الأحد 28 ابريل 2024

قصة حصوات المسالك البولية


قصة حصوات المسالك البولية

23-11-2022 | 13:34

أ. د وليد البوشى استشاري جراحة المسالك البولية والتناسلية والعقم نائب مدير مستشفى قصر العيني الفرنساوي
أعزائى القراء، فى البداية يجب علينا معرفة المقصود بـ”حصوات الكلى”، وأقول لكم إنها تعنى ترسب كمية كبيرة من الأملاح والمعادن الذائبة فى البول، ثم تلتصق جنبا إلى جنب مكونة حصوات رملية صغيرة، ثم تتجمع كل 3 أو 4 حصوات رملية لتكون كتلة صلبة الحجم وكبيرة وتسمى ب”الحصوة”، وفى الغالب تبدأ هذه الحصوات بالتكون فى حوض الكلى ويمكن أن تستمر بداخله أو تتحرك عن طريق الحالب إلى المثانة وتخرج من خلال مجرى البول. ولهذه الحصوات أنواع مختلفة ومن الأنواع الأكثر شهرة نجد حصوات أوكسالات الكالسيوم، وحصوات حمض البوليك، وحصوات السيستين، وحصوات الفوسفات، وهناك نوع آخر يسمى بـ”المختلط” لأنه يحتوى على حصوات أوكسالات مع كالسيوم مع كمية كبيرة من البكتيريا. وترجع أسباب تكون الحصوات إلى العديد من العوامل منها: - زيادة ترسب نوع معين من الأملاح المعدنية بنسبة كبيرة جدا فى الدم. - وجود عيب أو خلل فى مجرى المسالك البولية ،بمعنى وجود ضيق فى التقاء حوض الكلى بالحالب والذى يمكن أن يحدث منذ الولادة أو يكون نتيجة للالتهابات المتكررة فى الكلى. - يمكن أن تتكون الحصوات أيضا بسبب حدوث ضيق فى الطول الكلى للحالب، حيث إن طوله الطبيعى حوالى 27 سم، ويمكن أن يحدث ضيق فيه فى أكثر من مكان، وبالتالى يمنع انسياب البول وخروجه بالصورة الطبيعية ويتراكم فى حوض الكلى فتتجمع الأملاح وتلتصق ببعضها مكونة الحصوات، وسبب آخر هو زيادة تركيز نسبة الأملاح المعدنية، والتى تتكون منها الحصوات بأنواعها كما ذكرنا. وسنشرح لكم كل نوع على حدة. أولا : حصوات حمض البوليك تتكون نتيجة زيادة تناول أطعمة تحتوى على حمض البوليك أو أملاح اليوريك بكميات كبيرة مثل: جميع أنواع البقوليات (الفول، العدس، الفاصوليا، اللوبيا)، اللحوم الداكنة، الكبدة، البط، الحمام، وكثرة تناول القهوة العادية والقهوة سريعة الذوبان المشروبات الغازية، وعندما تزيد نسبة هذه الأطعمة فى الدم يصعب خروج أملاح حمض البوليك من الجسم فتترسب وتلتصق مع بعضها مكونة الحصى، وهو النوع الأكثر انتشارا فى مصر والدول العربية. ثانيا: حصوات الأوكسالات: وتنتج عن اختلاط الكالسيوم بأملاح الأوكسالات، فتتحول إلى صورة غير ذائبة فى الماء فلا تستطيع الخروج مع البول، وهذا النوع يصاب به الأشخاص الذين يعانون من خلل فى الغدة الدرقية أو الجاردرقية، والأشخاص الذين لديهم خلل فى الكلي، ومن يتناولون الألياف بكميات كبيرة مثل: السبانخ والملوخية لاحتوائهما على نسبة عالية من الأوكسالات، وأيضا يصاب بها الأشخاص الذين يتناولون الشاى بكميات كبيرة، حيث أن “باكت الشاى” الواحد أثناء وضعه