محمد عبدالله، وكيل نقابة المعلمين، أكد أن «أزمة اعتذارات المعلمين عن عدم المشاركة فى أعمال امتحانات الثانوية العامة هذا العام أصبحت لافتة للنظر»، موضحًا أن «أبرز الأسباب تتمثل فى ضعف المقابل المادى الذى لا يتناسب مع حجم الجهد المبذول والمسئولية الواقعة على عاتق المعلمين داخل اللجان، إلى جانب نقلهم إلى لجان بعيدة عن محل إقامتهم، ما يسبب مشقة ويؤثر على أدائهم».
«عبدالله»، أضاف: هناك عدد كبير من المعلمين ممن لديهم ظروف صحية أو أسرية خاصة، مثل الأمراض المزمنة أو رعاية أطفال، تعوقهم عن المشاركة، ومع ذلك يواجهون أحيانا تعنتا فى قبول اعتذاراتهم، وهو ما وصفته النقابة بـ «الأمر غير المقبول».
كما أشار وكيل النقابة، إلى أن «احترام ظروف المعلم وإنسانيته جزء لا يتجزأ من احترام العملية التعليمية ككل، وأن الضغط عليه فى مثل هذه الظروف لا يخدم مصلحة الامتحانات، بل يزيد من التوتر ويفتح الباب أمام الأخطاء والمشكلات داخل اللجان»، كاشفًا أن «النقابة طالبت بمراجعة آليات توزيع المعلمين على اللجان، بحيث تتم مراعاة البعد الجغرافى وظروف كل معلم، وإنشاء وسيلة إلكترونية موحدة تتيح للمعلم تقديم طلب الاعتذار وتتبع حالته بسهولة وشفافية، دون الحاجة للجوء إلى الإجراءات الورقية أو الوقوع تحت ضغوط إدارية».
«نعلم جميعا ذلك، ولكن لماذا هذه الأعداد الكبيرة أمام شبابيك لجان الاعتذار عن امتحانات الثانوية ؟..» سؤال طرحته سماح الحبشى، خبيرة قضايا التعليم ومؤسس جروب «أولياء أمور مدارس مصر»، مشيرة إلى أن «الاعتذارات وعزوف جميع المعلمين عن انتدابات الامتحانات الخارجية كارثة بمعنى الكلمة».
وعددت «سماح» مجموعة من الأسباب التى تدفع المعلمين لطلب الإعفاء من «مراقبة الامتحانات»، وقالت: أهم سبب هو ربط مستحقات المعلمين المالية على أساسى 2014، فى حين أن الجزاء والخصم يكون على أساسى 2025، وبهذا الشكل مطلوب من كل معلم صاحب أسرة أن يوفر مصاريف انتقالات ذهاب وعودة ولقمة بسيطة تسنده طول اليوم من جيبه الخاص، وذلك الوقت يأتي بعد إجازة أعياد ومصاريف زيادة فى ظل ظروف اقتصادية صعبة وأسعار مرتفعة.
وتابعت: يضاف إلى ما سبق أن الانتدابات فى مناطق بعيدة ونائية قد تأخذ من ثلاث إلى أربع ساعات أحيانا ذهابا ومثلها عودة، وبعض المعلمين انتدابات فى محافظة أخرى ويضطر المعلم للنوم فى فصول بسرير متهالك وجو صعب، أما المشكلة الأكبر فهى القانون رقم (205) لسنة 2020 بشأن مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات، فعلى سبيل المثال، إذا حدث وأمسك مراقب بأحد الطلاب وهو فى حالة غش داخل اللجنة، فإن ذلك يعتبر مخالفة للتعليمات الصادرة بشأن تفتيش الطلاب أو السماح لهم بالدخول ومعهم وسائل ممنوعة، وتعتبر إخلالا جسيما بالواجب الوظيفى، والعقوبة تحقيق فورى مع المعلم واتخاذ إجراءات إدارية وقانونية قد تصل إلى الفصل أو الإيقاف عن العمل.
ومؤسس جروب «أولياء أمور مدارس مصر»، أضافت: بعد انتهاء اللجنة مطلوب من المعلم أن يكون «سوبر هيرو»، حيث يتعامل مع حرب الشوارع من الطلاب وأولياء الأمور، ولهذا فإن أغلبهم يطلبون حماية الشرطة للخروج من اللجان، ولهذا نقترح أن تصرف مكافأة مالية مع خطابات الانتداب ليستطيع المعلم توفير نفقات الانتقالات دون تأثير على أسرته، إلى جانب العمل على توفير إقامة ملائمة للمعلمين وليست أسرة متهالكة داخل فصل بمدرسة، هذا فضلا عن النظر مرة أخرى فى الجزاءات التى توقع على المراقب عند اكتشافه حالة غش.
