أكد بيان صحفي نشرته الصين موقف بكين الغامض من الأزمة في أوكرانيا وذلك بعد اتصال هاتفي بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج حيث استشهدت بكين بتعبير يقول "من يعلق جرسا على رقبة النمر هو المسئول عن إزالته". وإذا اتبعنا منطق هذا التعبير فإن بكين تعتبر أن النمر هو روسيا، لكن مروضه - بالطبع، هو الولايات المتحدة - ويتحمل اللوم عن غضبها. والأمر متروك له لإيجاد حل. على عكس ما يعتقده الغربيون تماما ولكن يعتبر هذا هو أيضا موقف جزء كبير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية فى مقال بها تعليقا على البيان إنه بعيدا عن هذه الصيغة، يعطي البيان الصحفي الصادر عن بكين فكرة عن الأولويات الصينية. ويبدأ البيان بفقرة طويلة حول العلاقات الثنائية بين الجانبين، مشيرا إلى أن جو بايدن كرر رغبته في عدم إثارة "حرب باردة جديدة" مع الصين، ولا إثارة تحالفات ضدها، ناهيك عن دعم استقلال تايوان.
ومن جانبه، أكد البيت الأبيض، في بيان صحفي مقتضب للغاية، أن سياسته بشأن تايوان لا تزال كما هي وأنه "يواصل معارضة أي تغيير أحادي الجانب في الوضع الراهن".
وبالنسبة للصين، تعد قضية تايوان أكبر من قضية أوكرانيا. وتعتمد علاقتها مع الولايات المتحدة على هذه القضية. وحذر البيان الصيني من أن "سوء إدارة قضية تايوان سيكون له تأثير مدمر على العلاقات الثنائية".
وفي إشارة إلى أهمية هذه القضية، أبحرت سفينتان حربيتان، أمريكية وصينية، في مضيق تايوان يوم الجمعة، قبل ساعات قليلة من الاجتماع. ومن جانبه، قال إيفان ميديروس، المتخصص في العلاقات الصينية الأمريكية بجامعة جورج تاون بواشنطن، إن "الحرب في أوكرانيا تجعل التدخل في تايوان أكثر تعقيدا عسكريا واقتصاديا وسياسيا".
واستطردت صحيفة "لوموند" الفرنسية قائلة إنه يمكن اعتبار أن السرعة التي تبنت بها كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا عقوبات ضد روسيا هي إشارة واضحة مرسلة إلى الصين. ولكن من ناحية أخرى، لا يمكن لبكين أن تنأى بنفسها عن موسكو، فهي داعمها الوحيد الممكن في مجلس الأمن في حالة غزو تايوان. وعلى المستوى الشخصي، بالكاد يستطيع الرئيس الصيني شي جين بينج، قبل بضعة أشهر من مؤتمر الحزب الشيوعي، أن ينأى بنفسه عن فلاديمير بوتين الذي أبرم معه للتو "شراكة إستراتيجية غير محدودة".
فيما يتعلق بالنزاع الحالي في أوكرانيا، تؤكد الصين التزامها - الرسمي - بالقانون الدولي وتقول إنها "تعارض الحرب". واستبعدت الصين رسميا تقديم أي دعم عسكري لروسيا، كما تؤكد واشنطن بإصرار. أما صورة قافلة عسكرية طويلة تم التقاطها في شمال الصين باتجاه روسيا والتي تم تداولها على تويتر يوم الجمعة فهي "كاذبة" بحسب الإدارة الصينية. ويعود تاريخها إلى عام 2021.
