذى يقصده أمير الشعراء منها، لكى ينعكس إحساسى بكلماتها على غنائى لها بحس صادق ومرهف يجعلنى أتعايش مع مضمونها الشعرى والوجداني، ويبدو أنه منذ غنائى لقصيدة «نهج البردة» بدأ حرصى وعشقى للقصائد يتزايد، فكانت أول أغنية أغنيها لأم كلثوم على مستوى الاحتراف قصيدة «الأطلال» للدكتور إبراهيم ناجى الذى يرثى قصة حبه وفراقه لحبيبته فى قصيدة «الأطلال» بوجدان شاعر رهيف الإحساس.
ومن الأمور التى جعلتنى أيضًا أتعلق بقصيدة «الأطلال» هى أن الدكتور إبراهيم ناجى كان يأمل أن تغنى له الست إحدى قصائده أثناء حياته لكنها قدمت هذه القصيدة الرائعة بعد رحيله بنحو عام لكى تخلد ذكرى صاحب «الأطلال « للأبد.
البعض يرى أنك من أكثر المطربات اللاتى يقتصر غنائهن على أغانى الست فلماذا ؟! وهل ترين نفسك امتدادًا لأم كلثوم؟!
غنائى لأم كلثوم يعد بمثابة شرف كبير لى لكننى فى الوقت نفسه لا يقتصر غنائى على تقديمى لأغانى الست فقط، ولكن سبق لى أن قدمت أغانى لمطربات أخريات أمثال نجاة وفايزة أحمد وغيرهما من أصحاب الأصوات القوية والسر وراء تقديمى لأغانى الست هو أن الله عز وجل قد وهبنى مساحة صوتية عريضة تجعلنى أُفضل الغناء لأم كلثوم التى تجعلنى أستعرض مساحة صوتى العريضة بشكل جيد، ومن ثم فإن أغانى أم كلثوم هى الأقرب والأنسب لي، ولكن ليس معنى ذلك أننى أعتبر نفسى امتدادًا لها، لأنه لا يوجد أحد يصل لمكانة أم كلثوم فضلًا عن أننى أعتبر نفسى من حفظة التراث الغنائى المصرى وخاصة أغانى الست التى أقع فى أسر هواها.
رغم مرور خمسين عامًا على رحيل أم كلثوم هذا العام إلا أن أغانيها مازالت تتربع على عرش الأغنية العربية وتحتل الصدارة داخل وجدان الأمة العربية فما تفسيرك لذلك؟!
لأن شخصية أم كلثوم متفردة فى كل شيء ويرجع الفضل فى ذلك إلى نشأتها داخل أسرة ذات ميول دينية، حيث كان يتولى أمرها أبوها ثم عدة مشايخ على رأسهم الشيخ أبو العلا محمد الذى كان له دور هام فى صياغة المعجزة الصوتية الكلثومية مستغلًا فى ذلك قوة صوتها وإحساسها المرهف الذى يفيض بمشاعرها البكر الصادقة، بالإضافة إلى أنها كانت تحظى بملكة الذكاء والابتكار ما أثرى لديها شعورها بالثقة بالنفس والقدرة على التأمل والخيال والارتجال فكل ما سبق ذكره جعل أم كلثوم أصغر صييتة فى عصرها تتفوق على إمكانيات الأخريات من المطربات حتى الآن.
إلى جانب أن أم كلثوم كان لديها مخزون من الثقافة بسبب حفظها القرآن الكريم وترتيلها له ما انعكس بعد ذلك على أسلوب غنائها ووقوفها على المسرح وحرصها على أن تظهر بملابس محتشمة وإجادتها فن التعامل مع الجمهور واستخدامها لغة الجسد بصورة مبهرة، وكانت حريصة جدًا على مواكبة تطورات العصر وتلبية احتياجات الجمهور والذوق العام، بسبب إطلاعها على كل ما هو جديد فى عالم الموسيقى والغناء، والدليل على ذلك أنها أدخلت بعض الآلات الموسيقية الغربية مثل الجيتار والأورج والساكسفون فى أغانيها لكى تقدم فنها الراقى حينذاك بشكل يتواكب مع تتطور الحالة الغنائية.
