هي لم تكن تجيد القراءة والكتابة لكن علمها يفوق كافة صنوف العلوم فقد كانت تفكر بقلبها وعقلها وبكل ما تعنيه الكلمة من معاني هي كانت عبارة عن شخص " لم تره عين ولم يخطر على قلب بشر " ، وأنا لن أتحدث عن ذلك العقل لكنني سأتحدث عن غناها... نعم هي كانت فقيرة إلى الله لكنها كانت تمتلك الرضا ذلك الرضا بما قسمه الله لها في كل شيء كانت راضية فسترتنا فأصبحت أغنى أغنياء الأرض، نعم هي الأغنى ، كانت نعمة الرضا التي تمتلكها "مخيفة " فهي عاشت طيلة عمرها لم تطلب لنفسها شيء وكانت تخبرني أن معها مال كثير وليست في احتياج إلي أن أرسل لها أي شيء وأنا أعلم أنه ليس معها فقد كانت راضية بما أعطاها الله وراضية بما لم يعطيها، راضية بما تمتلكه وراضية عن ما لم تمتلكه لكنها كما أخبرتكم أغنى الأغنياء عاشت أمي الحبيبة لتعطي ولم تأخذ أبدا وماتت ولم تطلب أو تأخذ شيئا معها سوى ذلك الرضا العجيب الذي جعلها غنيه في كل شيء ومستغنيه عن كل شيء ، نعم كانت آمال فؤاد بولس ممن تحسبهم أغنياء من التعفف ، حقيقة يا أعز و أغلى و أحلى الناس أنني على ما تربيت عليه منكي لكنني لم أعلم أنني سأصبح شيخا وكهلا في ليلة وضحاها لقد عشتي لنا و أنا أدمنت ذلك فقد أحببت أن أكون المدلل والمميز في عينيكي لقد جعلتني كبيرا ذو قامة وقيمة عالية فأنت من حددتي سعرها و كتبتي على جبهتي " ليس لها سعر " نعم علمت يا أ مي العزيزة ان الرضا يجعل الشيء الصغير كبيرا والقبيح جميل والعليل صحيحا معافى والفقير غنيا... لقد قلتي خلف ما قال به العلماء اللذين قالوا أن العمل هو الحياه وخالفتي الفلاسفة الذين قرروا لنا أن المنطق السليم هو الحياة لتأتي أنت وتحطمي أقوالهم وتلقي على مسامعنا أن الرضا هو الحياه نعم صدقتي وهم كذبوا لا تحزني فقد ظللتي جميله حتى مماتك لأنكي غلبتي الموت برضاكي ولم يهزمك ذلك المرض القاسي نعم لقد استطاع أن يغير شعرك ووجهك الجميل لكنه انهزم أمام روحك الراضية لأنكي كما كنتي راضيه في الصحة كنتي كذلك في المرض، وبرغم حزني الشديد فإن صوتك مازال في مسامعي وما يبكيني سوى أنني أشتاق أن أراكي ولا أستطيع وأعلم أنكي لا تأتين إلينا وأما نحن فذاهبون إليكي وثقي تماما إنني أعيش بذلك الرضا الذي جعلكي الأغنى في كل شيء ، نعم إن أمي أعظم من أمهاتكم جميعا في نظري كما أن أمهاتكم أعظم من أمي في نظركم فلا تحرموني من قول هذا ولا أحرمكم من قول ذلك... ماتت أمي وعاشت أمهاتكم..