رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الخروج على المألوف فى «لام شمسية»


10-4-2025 | 11:14

.

طباعة
بقلـم: أشرف غريب

يستلفت الانتباه فى الآونة الأخيرة وجود محاولة جادة من جانب صناع الدراما التليفزيونية الخروج على الأفكار النمطية التقليدية التى ظلت الدراما أسيرة لها ربما منذ بداية الإرسال التليفزيونى فى مصر عام 1960، تلك التى قامت على قصص الحب سابقة التجهيز والمعروف تفاصيلها سلفا، أو المغامرات الكوميدية المعتادة أو حتى الأعمال البوليسية المشوقة ذات الأحداث المثيرة، وكانت الحجة الدائمة فى ذلك أن مشاهدى الشاشة الصغيرة لهم ذائقتهم الخاصة التى يجب مخاطبتها، أو أن لشاشة التليفزيون ذاتها آدابها واعتباراتها الرقابية التى يجب مراعاتها عند تناول أى موضوع يقتحم على المتلقى خصوصيته وهو جالس فى بيته للفرجة أمام التليفزيون.

 

وربما كان هذا مقبولا أو مقنعا فى وقت من الأوقات، حين كان مشاهد التليفزيون لا يملك حرية الاختيار فيما يشاهده، أو قل إنه كان أسير ما يقدم له فقط قبل أن تتعدد روافد معرفته وانفتاحه على عوالم لم تكن متاحة له سواء عبر السماوات المفتوحة وتعدد القنوات التليفزيونية، أو حتى من خلال ذلك الفضاء الالكترونى الذى جعل كل شىء بالفعل عند أطراف أصابعنا، فما بالنا إذا كانت حياتنا قد أضحت أكثر تعقيدا مما كانت عليه وقت أن كان جلّ اهتمامنا متابعة الشقاق بين حافظ رضوان وشقيقه فى «الشهد والدموع» الذى أورثاه لنسليهما، أو ثنائية «المال البنون» التى ألح عليها كثيرا فى أعماله المؤلف محمد جلال عبد القوى كما فى «أولاد آدم» و«الليل وآخره» و«المال والبنون» مع تقديرى التام لتلك المتعة التى غمرتنا ونحن نتابع أعمالا درامية كهذه كانت تلائم المرحلة الزمنية التى ظهرت فيها.

أما اليوم فقد أصبحت مشكلات حياتنا أوضح عمقا بل وأشد أثرا، ما استوجب معها أفكارا تكون أكثر جرأة فى التعامل مع هذه المشكلات، وخروجا على مألوف الدراما المعتاد حتى يجد المشاهد جديدا يجعله يتشبث فى جلسته أمام شاشة التليفزيون بالساعات يوميا بحثا عما يغريه باستمرار المشاهدة، فتابعنا مثلا مسلسل «صوت وصورة»، وكيف تغلغلت المستحدثات التكنولوجية فى صميم حياتنا اليومية، وامتلكت القدرة على إلباس الباطل ثوب الحق، والدور السلبى الذى تلعبه وسائل التواصل الاجتماعى فى توجيه الرأى العام وقيادته إلى مآرب تجافى الحقيقة، كما شاهدنا لأول مرة فى «حالة خاصة» بطلا مصابا بالتوحد ونظرة المجتمع له قبل أن ينجح بذكائه الفطرى وبراءته فى أن يكسب احترام الجميع ويأتى بما لم يستطعه الأصحاء، ثم أيضا مآسى نزلاء دور الأيتام على النحو الذى رأيناه فى حلقات «أولاد الشمس» فى النصف الأول من دراما شهر رمضان هذا العام.

غير أن الخروج على مألوف الدراما التليفزيونية قد بلغ ذروته – فى ظنى – من خلال حلقات «لام شمسية» التى صدمنا بها صناعها فى النصف الثانى من الشهر الكريم، نعم صادمة لأنها تناولت موضوعا شائكا وغاية فى الحساسية يتعلق بالتحرش الجنسى ضد الأطفال، وصادمة أيضا لأن التناول كان عبر الشاشة الصغيرة التى لم تكن فى السابق تجرؤ على كسر التابوهات المعروفة من دين وجنس وسياسة، صحيح أن السينما تناولت القضية سابقا فى أكثر من فيلم، ربما كان أبرزها «عمارة يعقوبيان» و«أسرار عائلية»، لكن الفيلمين كانا للكبار فقط، أما أن تخترق الدراما التليفزيونية تلك المنطقة التى كان مكتوبا عليها ممنوع الاقتراب أو التصوير، فهذه هى الجرأة فى أبهى صورها حتى لو كانت الحلقات قد خضعت للتصنيف العمرى الذى لا تستطيع أى أسرة بالضرورة الوفاء به وتطبيقه بحزم، لقد مس العمل الذى كتبته بقلم أقرب إلى مشرط الجراح كل من مريم نعوم وراجية حسن وأخرجه كريم الشناوى مشاعر الملايين بقدر ما أوجعهم وصدمهم بهذا الواقع المرير، وقد عاب البعض على توقيت عرض العمل فى شهر رمضان، بما يحمله الشهر الفضيل من معان روحية وعادات اجتماعية، لكننى أرى العكس تماما، فما دمنا قد قررنا الدخول إلى هذه المنطقة الشائكة فلا ضير من أن تصل إلى أكبر عدد من المشاهدين، وهو ما تحققه نسب المشاهدة التليفزيونية فى شهر رمضان.

لقد أفاق المسلسل كثيرا من الأسر، ودفعها إلى التزام الحذر والحيطة، وإعادة النظر فى علاقة أطفالها بمن حولهم، وقدم حملة توعية غاية فى الأهمية كانت المؤسسات والجهات المعنية على استعداد لدفع الملايين كى تصل الرسالة إلى مستهدفيها، فإذا بعمل درامى جيد الصنع ينجح بامتياز فى إيصال تلك الرسالة مهما كانت قسوتها وصدمتها، وهذا هو أحد الأدوار المهمة التى يجب أن تلعبها الدراما فى الفترة القادمة بدلا من التركيز على العنف والألفاظ السوقية وإبراز النماذج السيئة فى المجتمع، وأعتقد أن الجرأة لم تكن فقط فى الفكرة أو فى التناول، وإنما كانت أيضا فى قبول كثير من الممثلين لأدوارهم فى المسلسل لا سيما الممثل محمد شاهين الذى باتت اليوم تطارده اللعنات بسبب هذا الدور الجرىء، أو الطفل الموهوب على البيلى الذى أوتى من الشجاعة والجرأة بأن يقدم نفسه لجمهور الشاشة من خلال تلك الشخصية التى يمكن أن يتردد فى قبولها ممثلون كبار محترفون، فما بالنا بطفل صغير وجد نفسه بين عشية وضحاها حديث الناس كافة بسبب هذا الدور المثير؟

أخبار الساعة

الاكثر قراءة