رغم أنه سبق لك الغناء لعدة مطربات أخريات إلا أنك تخصصتى فى الغناء للست؟!
بلا شك أن أية مطربة محترفة تستطيع أن تقدم العديد من الألوان والقوالب الغنائية لكافة المطربات القدامي، وهذا مبعثه حبى لكل أغانى الزمن الجميل لذلك فإننى حريصة على الاستماع إليهن، ولا أجد ما يمنع أن أقدم ما يتيسر لى من أغانيهن التى تتناسب مع مساحة وطبيعة صوتي، لكن فى الوقت نفسه أعتبر أغانى الست هى مدرستى الغنائية الأساسية لأن أم كلثوم لم تكن بالنسبة لى مجرد مطربة ولكن تجمعنى بها حالة من العشق عجيبة لذلك تخصصت فى تقديم أغانيها.
هناك من حاولن الغناء لأم كلثوم لاكتسابهن قاعدة جماهيرية إلا أنهن أصابتهن لعنة الست بالفشل فما رأيك؟!
لا يجوز لأية مطربة أن تتعامل باستهتار مع الغناء للست لأنه فى هذه الحالة ستلاحقها لعنة الست كما أن اعتمادهن على الغناء لأكثر مطربة عربية ذات شعبية جارفة دون أن تكون لهن بصمة أو أية إضافة لشخصيتهن التطريبية فهذا يعد فى حد ذاته لعنة ومن ثم يتيقن الجمهور الفرق ما بين المغنية والمطربة التى تبدع فى تقديمها لأغانى الست من خلال شخصيتها الفنية المستقلة.
واتباعى لطقوسى الخاصة فى تقديمى لأغانى أم كلثوم جعلت الجمهور يثنى علىّ بأننى من أفضل الأصوات التى تغنى أغانى كوكب الشرق، لكن هذا لا يمنع أننى أواجه أصعب الأمور التى تتلخص فى مواجهة الجمهور فى كل حفلاتى لأننى أحرص فى كل مرة على تقديمى حالة غنائية صادقة بهدف إسعادهم والعودة بهم إلى ذكرياتهم مع كل أغنية.
تتعدد المدارس اللحنية فى أغانى كوكب الشرق فإلى أى منها تنتمين؟! وعلى أى أساس تختارين أغانى حفلاتك؟!
بالفعل يوجد فى أغانى الست ثراء فنى يتمثل فى شعراء تلك الفترة الزمنية وملحنوها العظام أمثال السنباطى وعبدالوهاب وبليغ حمدى وغيرهم من عمالقة التلحين، لذا فإننى أستمع لكل هذه المدارس اللحنية وأذاكر ما بها من تفاصيل لكى استزيد منها لأن لكل مدرسة بصمة وأسلوبا خاصا بها من حيث طبيعة اللحن والإيقاع والتوزيع الموسيقي، فاطلاعى على كل هذه الأمور يصقل شخصيتى الفنية كمطربة تحظى بشرف الغناء لأم كلثوم، بالإضافة إلى تغذية ودعم أذنى الموسيقية ما يمنحنى الثقة والقدرة على إمكانية تقديمى لكافة الألوان الغنائية المتنوعة.
أما بالنسبة لمعيار اختيارى للأغانى التى أقدمها فى كل حفلاتى بالأوبرا فيرجع إلى مدى إحساسى بما يرغب الجمهور فى الاستماع إليه من أغانى الست إلى جانب قدرتى على معايشتى للحالة الوجدانية التى يعكسها كل لحن، ولذلك تتنوع قائمة ما أقدمه فى كل حفلاتى من أغان فقد أختار من بينها أغنية يغلب عليها الطابع الدرامى أو أغنية أخرى مبهجة أو قصيدة أو أغنية دينية وفقًا لمناسبة وطبيعة الحفلة المقامة.
من المعروف أن أم كلثوم لقبت بمطربة القصائد فلماذا ابتعدت بعض المطربات عن غناء القصيدة فى بعض حفلاتهن داخل الأوبرا؟ وأى من القصائد تحبين تقديمها؟!