وأبدت الصين استعدادها لمساعدة أوكرانيا بشكل أكبر على المستوى الإنساني كما دعت إلى التوصل إلى تسوية سياسية. لكن بكين اكتفت بدعوة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى "حوار مع روسيا" لمراعاة المخاوف الأمنية لكل من كييف وموسكو وكذلك "وقف الأعمال العدائية في أسرع وقت ممكن". بالنسبة للصين، أوكرانيا هي ساحة المعركة فقط بين روسيا والولايات المتحدة. وبالتالي، فإن الأمر متروك لهذين البلدين لحل هذه الأزمة. في 8 مارس، أدرج شي جين بينج الاتحاد الأوروبي ضمن أطراف المفاوضات التي كان يدعو إليها. ولم يعد الأمر كذلك.
وإذا كان البيان الصحفي الصيني لا يتطرق إلى العملية العسكرية الروسية، فإنه يتناول باستفاضة "الأزمات الخطيرة" التي يمكن أن تنجم عن العقوبات المتخذة "العشوائية" من حيث "التجارة، والتمويل، والطاقة، والغذاء" وكذلك على سلاسل "التوريد" وهي نقطة خلاف رئيسية أخرى بين الصين والغرب.
وأما في واشنطن، كان المعلومات المقدمة قليلة بشأن الاجتماع بين الزعيمين. فلم يصدر سوى بيان صحفي من خمسة عشر سطرا وتصريحات غامضة للغاية من مسئول كبير، في تناقض صارخ مع استراتيجية الشفافية المعتمدة تجاه روسيا منذ أكتوبر 2021. ولم ترد كلمة "العقوبات" في البيان الصحفي الأمريكي. وأوضح البيان أن جو بايدن "وصف التداعيات والعواقب إذا كانت الصين ستقدم مساعدة مادية لروسيا أثناء قيامها بهجوم على المدن والمدنيين في أوكرانيا". لا تريد واشنطن إعطاء الانطباع بتهديد الصين علنا، لمنحها هامش للمناورة وربما تسمح لها بالنأي بنفسها عن موسكو.
بالنسبة لواشنطن، تلعب بكين دورا رئيسيا، بصورة أقل في حل الصراع على المستوى السياسي بقدر ما يمكن أن تقوم به في الحرب الاقتصادية المفتوحة ضد روسيا. إنها مسألة تتعلق بتجنب تشكيل جبهة موحدة موالية لروسيا ضد الغرب .
وتعتقد الولايات المتحدة أن جهود العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة، التي تم فرضها مع الأوروبيين، تؤدي بالفعل إلى نتائج، وتعزل روسيا وتخنق مواردها المالية. والدليل على ذلك هو الإعلانات عن رحيل العديد من الشركات الأجنبية - والتي سيتعين التحقق منها - وتراجع سعر صرف الروبل والقيود الصارمة على الأسواق المالية.
لكن البيت الأبيض يدرك جيدا أيضا نقاط الضعف في هذه الأداة. المسألة الأولى هو الحفاظ على صادرات الطاقة إلى أوروبا، والتي توفر دخلا يوميا مريحا للغاية لروسيا. والثاني يكمن في المساعدة المحتملة التي يمكن أن تقدمها بعض الدول إلى موسكو، فيما يتعلق بمخططات التحايل على العقوبات أو عروض الاستبدال للمنتجات المحظور تصديرها إلى روسيا. ومن بين هذه الدول، تحتل الصين المرتبة الأولى.
وفي حديثه للصحفيين في 17 مارس، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين أن الصين تتحمل "مسئولية استخدام نفوذها" ونفوذها لدفع فلاديمير بوتين إلى إنهاء الحرب. وأضاف "بدلا من ذلك، يبدو أن الصين تسير في الاتجاه المعاكس، وترفض إدانة العدوان بينما تحاول وضع نفسها كحكم محايد. ونشعر بالقلق من أنها تخطط لمساعدة روسيا بشكل مباشر بالمعدات العسكرية لاستخدامها في أوكرانيا". ولذلك حذرت واشنطن بكين من أنه سيكون هناك "ثمن" يتعين دفعه مقابل أي دعم مباشر لموسكو، دون تحديد أي نوع من الدعم، أو الحد الأدنى للثمن الذي ستدفعه.