بدوره، قال الدكتور تامر شوقى، الخبير التعليمى: المعلم هو عصب العملية التعليمية والذى تقع على عاتقه مهام ثقال لا تقتصر على توقيت معين خلال العام الدراسى بل تمتد طوال العام الدراسى وما قبله وما بعده؛ وتتضمن تلك المهام مسئولية تعليم الطلاب، وتربيتهم، وتعديل سلوكهم، وتصحيح التقييمات سواء اليومية أو الأسبوعية، ثم الملاحظة والمراقبة على الطلاب أثناء الامتحانات ما بين امتحانات صفوف النقل، ثم امتحانات الشهادات العامة بدءا من الإعدادية وانتهاء بالثانوية العامة، ولعل قيام المعلم بأدوار الملاحظة أثناء امتحانات الثانوية العامة هو من أكثر الأدوار التى تسبب ضغوطا نفسية عليه، والتى تنتج عن عدة من العوامل تشمل صعوبة الفئات العمرية التى يتعامل معها المعلم وهم الطلاب فى المرحلة الثانوية أى مرحلة المراهقة التى تتميز بالتمرد على أى مصدر للسلطة؛كون امتحانات الثانوية العامة مرحلة مصيرية تحدد مستقبل الطالب، فإن ذلك قد يدفع الكثير منهم إلى الغش بل والاعتداء على أى معلم يمنعهم من الغش سواء لفظيًا أو جسديًا ويصل الأمر أحيانا إلى التشهير بذلك المعلم أو المعلمة؛ وقيام المعلم بالملاحظة فى أماكن بعيدة عن محل إقامته وعلى طلاب لا يعرفهم مما يقلل من قدرته على التحكم فى اللجان؛ وتجمهر الأهالى حول بعض اللجان مما يسبب تهديدا خطيرا للمعلم الذى يحاول منع الغش.
وأضاف: هذا بجانب أن تفاوت المدى العمرى بين سن الطلاب وسن المعلم يقلل من قدرته على التفاهم مع الطلاب؛ وعدم توافر اللياقة الصحية لدى بعض المعلمين وقيامهم بالملاحظة فى ظل ظروف مناخية شديدة الصعوبة مثل ارتفاع درجات الحرارة وعدم وجود وسائل للتهوية فى اللجان، وتحميل المعلم مسئولية حدوث أى حالات غش أو تسريب للامتحان فى لجنته وما يترتب على ذلك من عقوبات رادعة لها قد تصل إلى حرمانه من أعمال الامتحانات لمدة خمس سنوات، ناهيك عن عدم توافر الحماية الأمنية للمعلم خارج اللجان وكذلك ضعف المقابل المالى للمعلم من أعمال الملاحظة وذلك فى ضوء التضخم والارتفاع الشديد فى الأسعار مما يكلفه أموالا أكثر مما يتقاضاه بكثير، ثم بعد ذلك تأخر صرف مكافآت الملاحظة عدة أشهر مما يقلل من قيمتها ويخفض الدافع للملاحظة لدى المعلمين، وظهور تقنيات حديثة للغش سنويا يجهلها المعلم، ومع ذلك يتحمل مسئولية وجود مثل تلك التقنيات مع الطلاب».
الخبراء لم يكونوا الطرف الوحيد الذى تحدثت إليه «المصور»، فأصحاب المشكلة كان لهم رأى، فروى «أ.محمد»، معلم مادة التاريخ بإحدى مدارس محافظة المنيا، تجربته فى مراقبة امتحانات الثانوية العامة للعام الماضى، والتى وصفها بأنها «رحلة مشقة تبدأ بخطاب انتداب لا يعرف الرحمة».
وقال «محمد»: «تم إبلاغى بالتكليف قبلها بثلاثة أيام، وكالعادة مفيش مراعاة لا لبُعد المسافة ولا الظروف الصحية، طلب منى أن أكون موجوداً فى لجنة بقرية فى أطراف محافظة الفيوم. طيب إزاي؟ أنا ساكن فى مركز نائى مفيهوش مواصلات مباشرة، يعنى لازم أركب 3 مواصلات على الأقل، وأمشى نص ساعة على رجلى كمان، ولهذا أعددت حقيبتى ووضعت فيها ملابس تكفى أسبوعا، ومياه، وبعض الطعام الجاف، فالوضع المادى لا يسمح بشراء طعام من الخارج، وبدل الملاحظة سيأتى بعد أشهر، هذا إن أتى».
