خبر وفاة الفنان «سليمان عيد» آثار ردود أفعال كثيرة وحالة من الحزن والشجن على رحيل إنسان جميل خلقًا وروحًا طيبة،
لم يكن التسابق على نعى الفنان بأعماله الفنية ولكن بإنسانيته وتعامله بالفطرة الطيبة مع الجميع، وظهرت مشاعر الحب الحقيقية التى يحملها له زملاء المهنة.
كنت أتحدث مع أحد الفنانين ووجدته فى حالة حزن شديد بسبب الوفاة وقال لى نصًا (حزنى الأكبر إننى أعرف سليمان من سنوات طويلة رغم أنه كان كل تصرفاته معى تدل على الحب وأنا فعلاً بحبه وماكنتش بأقوله إنى بحبه).
توقفت عند هذه الكلمات العفوية ولا أعرف لماذا تذكرت الشاعر والمخرج الكبير نجيب سرور عندما قرأ خبر وفاته فى الجرائد وهو مازال حيًا.
واقتبس من رده هذه الجملة (بهجتى لنشر نعيى وأنا حى أعيش، فقد ودعنى الرفاق بمقالات ومرثيات لم أكن لأحلم بأن أراها ميتًا).
ومن فلسفة نجيب سرور إلى فلسفة العبقرى الراحل الفنان الكبير محمود مرسى والذى لم يكن يحب أضواء الإعلام تليفزيون أو صحافة وكان يحب العمل سواء فى الأستديو أو العمل الأكاديمى، وأتذكر أننى استطعت الحصول على رقم تليفون منزله ولم يكن متاحًا مع الصحفيين واتصلت به وسمعت صوته، على الجانب الآخر وعرفته بنفسى أنى معد برنامج ذكريات بالقناة الأولى وإننى أريد التسجيل معه بالبرنامج فضحك وقال لى (هو أنت عرفت أنى هاموت خلاص).
فقلت له لماذا نربط التكريم بالوفاة فقط
قال (للآسف هو دا الطبع فى مصر إنت عمرك شفت فنان اتكرم وهو حى)
وهنا أطرح تساؤلاً لماذا لا نظهر علاقة الحب فى حياتنا اليومية؟ هل أصبحنا غير قادرين على أن نحب؟ أم أننا غير قادرين عن الإعلان عن حبنا للآخر؟ لماذا ننتظر المرض حتى نسأل عن بعضنا البعض؟ لماذا ننتظر الموت حتى نعلن حبنا للمتوفى؟
الحب أساس الحياة أو كما عرف الشيخ ياسين التهامى - فى مشهد من مسلسل ستهم للسيناريست الرائع ناصر عبدالرحمن - الحب بأن الحاء حياة والباء بقاء
وإن لم تكن محب فأنت إذًا لاجئ وبدون حب فى أى مكان فأنت غريب
فالحب هو الهوية الحقيقية وإذ أنت لم تحب إذًا أنت ميت
الحب حرف يذيب القلب وحرف يشغل البال
والله ماطلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسى
فالحب الإلهى موجود منذ المصريين القدماء قبل ظهور الأديان وتزايد بعد نزول الكتب السماوية التى كلها تدعوا الى الحب فتجد فى موعظة السيد المسيح على الجبل عندما قال:
«أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردوكم».
وفى الإسلام حديث صحيح لأبى هريرة
(لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم). رواه مسلم
فالفوز بالجنة مشروط بالإيمان والإيمان مشروط بالحب وليس بأداء العبادات فقط
فالحب مفتاح الجنة
نعم هناك من لا يحبك وهناك أيضًا من لا تحبهم، وهذا وضع طبيعى ولكن علينا أن نبحث عمن نحبهم ويحبوننا لنستظل بحبهم ويجب أن لا نقع فى خطأ الاعتياد فى الحب، فلا نبادلهم الحب بحب، فمثلاً حب الأم ليس مشروطًا وهناك أشخاص منا تعتاد عليها فلا تبادلها نفس المشاعر بنفس المقدار أو حتى الزوجة أو الأبناء أو الإخوة أو الأصدقاء
وهناك أعلى درجات الحب وهو حب الله
ليس بالكلام ولكن بالأفعال والنوايا، وهذا النوع من الحب لا يستطيع أحد أن يحكم عليه لأنه علاقة خاصة جدًا بين الله والعبد.
فهناك من يعبد الله على خوف وهناك من يعبد الله عن حب ويرى الفقهاء أن عبادة الله عن حب أشمل من العبادة عن خوف أو طلبًا لدخول الجنة.
الحب ذكر كثيرًا فى القرآن الكريم وإن كان أدلها فى سورة يوسف بداية من حب الله ثم حب الأب لابنه وحب الأبناء لأبيهم وغيرتهم عليه من حبه لأخيهم أكثر منهم، وحتى حب امرأة العزيز لسيدنا يوسف عليه السلام والذى استمر حتى بعد الزج به فى السجن، وبعد خروجه اعترفت ببراءته «أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين».
وقد ظهر حبها أكثر عندما قالت (ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدى كيد الخائنين)
وسورة يوسف محببه ولها ارتباط قوى عند المصريين وبها كل أشكال الحب
ويرى البعض أن الآخرين أشرار ويجب معاملتهم بنفس طريقة تعاملهم، وهذا خطأ كبير نقع فيه جميعا وأنا أولكم ولكن هل يستطيع أحد تخيل الدنيا نهارًا فقط أو ليلاً فقط أو شمس طوال اليوم أو قمر فقط، فلولا الشر لما عرفت قيمة الخير، ولولا الكراهية لما ذقنا جمال الحب، وهكذا فى كل مجريات الحياة الشيء وضده فهى حكمة الله عز وجل وما علينا إلا أن نسعى لجهاد النفس وهو أصعب أنواع الجهاد، فحتى وسوسة الشيطان نستطيع أن نحتمى منها بطرق كثيرة، ولكن الحماية من النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة لا يأتى إلا بالوصول إلى النفس المطمئنة وهى أعلى درجات النفس والتى ذكرت فى القرأن الكريم فى قوله تعالى: «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً».
والوصول الى النفس المطمئنة يحتاج إلى جهاد طويل مع النفس بشرط اليقين بالله واليقين يحتاج إلى شدة محبة الله تعالى وتعظيمه وما أدراك أن أحبك الله عز وجل، ففى حديث أبى هريرة عن النبى ﷺ قال: إن الله تعالى إذا أحب عبدًا دعا جبريل، فقال: إنى أحب فلانًا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادى فى السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يُوضع له القبول فى الأرض، وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل، فيقول: إنى أبغض فلانًا فأبغضه. فيبغضه جبريل، ثم ينادى فى أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء فى الأرض.
فهذا الحديث الصحيح أكبر دليل على مدى أهمية الحب فى الحياة وحتى دعوات الأم المصرية لأبنائها (ربنا يحبب فيك خلقه) تأكيد على نفس المعنى.
فبالحب نستطيع الوصول إلى النفس المطمئنة بيقين الله ونستطيع أن نعامل الله فى معاملتنا مع بعضنا البعض.
الفكرة هى مجرد دعوة للحب لإعادة قيم وتقاليد المجتمع التى كانت موجودة، وللحق هى مازالت موجودة ولكن لا تسلط عليها الأضواء لاننى كما قلت سابقًا اعتدنا عليها الحب مفتاح الجنة.


