«قرن كامل من الزمان»، عنوان رحلة طويلة بدأتها مصر فى مكافحة مرض الدرن، والتى حلت فى الرابع والعشرين من مارس ذكرى الاحتفال بيومه العالمى، وهو احتفال جاء هذا العام مختلفًا، فخلال أشهر قليلة يمضى100 عام على مكافحة الدرن فى مصر، وهو قرن شهد إنجازات كثيرة جعلت البرنامج القومى المصرى لمكافحة الدرن نموذجًا يُحتذى به، ويلقى الكثير من الإشادات الدولية، على رأسها منظمة الصحة العالمية، الإنجازات ترصدها الأرقام بداية من انخفاض معدل الإصابة بالدرن فى مصر إلى 9.2 حالة لكل 100 ألف من السكان، والتحرك بجدية للقضاء على الدرن بحلول 2030.
فى البداية، تحدث الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمى باسم وزارة الصحة والسكان، عن كواليس وتفاصيل استراتيجية «القضاء على الدرن بحلول 2030»، وقال: الوزارة وضعت هذه الاستراتيجية بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، والتى تهدف إلى رفع معدل اكتشاف حالات الدرن إلى أكثر من 90 فى المائة من الحالات المتوقعة، وزيادة اكتشاف الحالات المقاومة للأدوية إلى أكثر من 80 فى المائة، بالإضافة إلى رفع نسبة نجاح العلاج إلى أكثر من 90 فى المائة، كما تسعى الوزارة إلى تقديم خدمات وقائية للفئات الأكثر عرضة للإصابة بالدرن، وهو ما سيؤدى إلى انخفاض معدل حدوث الحالات إلى أقل من نصف ما كان عليه فى عام 2015.
«د. حسام»، لفت إلى أنه «فى إطار العمل على تحقيق أهداف الاستراتيجية تم تطوير مستشفيات الصدر، وتحديث 8 وحدات مناظير شعبية، وزيادة عدد أقسام الأشعة المقطعية إلى 22 قسمًا، هذا فضلا عن إطلاق العديد من المبادرات؛ ومنها مبادرة صحة الرئة للكشف المبكر عن مرض السدة الرئوية والتوعية بوسائل الإقلاع عن التدخين، والتى استهدفت أكثر من 40 ألف مريض بـ28 عيادة خلال العام الماضى، كما تم إطلاق مبادرة للكشف عن الدرن الكامن بين مرضى الغسيل الكلوى، والتى استهدفت أكثر من 31 ألف مريض وإعطاء العلاج الوقائى، ومبادرة «التليّف الرئوى» إلى تهدف إلى توفير الأكسجين المنزلى لمرضى التليف الرئوى، واستفاد منها 490 مريضًا».
وتابع المتحدث الرسمى: «كما تم توفير أحدث أجهزة تشخيص الدرن عالميًا فى 48 مستشفى للأمراض الصدرية، وتقديم العلاج اللازم للحالات المكتشفة من أدوية الصفين الأول والثانى مجانًا، ويتم تقديم الدعم الطبى والاجتماعى والنفسى للمرضى فى إطار البرنامج القومى لمكافحة الدرن».
وفى مجال الدرن المقاوم للأدوية، أشار «عبدالغفار»، إلى أن «وزارة الصحة كانت رائدة فى إنشاء أول قسم لهذا المجال بمستشفى صدر العباسية عام 2006، وتم التوسع بافتتاح قسمين آخرين فى مستشفيات صدر المعمورة وصدر المنصورة»، لافتًا إلى أنه يتم تقديم أدوية الصف الثانى مجانًا للمرضى مع توفير الرعاية الطبية طوال فترة العلاج التى تستمر حتى عامين، حيث إنه بدأ البرنامج القومى لمكافحة الدرن فى تطبيق العلاج القصير المدى لمرضى الدرن المقاوم للأدوية، الذى يمتد لمدة 6 أشهر فقط.
