رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

العالمية نسمة عبدالعزيز بهجة موسيقى الماريمبا


17-2-2025 | 13:39

العالمية نسمة عبدالعزيز بهجة موسيقى الماريمبا

طباعة
بقلم: أحمد النبوى

العالمية حلم يراود الجميع كلٌّ فى مجاله وتخصصه، والشعب المصرى يفخر دائمًا بأبنائه الناجحين كأنهم أبناء العائلة. وظهر هذا واضحًا من خلال تجربة اللاعب محمد صلاح نجم ليفربول الانجليزى ومتابعة الشعب بأكمله لأخباره ومبارياته، حتى لو لم يكن يعرف قواعد اللعبة أو أسماء اللاعبين الآخرين. فالدعوات لصلاح تجدها فى كل بيت مصرى، والتحدث عنه بفخر واعتزاز كأنه ابن الأسرة. فلا تتعجب عندما تجد رواد السوشيال ميديا وفى الصحافة والقنوات يتحدثون عن قصة تجديد عقد صلاح والعروض المقدمة له، وكل واحد يقدم النصيحة له، وكلهم يتحدثون كأنه مدير أعمال صلاح أو وكيله، وهذا ليس تدخلًا، من وجهة نظرى، فى شأن داخلى لصلاح، ولكنه مشاعر حقيقية نابعة من وجدان الشعب المصرى تجاه فخر العرب وأفضل لاعب فى العالم، الذين يتمنون أن يستكمل صلاح مسيرته ليحصل على جائزة أفضل لاعب فى العالم رسميًّا. فما فعله ويفعله، وإن شاء الله يفعله، صلاح هو نموذج لتفرد الشخصية المصرية؛ لم يساعده أحد سوى عائلته الصغيرة واجتهاده وإصراره وحفاظه على نعمة الموهبة التى أنعم الله عليه بها.

صلاح ليس حالة فريدة، ولكنه مثل شفق الفجر الذى أنار الطريق للآخرين. ليأتى عمر مرموش بظروف صلاح نفسها، ليؤكد أن مصر ما زالت بخير، وأن شباب مصر ليسوا رواد السوشيال ميديا فقط، ولكن هناك نماذج إيجابية كثيرة ليست فى كرة القدم فقط، ولكن فى مجالات كثيرة فى الرياضة تحدثت عنها فى مقالات سابقة، مثل أبطال العالم فى الإسكواش أو أبطال الكاراتيه أو الهوكى وغيرها من الرياضات. ولأن الشعب المصرى يعشق الفن كما يعشق الرياضة، ستجد أن مصر ما زالت متفردة بحالات استثنائية لا يوجد مثيل لها، رغم حالة التراجع الجمعى والمنافسة مع بعض الأشقاء العرب.

 

فمثلًا، تحدثت عن السوبرانو العالمية فاطمة سعيد (تنزانيت مصر)، أو كما تحب أن تطلق على نفسها (بنت أبوها). واليوم نستكمل معًا نموذجًا جديدًا من التميز والتفرد المصرى الذى وصل للعالمية بهدوء، هى العالمية نسمة عبدالعزيز، عازفة الماريمبا، أكاد أكون متحيزًا لنسمة لمعرفتى لها أواخر التسعينيات فى أول لقاء فى حفل لفرقة الفنان يحيى غنام فى المسرح المكشوف بدار الأوبرا المصرية، ولم يكن آخر حفل أحضره للفرقة، التى كان لى بها أصدقاء كثيرون، وكان أداء نسمة بالنسبة لى ليس موسيقى فنية أبدعت بأدائها، ولكن تشعر معها أن قلبك وروحك يعزفان بسعادة معها، خصوصًا أن الفنان يحيى غنام كان قائد فرقة جميلًا يعطى مساحات منفردة لأعضاء الفرقة بأكملها.

 

نسمة كانت شابة متميزة، كما كانت عضوًا أيضًا فى فرقة العالمى عمر خيرت، وهو شرف عظيم لأى فنان موسيقى، نسمة وهى تعزف على آلة الماريمبا يمكن لك أن تغمض عينيك لتستمتع بأرشق أداء موسيقى، وكأن عصا الماريمبا ترقص وتغنى وهى تعزف، وإذا أغلقت الصوت وتابعت حركة جسم وأداء وتعابير وجه نسمة، ستشعر بأنها طفلة سعيدة تلعب وابتسامتها الجميلة التى لا تفارقها ولا تحمل أى هم للأداء، وكأن جسدها هو روح للآلة. وحقًّا الذى قال إن الموسيقى علاج للروح.

