رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الشعب الفلسطينى حقًا «شعب الجبارين»


8-2-2025 | 16:43

الشعب الفلسطينى حقًا شعب الجبارين

طباعة
بقلـم: نجوان عبداللطيف

مشاهد كثيرة فى الأسبوع الثانى لسريان وقف إطلاق النار لها دلالات عديدة، أهمها مشاهد العودة التى تؤكد أننا أمام شعب لن يترك أرضه أبدا، على الرغم من ويلات حرب الإبادة التى شنها الجيش الإسرائيلى لمدة 15 شهرًا، وقُتل فيها ما يقرب من 50 ألف فلسطينى، وهدم آلاف المنازل والمستشفيات والمدارس وكل وسائل الحياة، إلا أن أهالى شمال غزة بمجرد السماح لهم بالعودة، انطلقوا بمئات الآلاف إلى الشمال، رسموا صورة بديعة وهم منتشرون على شاطئ البحر فى شارع الرشيد سيرًا على الأقدام، رغم التعب والأسى وفقدان البيت والأهل والأحباب فرحين بالعودة.. حقًا هو «شعب الجبارين»، كما أطلق عليه قائده الراحل ياسر عرفات.

بعض المحللين السياسيين فى إسرائيل يعزون هذا التأجيل لرغبة نتنياهو فى تغيير رئيس فريق التفاوض، بدلًا من رئيس الموساد ديفيد برنياع الذى يبدو من وجهة نظره متساهلًا، بضم وزير الشئون الاستراتيجية رون دريمر لفريق التفاوض، وتوليه قيادة المفاوضات فى المرحلة الثانية.

 

مشهد تسليم أربيل يهود..

 

هى إحدى الأسيرات التى اختلفت حماس مع إسرائيل بشأنها، فحماس تعتبرها عسكرية ومن ثم تطبق عليها آلية الإفراج عن المجندة مقابل 50 أسيرًا، بينما تحسبها إسرائيل مدنية، والأسير المدنى يُفرج عنه مقابل 30 أسيرًا فلسطينيًا، وكانت إسرائيل تنتظر الإفراج عنها فى المجموعة الثانية من الأسرى التى شملت 4 مجندات، وعلّقت إسرائيل عملية السماح لأهالى غزة من النازحين من الشمال بالعودة إلى ديارهم من الجنوب، والذين تكدسوا فى الشوارع وباتوا ليلتهم فى شارع الرشيد المطل على البحر، ورغم البرد القارس، فإنهم ظلوا متلحفين بسماء غزة شوقا ولهفة للعودة إلى ديارهم على الرغم من أنها أصبحت أطلالًا.

 

أربيل يهود كانت أسيرة لدى كتائب سرايا القدس «الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامى»، والذى كان يعتبرها عسكرية لأنها تعمل فى أنشطة أبحاث الفضاء فى مؤسسة تتبع الجيش الإسرائيلى.

 

أزمة أربيل لها عدة دلالات، منها مرونة حماس فى التعامل مع المطبات الإسرائيلية لإفساد الصفقة، والموافقة على اعتبار أربيل مدنية وتفويت الفرصة على إسرائيل، والسماح بخروجها يوم الخميس مع أسير مدنى تجاوز الثمانين، بالإضافة إلى خمسة من العمال التايلانديين، والذين خرجوا دون مقابل وفقًا للاتفاق.

 

حماس قبلت ذلك أيضًا من أجل عيون أهل غزة الذين ساروا على الأقدام كيلو مترات طويلة، وباتوا على شاطئ البحر فى هذا البرد القارس انتظارًا للعودة، هذا الشعب الذى مثّل حاضنة اجتماعية للمقاومة.

 

من دلائل أزمة أربيل التنسيق الكامل بين حركات المقاومة بين «الجهاد» و«حماس»، ومن المدهش أن الجهاد -كما حماس- استطاعت الحفاظ على الأسرى لديها دون أن يستطيع الجيش الإسرائيلى بقدراته التكنولوجية من الوصول إليهم.

 

عملية تسليم أربيل يهود أثارت أزمة جديدة، حيث أرادت حماس أن تخرج من خان يونس بجوار منزل الشهيد يحيى السنوار الذى دمرته القوات الإسرائيلية، وقد تجمع الآلاف من الفلسطينيين ليشاهدوا عملية التسليم، فى مشهد يدل على تلاحم الفلسطينيين مع حركات المقاومة، وعلى الرغم من أن رجال كتائب القسام أحاطوا بها من كل جانب لحمايتها، فإن ضغط وتكدس الجمهور حولها كان مقلقًا، ولكنها وصلت بسلام لسيارة الهلال الأحمر.

 

بنيامين نتنياهو الذى اغتاظ من مشهد تجمع الفلسطينيين، انتقد ما حدث وطالب بخروج إنسانى للأسرى، وأنه من غير المقبول تكرار هذا المشهد.