القصائد لم تغب عن حفلات أم كلثوم وغنائها يتطلب من المطربة التى تقدمها بذل مجهود كبير وتستلزم إجراء أكثر من بروفتين عليها مع الفرقة، وبالطبع من أحب القصائد لقلبى «نهج البردة، حديث الروح، أقبل الليل» وغيرها، ويعد الموسيقار الكبير رياض السنباطى هو ملك تلحين القصائد للست والتى أحبها كلها بلا استثناء وأعتبر نفسى من عشاق القصائد التى تغنت بها أم كلثوم لما بها من رصيد لدى الجمهور.
من وجهة نظرك من هى خليفة أم كلثوم داخل الساحة الغنائية خاصة أننا رأينا منذ فترة حالة من الصراع ما بين عدة مطربات على لقب «صوت مصر»؟!
أم كلثوم بالنسبة لى بمثابة خط أحمر لا يجوز لأحد أن يدعى أنه خليفتها خاصة أن غالبية المطربات اللاتى تغنين لها قد نجحوا واشتهروا بأغانيها وألحانها ومجهودها وإبداعها ولم يصلن إلى هذه المكانة الفنية بأغانيهن الخاصة، وبالرغم من ذلك فإنه يوجد بمصر العديد من الأصوات المتميزة وأعتقد أن الأمر الأهم يتلخص فى مدى امتلاكهن أصوات مميزة بعيدًا عن أية مسميات أخرى.
ولا أستطيع أن أبدى رأيى فى أية مطربة تغنى أغانى الست ولكن هذا الأمر متروك للنقاد والجمهور.
هناك العديد من المطربات اللاتى قدمن شخصية الست فى بعض الأعمال المسرحية فلماذا لم تخوضى هذه التجربة؟ وما رأيك فى قيام الفنانة منى زكى ببطولة فيلم «الست»؟!
لدى بالفعل مشروع فنى خلال الفترة القادمة مختلف تمامًا عما قدم من قبل عن الست، لكنه ليس فى المسرح وسأعلن عنه قريبًا، وفى الوقت نفسه لدى شغف أن أشاهد فيلم «الست» للنجمة منى زكى وهل سيتناول كلا من المؤلف أحمد مراد والمخرج مروان حامد حقبة زمنية معينة من حياة الست أم أن هذا الفيلم سيكون بمثابة سيرة ذاتية لمجمل حياتها؟! وما هو الجديد الذى سيقدمه هذا الفيلم عما قدمه من قبل مسلسل «أم كلثوم» للمخرجة الكبيرة إنعام محمد على والنجمة صابرين؟.
ما أحلامك ومشاريعك الغنائية خلال الفترة القادمة؟!
من أهم أحلام حياتى أن أظل طوال عمرى أغنى أغانى أم كلثوم وأن أكون من ضمن المطربات حفظة التراث الغنائى المصري، علمًا بأن البعض من جمهورى يطالبنى بألا أكون حبيسة أغانى الست لكننى أرد عليهم بأن غنائى أغانى كوكب الشرق هو أجمل سجن من الممكن أن أدخله فى حياتى فى ظل الفقر الفنى والغنائى الذى نعايشه الآن، فهل يوجد الآن أغان وألحان وكلمات أفضل مما أبدعته الست؟!.
أما عن مشروعاتى الغنائية خلال الفترة القادمة فإننى سعيدة جدًا بمشاركتى مع المايسترو أحمد عامر ضمن فعاليات الأسبوع الثقافى المصرى بدولة قطر خلال هذه الأيام حيث سأغنى أغنية «فكروني» للجمهور القطرى الشقيق احتفاءً منا بالذكرى الخمسين لكوكب الشرق إلى جانب إحيائى حفلتين إحداهما «كلثوميات» مع المايسترو الكبير صلاح غباشى والأخرى مع المايسترو محمد إسماعيل الموجى داخل معهد الموسيقى العربية، بالإضافة إلى اشتراكى فى حفلات فرقة التراث للموسيقى والغناء التى تقام بشكل دورى شهريًا بقيادة المايسترو الكبير فاروق البابلى والتى يشرفنى انتمائى لها، كما أننى أستعد لتقديم فكرة جديدة أتمنى أن تحظى بقبول واستحسان الجمهور.