رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

قدوتنا العدل والعفو


22-3-2025 | 02:57

.

طباعة
بقلـم: محمد يونس

نستعرض فى هذه السطور قبسًا من أخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي منها حلم النبى صلى الله عليه وسلم، وعدله وعفوه صلى الله عليه وسلم.

إن خلق الحلم يحتاج إلى تدريب وتمرين ومجاهدة قوية للنفس، ومعناه ضبط النفس حتى لا يظهر منها ما يكره قولًا أو فعلًا عند الغضب، وهو أيضًا الأناة والعقل والصفح والتسامح وترك تعجيل إنفاذ الحكم، لما فى ذلك من وقوع الندم.

وهذا الخلق يدل على كمال الإيمان وحب العفو والإحسان، ويدل أيضًا على سيطرة صاحبه على ثورة الغضب وإخضاعها للوعى الحكيم.

هذا الحلم كان من خصال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أخلاقه، والشواهد على حلمه صلى الله عليه وسلم كثيرة، نذكر منها حدثًا دامغ البرهان على حلم لا يتمتع به أحد سواه صلى الله عليه وسلم، ذلك لما ذهب إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف وأن يدخلوا فى دين الإسلام، فجلس إلى نفر من سادتهم وأشرافهم فما كان منهم إلا أن استهزأوا به، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه، ويرجمونه بالحجارة، حتى أدميت قدماه الشريفتان، وفاض قلبه ولسانه بدعاء شكا فيه إلى الله ضعف قوته، وقلة حيلته، وهوانه على الناس، فأرسل الله إليه ملك الجبال يستأذنه أن يطبق عليهم الأخشبين وهما جبلان يشرفان على الطائف، فقال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم «بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له» فهذا حلم رسول الله، والذى كان من أهم أسباب نجاح دعوته إلى الله سبحانه وتعالى، فهو خلق من أشرف الأخلاق وأحقها بذوى الألباب والأمثلة كثيرة عن حلم سيد الخلق، ولا تخفى على الناس، فالهدف من ذكر هذا الخلق هو التأسى بصاحبه صلوات ربى وسلامه عليه.

«عدل والنبى صلى الله عليه وسلم» إن العدل خلاف الظلم، أمر الله به فى القول والحكم فقال تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) وقال عز من قائل (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).

لقد كان رسول الله عادلًا فى قوله وفعله وحكمه، لا يعرف الظلم، ولقد عرف بهذا الخلق فى الجاهلية وقبل بعثته، وله من المواقف التى يتجلى فيها هذا الخلق النبوى الكريم.

فلما اختلفت قريش فى وضع الحجر الأسود بعد بناء الكعبة، وكاد هذا الحادث أن يفضى بهم إلى الاقتتال، فوفقهم الله إلى رأى سديد فاتفقوا على أن يحكم بينهم أول قادم عليهم، فكان هو صلى الله عليه وسلم أول قادم، فقالوا هذا الأمين وقد رضينا بحكمه، فأمرهم أن يوضع الحجر فى ثوب وتأخذ كل قبيلة بطرف الثوب، ثم أخذ الحجر بيديه ووضعه فى مكانه، فحكم فعدل بينهم.

وعندما أراد أسامة بن زيد الشفاعة فى المرأة المخزومية التى سرقت، فقال قولته الشهيرة «أتشفع فى حد من حدود الله، والذى نفس محمد بيده لو أن فطمه بنت محمد سرقت لقطعت يدها» فكان هذا مظهرًا عظيمًا للعدل المحمدى.

وكان يعدل ويتحرى العدل بين زوجاته، ثم يعذر إلى ربه وهو مشفق خائف فيقول «اللهم هذا قسمى فيما أملك، فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك».

وهذا الأعرابى الذى قال له أعدل، فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فرد عليه إمام العادلين، ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل، خبت وخسرت إن لم أعدل».

وعندما أراد النعمان بن بشير - رضى الله عنه - أن يشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هبة لأحد أولاده، قال له «يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ فقال له نعم، فقال الله:أكلهم وهبت له مثل هذا، قال لا، فقال النبى: فلا تشهدنى إذًا، فإنى لا أشهد على جور».

وحرصًا منه - صلى الله عليه وسلم - وخوفًا من تفويت حقوق البعض، يقول لأصحابه «إنكم تختصمون إلى، ولعل بعضكم ألحن فى حجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار فليأخذها أو يذرها».

حتى الحيوانات قد نالت حظًا من عدله ورعايته، فهذا الرجل من الأنصار وكان صاحب جمل اشتكى لرسول الله بأن ذرف الدمع، فمسح عليه فسكت فقال: لمن هذا الجمل، فأجابه الرجل بأنه يملكه فقال له: أفلا تتقى الله فى هذه البهيمة التى ملكك الله إياها، فإنه شكى لى أنك تجيعه وتتعبه، هذا هو سيد الأنبياء وإمام الاتقياء وإمام العادلين صلى الله عليه وسلم، وهذه جوانب من سيرته محفوظة فى التاريخ وفى ضمير البشرية، شاهدة على قسطه وعدله.

«عفو النبى صلى الله عليه وسلم»

إن العفو هو ترك المؤاخذة عند القدرة على الأخذ من المسيء، وهى خلة من خلال الكمال، وصفة من صفات الجمال الخلقى، أمر الله تعالى بها رسوله بقوله تعالى: «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين» فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عن معنى هذه الآية فقال له «حتى أسأل العليم الحكيم»، ثم أتاه فقال: «يا محمد إن الله يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطى من حرمك، وتعفو عمن ظلمك»، فكان صلى الله عليه وسلم مضرب المثل فى الخصال الثلاث، والأمثلة على ذلك خير شاهد ودليل.

تصدى له أحد الكفار، ورسول الله مستلق تحت شجرة وحده وقت القيلولة، فوقف الرجل قائمًا على رأس رسول الله، والسيف فى يده، وقال من يمنعك منى الآن، فقال صلى الله عليه وسلم: الله، فسقط السيف من يد الرجل، فأخذه النبى وقال له من يمنعك فقال له: كن خير آخذ، فتركه، فعاد إلى قومه فقال جئتكم من عند خير الناس.

لما كتب الله له النصر وفتح مكة، ودخل المسجد الحرام، ووجد رجال قريش جالسين ينتظرون حكمة فيهم، فبادرهم متسائلًا «يا معشر قريش ما تظنون أنى فاعل بكم» قالوا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال لهم «اذهبوا فأنتم الطلقاء» فكان العفو من جنابه بعد ما لاقى منهم صنوف القهر والتعذيب وأصحابه كذلك، فلم يعنف ولم يضرب ولم يقتل، صلى الله عليه وسلم.

تآمر عليه المنافقون وهو فى طريقه عائدًا من تبوك إلى المدينة، لقتله، وعلم بهم، وقيل له فيهم ليقتلهم، فعفا عنهم وقال: لا يتحدث أن محمدًا يقتل أصحابه.

سحره لبيد بن الأعصم اليهودى، وأخبره الوحى بذلك وأعلمه بالمكان الذى وضع فيه سحره وكان بئرًا، فأرسل نفرًا من أصحابه وعلى رأسهم على بن أبى طالب، فاكتشفوه وأخرجوه من مكانه بالبئر، ولم يثبت أن رسول الله لامه أو عاتبه، مجرد لوم أو عتاب، فضلًا عن المؤاخذة والعقاب.

والأمثلة كثيرة للعفو المحمدى تتجلى فى أحلى صورة، فصلى الله على سيد الأنام ما عفا عاف، وآخذ مؤاخذ إلى يوم الدين.

 

 

 

 

أخبار الساعة