 

مشهد تسليم الدفعة الرابعة من الأسرى

 

أثبتت حركة حماس أن لديها سيطرة سلطوية ومدنية بخلاف العسكرية على قطاع غزة، حيث استطاعت خلال أقل من 48 ساعة، تنظيم خروج الدفعة الرابعة من الأسرى، كأفضل ما يكون، وفى منطقتين متباعدتين فى خان يونس فى الجنوب، وفى ميناء غزة وسط القطاع، اختارت الصباح الباكر فى خان يونس حتى تقلل أعداد الجمهور الذى يأتى لمتابعة المشهد.

 

وبتنظيم من كتائب القسام أفسحت منطقة كبيرة لعملية التسليم، وتراصت كتائب القسام بنظام حولها لمنع الاختراق، وأعدت مسرحًا لعملية التسليم، وضعت فى خلفيته صورة للشهيد محمد الضيف قائد أركان كتائب عز الدين القسام ومعه قيادات القسام الشهداء، رافع سلامة ومروان عيسى وغازى أبو طماعة ورائد ثابت والغندور ونوفل، وكانت حركة حماس قد أعلنت نبأ استشهادهم قبل يوم واحد من عملية التسليم الرابعة، ويبدو أنها أجّلت ذلك الإعلان أثناء الحرب؛ حفاظًا على الروح المعنوية للمقاومة.

 

وفى منطقة ميناء غزة تكرر ذات المشهد، وبنفس النظام تم تسليم الأسير «كيث» الإسرائيلى الأمريكى (65 عامًا) الذى يشكو من أمراض عديدة، ومع ذلك استطاعت حماس الحفاظ على حياته ويبدو شكله جيدًا، وخلفية مسرح التسليم صور القادة الشهداء أيضًا.

 

مشهد الكتائب المختلفة بدا كاستعراض للقوة، ولإثبات أن كتائب عز الدين القسام ما زالت صامدة، انتشرت أعداد كبيرة من المقاتلين، كل مجموعة ترتدى زيًا مختلفًا يعبر عن انتمائها، كتائب الزيتون، والشجاعية والتفاح وجباليا وغيرها، لتؤكد أنه ليس صحيحًا ما ردده الجيش الإسرائيلى عن القضاء على كتائب القسام.

 

تصرّ حماس على أن يتم التوقيع من خلال ممثل حماس، وممثل الهلال الأحمر، ويقوم مندوب حماس بختم الأوراق بختم حركة حماس وتضع على المائدة علم فلسطين، كما يقوم الأسرى بتوقيع تعهد أطلقت عليه حماس (إخلاء سبيل) وضعت عليه صورتهم، يتعهدون بعدم المشاركة فى الحرب على الفلسطينيين، كل هذا يثبت أن إسرائيل تتعامل مع حماس التى تعتبرها حركة إرهابية!

 

تقوم كتيبة الظل التابعة لحماس بإجراءات تسليم الأسرى، ويرتدى رجالها زيًا موحدًا أسود ويعلقون شارة على صدورهم، ويمسكون بالسلاح، بعضها بنادق حصلوا عليها من إسرائيل، وحدة الظل هى إحدى القوات الخاصة للقسام وأكثرها سرية، تم إنشاؤها عام 2006، ولم يُكشف عنها إلا فى عام 2016، ويتم اختيار عناصرها بدقة، وكان لها دور فى أسر الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط الذى تم تسليمه عام 2011 مقابل أكثر من ألف أسير فلسطينى.

 

واستخدمت الوحدة سيارة فى عملية تسليم الأسرى تتبع أمن المستوطنين حصلت عليها يوم السابع من أكتوبر فى عملية «طوفان الأقصى».

 

فتحت مصر معبر رفح من ناحيتها بعد أن كان مغلقًا منذ أشهر، بسبب سيطرة إسرائيل عليه من الجانب الفلسطينى، وبناءً على الصفقة أصرت مصر على استلام الاتحاد الأوروبى المعبر من الجانب الفلسطينى، كما كانت تنص اتفاقية المعابر عام 2005، التى وقّعت عليها السلطة الفلسطينية بعد انسحاب إسرائيل من غزة، وتم السماح بخروج متتالٍ للجرحى الفلسطينيين، وكانت أول مجموعة من الأطفال (37)، بعضهم يعانى من السرطان، ومن جراح نتيجة عمليات القصف الإسرائيلى المتوحشة، وستقوم مصر بتقديم الرعاية الطبية للمرضى واستضافة مَن صاحبهم من أسرهم.

 

بدأنا بمشهد العودة ونختم به أيضًا.. سيظل مشهد العودة العظيم محفورًا فى التاريخ الفلسطينى، وتاريخ الشعوب التى تسعى للتحرر وتتمسك بوطنها وأرضها، كل أسرة افترشت الأرض بجانب حجارة منزلها المهدم، بينما ضنت عليهم إسرائيل بالخيام ورفضت السماح بدخولها، ولكنه بالفعل «شعب جبارين».

 

أخبار الساعة