أصدر رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار محمد نصر سيد قرارًا بزيادة المقابل المادي للخدمات التي تقدمها المحكمة للمحامين والمتقاضين بواقع 10%، حسب صيغة للقرار نشرتها عدد من حسابات المحامين والصفحات القانونية على فيسبوك.
وبموجب القرار الجديد الذي حدد توقيع رئيس المحكمة عليه موعد سريانه بداية من مطلع الشهر الجاري، زاد المقابل المادي لـ33 خدمة تقدمها المحكمة، من بينها خدمة الشهادات من واقع الجدول، التي زادت رسومها من 55 جنيهًا إلى 60.5 جنيه للشهادة، وخدمة الحصول على صيغة تنفيذية من الأحكام التي وصلت إلى 242 جنيهًا بعدما كانت 230 جنيهًا.
كما زاد المقابل المادي لخدمات من بينها إيداع عرائض الاستئناف ودعاوى رد المحاكم وطلبات الحصول على صيغ تنفيذية من تقارير الخبراء، لتصبح قيمة الرسم فيها 33 جنيهًا عن كل ورقة يتم إيداعها أو تصويرها.
وشملت الزيادات الجديدة خدمة التصوير الضوئي للقضايا الجنائية والتي باتت تتم مقابل 5.5 جنيه لكل ورقة، وكذلك خدمة الحصول على صورة ضوئية أو صورة طبق الأصل من الحكم الجنائي أو تصوير محاضر الجلسات والتي باتت تقدم مقابل 22 جنيهًا عن كل ورقة من الحكم أو المحضر.
أولا وللحديث عن القرار الصادر من السيد المستشار رئيس محكمة استئناف عالي القاهرة آنف البيان إنما ينقسم لشقين أولهما الشق القانوني: والشق القانوني في هذه المسألة يتعلق بالدستور والقانون، ففيما يتعلق بالدستور فقد نصت المادة (38) من الدستور المصري على:
"يهدف النظام الضريبي وغيره من التكاليف العامة إلى تنمية موارد الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، ولا يكون إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون ولا يجوز الإعفاء منها إلا في الأحوال المبينة في القانون ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم إلا في حدود القانون، ويراعى في فرض الضرائب أن تكون متعددة المصادر وتكون الضرائب على دخول الأفراد وتصاعدية متعددة الشرائح وفقًا لقدراتهم التكليفية، ويكفل النظام الضريبي تشجيع الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة وتحفيز دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتلتزم الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبي وتبنى النظم الحديثة التي تحقق الكفاءة واليسر والاحكام في تحصيل الضرائب، ويحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب والرسوم وأي متحصلات سيادية أخرى وما يودع منها في الخزانة العامة للدولة. وأداء الضرائب واجب والتهرب الضريبي جريمة". وقد أيدت القوانين ما جاء بالدستور وهو هامة القوانين المصرية.
فبالنظر لقانون الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية رقم 90 لسنة 1944 نجد أنه خلا تماما من أي حق أو اختصاص يخول أي شخص في أي موقع سواء وزير مالية أو رئيس محكمة أن يصدر قرارا بزيادة أو فرض رسوم قضائية أو غيرها بصفة عامة.
بل أنه وتطبيقا لما جاء به الدستور المصري وكافة القوانين فإن المحاكم المصرية تعرضت لذلك في 22 أغسطس/آب 2023، محكمة القضاء الإداري بالمنصورة وأصدرت حكمًا أبطلت بموجبه قرار رئيس محكمة الاستئناف بفرض تلك الرسوم، وأكدت أن أوراق الدعوى خلت مما يفيد بأن رئيس محكمة استئناف المنصورة كان مرخصًا له بفرض تلك الرسوم، سواء من خلال نص قانوني أو تفويض من السلطة المختصة بفرضها، ومن ثم "يكون قرار فرضها قد صدر من غير المختص قانونًا بإصداره". وأكدت المحكمة أيضًا أنه لا يجوز تكليف المتقاضين بأداء رسوم إلا في حدود القانون، وبناءً عليه يكون قرار فرض تلك الرسوم قد صدر متعديًا على سلطة المشرع.
وفي ديسمبر/كانون الثاني 2023، أبطلت دائرة الضرائب بالمحكمة الإدارية العليا، على نحو نهائي وباتٍ، قرار فرض رسوم ماسح ضوئي "الميكنة" عند إيداع صحف الاستئناف في دعاوى الأحوال الشخصية، ورفضت طعن الحكومة على الحكم الصادر لصالح المركز المصري وأيدت، بإجماع الآراء، الحكم الصادر بإلغاء قرار رئيس محكمة استئناف المنصورة بفرض تلك الرسوم.
وتعرضت مرة أخرى لزيادة الرسوم عندما قام وزير المالية المصري في التسعينات بفرض رسوم على البضائع فأصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما بإلغاء ذلك القرار، وهو الأمر الذي يتماشى مع صحيح ما جاء به الدستور المصري والقوانين المتعلقة بفرض الرسوم بأنواعها والضرائب وغيرها.هذا عن صحيح ما جاء بالقوانين المصرية.
وأما الشق الثاني في هذا الموضوع فهو حديث الواقع، والواقع يحتم علينا أن ننظر وقبل إصدار أي قانون أو قرار متعلق بفرض رسوم أو ضرائب تثقل كاهل المتقاضين اللذين في غنى أصلا عن ذلك فحالة البلاد اليوم ومع ثبات دخل المواطن وزيادة في كل شيء لا تستدعي زيادة حمل على ما تنوء الجبال بحمله وتحمله.
فليس الحل في زيادة الرسوم القضائية على المتقاضين وأن ذلك يتنافى مع ما جاء بالدستور الذي ينص على أن تقرب الدولة حتى المحاكم للمتقاضين وبفرض هذه الرسوم يصبح مرفق القضاء المصري حكرا فقط على الأغنياء ويضحي الفقراء والحال كذلك في حال يرثى لها فهم لا يستطيعون تحمل الرسوم القضائية الجديدة، إذ أن فرض الرسوم بهذه الحالة والشكل المغالى فيه يضع سورا عاليا حول المحاكم لا يستطيع الفقراء تسلقه بلوغا لحقهم في التقاضي، ويضحي صوتهم وصراخهم لا صاجا يرن ولا نحاسا يطن وهو الأمر المخالف لكل القوانين والأعراف بل وكافة قواعد الإنسانية ويضحي القرار باطلا فلا منح بعد منع (إلا بقانون )، ويضحي والحال كذلك بطلان قرار السيد المستشار رئيس محكمة استئناف عالي القاهرة وذلك لمخالفته الدستور والقانون وافتقاده لأي سند قانوني يخوله هذا الحق.
ونحن من جهتنا نقف خلف نقابتنا العزيزة فيما أصدرته من قرارات حاسمة لمنع تنفيذ هذا القرار الباطل بطلانا مطلقا.