الجمعة 7 يونيو 2024

لماذا الاستعباط؟!


عبد المنعم عاشور

مقالات7-11-2022 | 22:16

عبد المنعم عاشور

حُسنًا فعل مجمع اللغة العربية مؤخرًا، عندما أجاز لفظ «استعباط»، الذي في وجهة نظر الكثيرين لفظًا عاميًا وليس عربيًا، والثناء هنا ليس مقتصرًا على إجازة المجمع لهذا اللفظ فقط، ولكن الثناء على دور المجمع نفسه الذي في وجهة نظري أصبح علماؤه الآن يعانون الأمرين للتقريب بين العربية الفصحى وبين العامية المستخدمة.

المجمع في قراره، قال إنه استعان بذكر لفظ «رجل عبيط» في المعجم الوسيط، ومعناه «أبله غير ناضج»، وبالتالي فعل استعبط أُخذ من الصفة وهو أمر مشروع، والمضارع من الكلمة يستعبط ومصدره استعباط، وجاء الفعل «استعبط» على وزن «استفعل» للدلالة على الظن أو الجعل إذا كان متعديًا، وجواز ماضيه يجيز مضارعه «يستعبط» ومصدره «استعباط» تكملة للمادة.

مشفق أنا على مجمع اللغة وعلمائه من الغزو التتاري للمصطلحات الغريبة التي دخلت على ألسنتنا الفترة الأخيرة، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى في المحادثات الواقعية، مجمع اللغة أصبح لا يستطيع اللحاق بكل هذه الألفاظ التي صارت من أبجديات الحديث، يريد دائمًا التقريب بين العربية والعامية وفق ما استطاع، يحاول البحث هنا وهناك من خلال لجانه المختلفة حتى يستطيع التسهيل على العامة في حديثهم.

ما يفعله مجمع اللغة وعلماؤه يستحق التقدير والإشادة، وليس الهجوم والتجريح من هؤلاء الذين يصدعون رؤوسنا على مواقع التواصل الاجتماعي، بأن المجمع يلهث وراء التريند ويجيز ألفاظًا بناءً على ما يطلبه المستمعون، المجمع الآن يا سادة في حالة يرثى لها من أجل الحفاظ على الهوية اللغوية التي بدأت في الاندثار، ويا ويل من ضاعت لغته، اللغة صمام الأمان لأي أمة وجزء من هويتها الثقافية، كفانا ألسنة ملتوية تدمج في كتابتها وحديثها ألفاظًا ومصطلحات غريبة.

وللأسف يظن البعض خطأً أن اللغة العربية هي ما يسمعه المشاهدون في فيلم «الشيماء»، أو هي ما كان يتحدث العرب قبل الإسلام فقط، اللغة العربية يا سادة تتطور كما يتطور الزمان، فلكل مقام مقال، تطور أي لغة أمر حتمي، لكن الأهم أي يكون هذا التطور بناء على آراء مختصين ولا يترك للعامة فيه الإدلاء بآرائهم، خاصة أننا في بلد الأزهر الشريف الذي حفظ اللغة وصانها على مر العصور، ولو كان في بلد آخر غير مصر لأصبح سكانه يتحدثون لغات أخرى، وانظروا إلى لغة الجزائريين والتونسيين وما فعله الاستعمار بألسنتهم.

يا سادة محاولات التقريب بين اللغة العربية والعامية جراحة دقيقة لا يتقنها إلا المختصون والعالمون بهذا الفن، فاتركوا الأمر لأهل الاختصاص نحن لسنا في حاجة إلى «استعباط» البعض.