وتابع: «ركبت أول ميكروباص الساعة 5 صباحاً وبعدها قطار متهالك، وبعده توك توك، وكل ده وأنا شايل شنطتي، والجو حرّ نار وصلت أخيرًا المدرسة الساعة 11:30 صباحًا، وتم تسكينى مع 4 زملاء آخرين فى فصل دراسى به سريرين مكسورين، ومرتبتين رائحتهم لا تطاق، لا توجد مروحة، الناموس يهجم من كل ناحية.. قضيت أول ليلة على كرسى خشبي، لأن السرير لم يتحملني».
معاناة معلم التاريخ لم تنته عند هذا الحد، بل - حسب تأكيده - ما سبق لا يشبه ما سيأتى بعد ذلك، حيث قال: مع بداية عملى كنت مطالبا بمتابعة كل ما يحدث، وأحافظ على هدوء اللجنة، وأتعامل مع طلاب فى سن المراهقة مش طايقين نفسهم، فى إحدى المرات، ضبطت طالبا يغش بتليفون، أول ما سحبته، قاللى بصوت عالي: «أنا هكسّرك بعد اللجنة يا أستاذ» رجّعت التليفون للمراقب الأول، وقلبى مقبوض، بعد اللجنة خرجت وسط زملائي، والناس بتبص لنا كأننا ظلمة، مش حُماة امتحان».
وأضاف: «بعد يوم من المراقبة، خرجنا من اللجنة لقينا أولياء أمور متجمهرين، والطلبة بيزعقوا، كأننا كنا فى حرب، طلبنا من الأمن التدخل، ردوا: «استنوا شوية لما الناس تهدأ « أنا معى أسرة، وأولادى بيناموا من غير ما يطمنوا عليّ، وأنا خايف أرجع بإصابة أو مشكلة قانونية».
معلم التاريخ لم يكن الوحيد الذى عانى من أزمة «المراقبة»، فـ«أ.نجلاء» معلمة لغة عربية فى مدرسة ابتدائية بمدينة دمنهور، هى الأخرى تمتلك حكاية مشابهة، بدأتها بقولها: «أنا مش ضد المراقبة بس مش كل سنة أسيب أولادى وأطلع على محافظة تانية، أبات فى فصل، وآكل أكل مش ليا، وأرجع مهدودة من التعب! أنا أم قبل ما أكون معلمة ومفيش حد حاسس بينا».
وتابعت: «جاءنى خطاب الانتداب يوم الخميس، وقالولى لازم أكون يوم السبت فى لجنة بمحافظة كفر الشيخ، تحديدًا فى مركز بعيد مفيش وسيلة مواصلات مباشرة توصله، وعندى طفلة صغيرة وابنى التانى عنده امتحانات ثانوية عامة أيضا».
حاولت «نجلاء» تقديم اعتذار بسبب ظروفها الأسرية، لكنها فوجئت بالرفض بحجة «عدم كفاية الأسباب»، وأنها لم تُدرج ضمن الحالات الحرجة المقبولة للاعتذار، وأمام رفض اعتذارها لم تجد إلا تنفيذ القرار، «صحيت الساعة 4 الفجر، سيبت بنتى مع أمى الكبيرة فى السن، وقلبى بيتقطع.. ركبت 3 مواصلات لحد ما وصلت اللجنة الساعة 9صباحاً.
تم تسكين «نجلاء» مع زميلات أخريات داخل حجرة أنشطة مغلقة، «فرشنا بطاطين على الأرض، مفيش حمام قريب، والمية بتقطع، واحدة مننا عندها ضغط، والتانية كانت بتعيط كل ليلة من القلق على ولادها». لم يكن هناك أكل مجهز، فكل معلمة كانت تحاول أن تأتى بطعامها، لكن السوق بعيد، والمطاعم غير متوفرة فى هذه المنطقة الريفية.
داخل اللجنة عيون تترقب وأى غلطة بثمن، «الطلبة فى سن صعب، وكلهم حافظين قوانين الغش الجديدة أحسن منّا، كل ما حد يتحرك أحس إنه بيخبّى حاجة، وقلبى يتشد.. وفى اليوم الثالث، لاحظت حركة مريبة لطالبة فى الصف الثانى من اللجنة، فتوجهت إليها وكانت متوترة وفجأة صرخت واتهمتنى أننى قمت بالصراخ فيها وشتمها.. اتصدمت أنا ما قلتش كلمة غلط، بس الطالبة كانت بتحاول تعمل فوضى علشان كانت تقوم بالغش ، ولولا وجود المراقب الأول وشهادته، كنت دخلت فى كارثة».