من جانبه، قال الدكتور وجدى أمين، مدير الإدارة العامة للأمراض الصدرية: تواصل الوزارة الدعم لمرضى الدرن من خلال خدماتها الطبية الوقائية والعلاجية عبر 34 مستشفى و123 مستوصفًا للأمراض الصدرية فى جميع أنحاء الجمهورية، حيث تم تقديم الخدمة الطبية فى عام 2024 لنحو 2.2 مليون مريض، بما فى ذلك 2.1 مليون مريض فى العيادات الخارجية والطوارئ، و65 ألف مريض فى الأقسام الداخلية والرعاية المركزة.
«أمين»، أضاف: «تقارير منظمة الصحة العالمية تظهر أن نحو 10.8 مليون شخص يُصابون بالدرن سنويًا، مما يؤدى إلى نحو 1.25 مليون حالة وفاة، وفى مصر بلغ عدد حالات الدرن المكتشفة فى عام 2024 نحو 11007 حالات، وقد كانت نسبة الإصابة بالدرن الرئوى 53 فى المائة من إجمالى الإصابات، فى حين كانت نسبة الإصابات خارج الرئة 40 فى المائة، و7 فى المائة من الحالات كانت حالات إعادة علاج».
كما أشار إلى أن «تقرير 2024 الصادر عن منظمة الصحة العالمية أظهر انخفاضًا فى معدل الإصابة بالدرن فى مصر إلى 9.2 حالة لكل 100 ألف من السكان، مما يمثل انخفاضًا بنسبة 37 فى المائة مقارنة بعام 2015، مما يضع مصر على الطريق الصحيح للقضاء على الدرن، وقد أشادت منظمة الصحة العالمية بهذا التقدم»، مؤكدًا أن البرنامج القومى المصرى يُعد نموذجًا يُحتذى به فى هذا المجال.
وتابع: «كما سجلت مصر انخفاضًا فى حالات الإصابة بالدرن المقاوم للأدوية إلى 1 فى المائة من الحالات الجديدة، وانخفضت الوفيات إلى 0.42 حالة لكل 100 ألف من السكان، وارتفعت نسبة التغطية العلاجية إلى 88 فى المائة من الحالات المتوقعة، بينما وصل معدل نجاح العلاج إلى 87 فى المائة فى حالات الدرن الحساسة للأدوية، و75 فى المائة فى حالات الدرن المقاوم للأدوية».
«د. وجدى»، تحدث عن تاريخ مكافحة الدرن فى مصر، قائلا: فى عام 1901 كان البارون يوهان فون كنوب من أصحاب أكبر مصانع النسيج فى العالم، وكانت ابنته قد تُوفيت بسبب مرض الدرن، وعندما أُصيب ابنه بالمرض أتى به إلى مصر، وبعد أن زار الأقصر استقر بحلوان، ونتيجة جوها المناسب شُفى ابنه من مرضه الخطير، وفى عام 1903 أسس شركة مساهمة برأس مال وصل إلى 150 ألف جنيه، واشترت الشركة مساحة شاسعة من أملاك الحكومة، وأقامت عليها فندقا عُرف بفندق «الحياة»، وأشرف على بنائه مهندسون سويسريون، وألحق بالفندق الصحى معهدا طبيا للعلاج، وكان مديره الأول طبيبا ألمانيا شهيرا اسمه هانز فون كامب، وتم اختيار اسم فندق «الحياة» مراعاة لشعور المرضى.
وأكمل: «فى عام 1924 تم إعداد تقرير عن طريق الدكتور ظيفل حسن الوردانى باشا، وكان جرّاحًا متمرّسًا، ورئيس الجمعية الطبية، الذى أوضح أسباب وأهمية عمل مصحة للمصدورين فى مصر، وأثنى على اختيار حلوان موقعًا للمصحّة وقدّمه لوزير الأوقاف، وذكر فيه أن الدرن يعتبر من مشكلات الصحة العامة فى مصر، وقامت وزارة الأوقاف بشراء فندق الحياة من ورثة البارون، وبدأت فى إنشاء مصحة خاصة لمرضى الدرن، وتم اختيار الطبيب السويسرى برنارد رينيه للإشراف على تأسيسه، وفى 9 أكتوبر عام 1926 افتتح الملك فؤاد الأول مصحة حلوان، وتم إطلاق اسمه على المصحة فعُرفت بمصحة «فؤاد الأول»، وظلت تعمل حتى عام 1947، وتم تعيين الدكتور السويسرى برنارد رينيه مديرا لمصحة حلوان منذ افتتاحها حتى عام 1929، ثم الدكتور إيريك زيميرللى ليكون ثانى مدير لمصحة حلوان، وكان أول طبيب مصرى مديرا للمصحة هو الدكتور عبد الرؤوف حسن.