 

نسمة هى تلك الطفلة التى دخلت معهد الكونسرفتوار وهى فى الصف الأول الابتدائى وعزفت على الكمانجا والإكسلفون، وفى الثانوية تخصصت فى آلة «الكمان»، وبعد ذلك لعبت على آلة الماريمبا. وأثناء دراستها وعملها فى أوركسترا الأوبرا تقابلت مع الموسيقار الكبير عمر خيرت وقالت له: أحب موسيقاك وأتمنى أن ألعبها على الماريمبا. فقال لها: اختارى، واختارت وقتها «البخيل وأنا»، وبعد فترة فوجئت بالموسيقار الكبير يعطيها نوتة متوزعة وكتب لها إهداءً لـ«نسومة». ومن وقتها استمر التعاون بينهما وصارت عضوًا فى فرقته وقدمت أعمالًا مثل «عم صابر»، و«مسألة مبدأ»، وجزءًا من «العرافة». وهنا لا أسرد واقعة قد تكون معروفة عند بعضهم، ولكنها نموذج لجرأة طالبة مؤمنة بما تقوم به، وعلى الجانب الآخر موقف الفنان الكبير عمر خيرت الذى يعشق الموسيقى ويفتح الباب للشباب المبدع ليظهر إمكانياته. وهكذا هم الكبار دائمًا. وهكذا تفعل نسمة فى فرقتها بتقديم أصوات شابة وتمنحهم الفرصة للوصول إلى الجمهور.

 

وبعد التخرج بمرتبة الشرف التحقت بفرقة عمر خيرت وحصلت على منحة دراسية بأمريكا، وهى أول من أدخلت الماريمبا مصر. فهى رائدة هذا الفن فى مصر والشرق الأوسط، بل تحيى حفلات فى العديد من دول العالم. نسمة عبدالعزيز لم يكن مشوارها الموسيقى مفروشًا بالورود كما يتخيل بعضهم، ولكنها عانت من المرض لفترة تتخطى السنة ولم تيأس، وعادت من جديد لعشقها واستطاعت أن تكون فرقة موسيقية خاصة بها جابت بها كل محافظات مصر. لذا، لا تتعجب عندما تجد كل حفلات نسمة عبدالعزيز كاملة العدد، سواء كانت فى الأوبرا أو محكى القلعة أو أى حفلة فى محافظات مصر أو حتى خارج مصر.

 

الجمهور يستمتع بعزفها مجموعة من الألحان الشرقية والغربية التى أعادت صياغتها، ومنها على سبيل المثال: رمضان جانا، اللى بالى بالك، الفن، البخيل وأنا، أمى يا نور بيتنا، جاردز، حرمت أحبك، يا جمالو، إيه اليوم الحلو ده، ماريمبا فلامينكا، حلو المكان، سينر درامز، كراكشنجى، محتار، فيكتورى، حلال عليك، 3 دقات، مافيا، حارة السقايين، سهر الليالى، وغيرها من الألحان التى يحفظها الشعب المصرى عن ظهر قلب. ولكن مع نسمة وآلة الماريمبا ستستمع لها بشكل مختلف يمنحك مزيدًا من المتعة والبهجة.

 

عزيزى القارئ، إن لم تكن استمعت قبل ذلك إلى موسيقى نسمة عبدالعزيز فقد فاتك الكثير، ولكن باستطاعتك تعويض ما قد فاتك من متعة فنية حقيقية وسعادة غامرة وبهجة تدخلها موسيقاها على قلب مستمعيها.

 

دكتورة نسمة عبدالعزيز نموذج يستحق الاهتمام به وتكريمه من الدولة، هى وغيرها من النماذج المشرفة فى مختلف المجالات. وأعتقد من وجهة نظرى أن أعظم تكريم لها هو وجود فقرة لها فى الحفل العالمى المتوقع بمناسبة افتتاح المتحف المصرى الكبير. أعرف وواثق أن القائمين على حفل الافتتاح يجهزون مفاجآت كبيرة، مثلما حدث فى موكب نقل المومياوات الملكية المصرية إلى متحف الحضارة الجديد الذى أبهر العالم وترنيمة إيزيس الخالدة بصوت السوبرانو أميرة سليم باللغة المصرية القديمة. وأتمنى أن أرى أحفاد الفراعنة فى الاحتفالية العالمية، أمثال عمر خيرت وفاطمة سعيد ونسمة عبدالعزيز وأميرة سليم وغيرهم من المصريين الذين يستحقون بحق لقب أحفاد الفراعنة، وأنهم دليل على استمرار العطاء وإبهار العالم بالفن المصرى الممتد عبر آلاف السنين. فالموسيقى لغة تتحدثها شعوب العالم جميعًا، مثلها مثل متابعة كرة القدم، اللعبة الأكثر شعبية. فلِمَ لا يقدم الفرعون المصرى محمد صلاح فقرة فى الاحتفال العالمى هو وعمر مرموش؟