وأكملت «نجلاء»: «بعد أسبوع رجعت بيتى وأنا حرفيًا منهارة، وابنى الكبير جاب درجة قليلة فى الامتحان وفضل يعيط علشان كنت مش معاه، ولما سألت عن المكافأة، قالولى بعد 4 شهور أو أكثر وقد تصل سنة.. ليه إحنا اللى بنتعاقب؟ ليه المراقب يبات فى مدارس، ويتعرض للإهانة، والضرب أحيانًا، ويتقال عليه مهمل لو ما شافش طالب بيغش؟ أنا معلمة مش شرطية، ولا حارسة أمن، ولا محققة! كل اللى بطلبه تقدير أو على الأقل، شوية رحمة».
«م. م»، هو الآخر يمتلك حكاية خاصة عن «أيام المراقبة»، رواها قائلا: «كنت شغال مراقب فى لجنة ثانوية عامة فى إيتاى البارود سنة 2015، وده كان فى شهر رمضان، فى يوم من الأيام أثناء الامتحان، لاحظت طالب بيغش باستخدام الموبايل، على طول اتحركت بسرعة، وخدت منه الموبايل وسلّمته للمراقب الأول، وخلينا الطالب يكمل امتحانه عادى عشان منضيعش عليه الفرصة، بعدما خلص الامتحان، جالنا خبر إن المحقق عايزنا تحت للتحقيق، نزلنا، وبدأوا التحقيق بالطالب الأول عشان يروح بدرى، بعد ذلك جاء دور المراقب الأول، وبعدها الملاحظ التانى، لحد ما جه دورى أنا كمراقب.. كان الجو حر جدًا وكنا صايمين، والساعة عدت 2 ونص رغم إن اللجنة خلصت من 12، أول ما دخلت التحقيق، سألتنى اللجنة: «ما قولك فيما هو منسوب إليك بأنك سمحت للطالب يطلع تليفونه ويغش من غير ما تلاحظ؟!».. استغربت جدًا، لأن ببساطة أنا اللى شفت الطالب وهو بيغش، وأنا اللى خدت منه الموبايل وسلمته، فإزاى يتقال إنى ما خدتش بالى؟! تجاهلوا التفتيش والأمن والبوابة والعصا الإلكترونية، وكل اللى فكروا فيه هو إن المراقب هو اللى يتحمل المسئولية».
«خطابات التكليف» أزمة أخرى تحدث عنها «م.ي»، وقال: «بصفتى مراقب فى لجان امتحانات الثانوية العامة، فيه مشكلة بنواجهها كل سنة وبتتكرر بدون حل، خطابات التكليف بتيجى لنا فى أماكن نائية جدًا، وللأسف الوصول إليها بيحتاج ست مواصلات رايح وست تانيين جاي، وده بيكون عبء كبير، خصوصًا على الزملاء والزميلات، واللى أغلبهم سيدات، كتير من زمايلنا بيعتذروا عن الملاحظة مش كسلًا ولا تهربًا من المسئولية، لكن ببساطة لأنهم مش قادرين يوفروا مصاريف التنقل، خصوصًا فى الظروف الاقتصادية الحالية، والمشكلة الأكبر إن بدل الانتقال بيصرف بعد شهور، والناس أصلًا خارجة من العيد والمواصلات أسعارها غالية، فإزاى نطلب منهم يستحملوا كمان فوق طاقتهم؟.. أتمنى يتم النظر فى حل جذرى للمشكلة، حتى لو من السنة المقبلة، عشان نقدر نكمل دورنا فى تأمين وانضباط الامتحانات، من غير ما نتحمل خسائر أكبر من قدرتنا».
على الجانب الآخر، أكد الدكتور أيمن منصور، الخبير التربوى، بوزارة التربية والتعليم، أن ما قامت به الوزارة لثانوية 2025 كخطوة لتحسين أوضاع المراقبين على اللجان محاولة لكسر حاجز المسافات أو تقريب المسافات للمراقبين فى أماكن اللجان حسب النطاق الجغرافى القريب لهم، والهدف منه تقليل الضغط والعبء عليهم، وهذا القرار تم تنفيذه بالفعل فى بعض المحافظات».
«د. منصور»، أضاف: أناشد وزارة التربية والتعليم السعى لتنفيذ خطوة أخرى، التى تتمثل فى سرعة صرف العائد المادى لمراقبة الامتحانات للملاحظين والمراقبين وتحسين أوضاعهم المادية؛ لأن هناك بعض المحافظات تتكاسل فى صرف العائد المادى للمراقبة لمدة تصل فى بعض الأحيان إلى عام كامل».