وتابع مدير الإدارة العامة للأمراض الصدرية: «فى عام 1925 خصصت كلية طب قصر العينى عدد 10 أسرّة بقسم الباطنة لعزل حالات الدرن بغرض العلاج وإجراء الدراسات والتعليم فى هذا المجال، وشهد عام 1929 إنشاء أول مستوصفين لعلاج مرضى الدرن؛ هما مستوصف السبتية بالقاهرة ومستوصف المنصورة بالدقهلية، وفى عام 1937 أُنشئت الإدارة العامة للأمراض الصدرية بوزارة الصحة، وكان أول مدير عام هو الدكتور محمود سليمان أباظة، بعد ذلك بدأ العلاج المنزلى لمرضى الدرن، وهو ما يُعرف بالعلاج تحت الإشراف المباشر عن طريق الجمعية العامة لمكافحة الدرن خلال الفترة من 1953 حتى 1961، حيث تولت وزارة الصحة والسكان مسئوليته بعد ذلك.
بعد ذلك، انتقل «د. وجدي» للحديث عن نهاية مصحة الدرن بألماظة، حيث أوضح أنه «فى ليلة 31 أكتوبر1956، أثناء هجوم من طائرات من القوات الجوية الملكية الإنجليزية، على مطار غرب القاهرة صدرت الأوامر بتبديل الهدف وضرب مطار ألماظة، وكانت هذه الضربة نهاية مصحة الدرن الثانية فى مصر بمنطقة ألماظة، وخلال فترة تولى الدكتور محمد النبوى المهندس وزير الصحة الأسبق، والذى لُقّب بـ«مهندس صحة مصر» أُنشئت معظم مستشفيات الصدر، وفى عام 1962 تم صدور قرار اللجنة العليا لمرض الدرن، والعام التالى صدر القانون رقم 112 للتغطية الصحية لمرضى الدرن، وكذلك إنشاء مراكز تأهيل مرضى الدرن بالمحافظات للمساعدة على إيجاد فرص عمل بعد التعافى، والبدء فى استخدام العلاج بالريفامبيسين.
مضيفا: «فى عام 1996 بدأ تطبيق استراتيجية الدوتس فى مصر والتى تعتبر أسلوب معالجة قصير الأمد، وهى أكثر الأساليب فاعلية فى معاجلة الدرن، وتحقق معدلات شفاء عالية، والبداية كانت بتجربة استرشادية فى 4 محافظات، ثم تمت التوسعة فى تطبيقها فى جميع أنحاء الجمهورية بنهاية عام 2000، ثم صدر القرار رقم 48 لسنة 1998 (برنامج الرعاية الاجتماعية لمرضى الدرن) والذى كان من مكونات «الإعانات الدورية» وتصرف للمريض المنتظم فى العلاج طبقا لحالته الاجتماعية والصحية، وقيمتها من 50 إلى 60 جنيها شهريا طوال مدة العلاج، و«الإعانات العاجلة» وتصرف لمواجهة حاجات عاجلة أو ظروف ملحّة للمريض أو أحد أفراد أسرته بحد أقصى 300 جنيه، وتُصرف مرة واحدة فى السنة للمريض الواحد، ويجوز صرفها أثناء صرف الإعانة الدورية».
وقال «د. وجدى»: فى عام 2002 أُجريت دراسة لمدى انتشار الدرن المقاوم فى مصر، وبلغت نسبة مقاومة الريفامبسيسن أكثر من 10 فى المائة، ومن بعدها بدأت تجربة مصر فى علاج الدرن المقاوم للأدوية، وكانت بداية التعاون مع الصندوق العالمى لمكافحة الإيدز والدرن والملاريا فى عام 2003، وفى عام 2004 كانت زيارة وفد من لجنة الضوء الأخضر التابعة لمنظمة الصحة العالمية لتقييم تطبيق الدرن المقاوم فى مصر، وفى عام 2006 تم افتتاح أول قسم لعلاج الدرن المقاوم للأدوية بمستشفى صدر العباسية بعدد 28 مريضًا، وكانت نسبة نجاح العلاج نحو 52 فى المائة.
«د. وجدى»، كشف بعد ذلك تفاصيل مكافحة الدرن خلال الفترة من من 2005 إلى 2015، موضحًا أنه تم تدريب فريقين بدولة لاتفيا على الدرن المقاوم للأدوية، هذا إلى جانب التعاون مع منظمة الجايكا فى تدريب اليمن، ثم دول إقليم شرق المتوسط على مكافحة الدرن، وخلال هذه السنوات انخفضت الوفيات من الدرن من 10 إلى 3 حالات لكل 100 ألف، وتم افتتاح 3 مراكز لعلاج الدرن المقاوم للأدوية، هذا إلى جانب تحديث اللجنة العلمية للبرنامج القومى لمكافحة الدرن برئاسة أ.د. مايسة شرف الدين فى ذلك الوقت، ومواجهة مضاعفات لقاح الـ«بى سى جى» للوقاية من مرض الدرن.
وأكمل: «أيضا شهدت هذه الفترة التوسع فى الوسائل التشخيصية والعلاجية، حيث تمت تقوية المعامل فى مصر عن طريق واحد من أحدث أجهزة الكشف عن مرض الدرن، وهو جهاز الـ«جين إكسبرت» الذى ساعد كثيرا فى اكتشاف الميكروب خلال ساعتين من دخول العينة إلى الجهاز ومعرفة مدى مقاومة الميكروب لأهم العقاقير المستخدمة فى العلاج وهو الريفامبيسين، حيث تم شراء 9 أجهزة، ثم زاد العدد إلى 49 جهازا بعد ذلك، وتطبيق منظومة الترصد الإلكترونى لمرضى الدرن، وكذلك تحديث اللجنة العلمية للبرنامج القومى لمكافحة الدرن برئاسة أ.د. محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الصحية».
وتابع«د. وجدى»، أنه «فى عام 2019 أثنت منظمة الصحة العالمية على جهود مصر فى تحقيق أولى مراحل التنمية المستدامة فى مجال مكافحة الدرن، حيث انخفض معدل الإصابة من 15 حالة إلى 12 حالة لكل 100 ألف من عدد السكان، وفى عام 2022 كرّمت هيئة التعاون الدولى اليابانية البرنامج القومى لمكافحة الدرن لتدريب الدول العربية والإفريقية فى مجال مكافحة الدرن والكوفيد، وشهد العامان الماضيان استكمال تطوير مستشفيات الصدر، وتحديث 8 وحدات مناظير شعبية، ارتفاع أقسام الأشعة المقطعية إلى 21 قسما، إطلاق مبادرة صحة الرئة والكشف عن 35 ألف مواطن، إطلاق مبادرة الكشف عن الدرن الكامن بين مرضى الغسيل الكلوى بالكشف على 32 ألف مريض».
جهود متواصلة وإنجازات حقيقة وراءها أبطال تكللت بنتائج مهمة؛ منها انخفاض معدل الإصابة بمرض الدرن إلى 9.2 حالة لكل 100 ألف من السكان، مما يضع مصر نحو طريق القضاء على الدرن، وحصول مستشفيات صدر الزقازيق وكوم الشقافة على اعتماد هيئة الرقابة والاعتماد (GAHAR)، وكذلك استراتيجية مصر للقضاء على الدرن 2025 – 2030، زيادة معدل نجاح العلاج إلى 88 فى المائة، برنامج ترصد إلكترونى.
.