فى الماء لمدة نصف دقيقة يخرج منه من 50:75 ملليجرام أوكسالات، والجسم يحتاج فقط 125 ملليجرام على مدار اليوم، لذلك بشُرب كوبين من الشاى فقط يوميا يحصل الجسم على المقدار الكافى من الأوكسالات ولكن أكثر من ذلك سواء بالطعام أو الشراب يعمل على إفراز نسبة عالية من هذه الأملاح فى البول ويزيد من تركيزها وبالتالى تتكون الحصوات. ثالثا: حصوات السيستين: وهى حصوات نادرة تتكون نتيجة لخلل جينى فى إنزيمات الجسم، وتحدث بنسبة 1000:1 بمعنى أن يصاب بها واحد من كل 1000 شخص، وهذه الحصوات صلبة جدا ويصعب تفتيتها وفى الغالب تحتاج إلى فتح جراحى لاستخراجها. رابعا: المختلط : وهذا النوع من الحصوات يحتوى على أوكسالات وكالسيوم وبكتيريا وأحيانا فوسفات، وتتسبب فى حدوث التهابات شديدة فى المسالك البولية ودائما تحدث ألم ومشاكل فى البول. أعراض الإصابة أما أعراض الإصابة بحصوات الكلى فتظهر فى صورة ألم فى الجانبين يصل إلى مجرى البول، ووجود حرقان فى البول أو ظهور دم فى البول، ويأتى بعد ذلك دور التشخيص الذى يبدأ أولا بعمل تحليل البول ومن خلاله تظهر نسبة الأملاح ونوعها ومنها يتم تحديد نوع الحصوة، وكذلك يحدد التحليل إذا كان هناك صديد فى البول والذى يحدث عند الإصابة بحصوات النوع المختلط كما ذكرنا مسبقا أنها تتسبب فى حدوث صديد، وأيضا يُظهر التحليل مدى تركيز البول بمعنى إذا كان لون البول داكنا يدل ذلك على أنه مركز وللأسف تركزه بنسبة عالية يساعد فى تكوين الحصوات، لذلك يعتبر تحليل البول بمثابة المرآة التى تساعد الطبيب فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمراحل العلاج. بعد ذلك يتم عمل أشعة تليفزيونية على البطن والحوض والتى تبين مكان الحصوات سواء كانت فى الكلى أو المثانة أو مجرى البول، ولكنها لا تستطيع أن تظهر إذا كان هناك حصوات فى الحالبين وذلك لوجود القولون والأمعاء أمامهم، ولكن يمكن أن يتوقع أخصائى الأشعة وجود حصوات فى الحالبين عندما يجد أثناء القيام بالأشعة انتفاخا فى حوض الكلى والذى يسميه الأطباء بـ”ارتجاع البول” وذلك يعنى وجود انسداد فى الحالب سواء كان بسبب وجود الحصوة أو نتيجة لحدوث ضيق فى الحوض مما يمنع خروج البول. والخطوة التالية هى عمل أشعة مقطعية بالصبغة على المسالك البولية وقبل إجراء هذه الأشعة يجب عمل تحليل لوظائف الكلى من أجل التأكد من سلامة الكليتين ووظائفهما، وذلك لأن وجود حصوات فى الحالب يتسبب فى انسداده وعدم خروج البول وينتج عن ذلك ارتفاع فى وظائف الكلى، وبعد الاطمئنان على سلامة الكلى يتم عمل الأشعة والتى تستغرق مدتها 10 دقائق فقط، ونتيجتها تحدد أماكن وجود الحصوات سواء فى الحالب أو الكلى أو مجرى البول أو المثانة، وتظهر حجم الحصوة وإذا كان يوجد معها ضيق، وأيضا تحدد إمكانية خروجها بالعلاج الدوائى أم لا. وهنا يأتى الحديث عن علاج هذه الحصوات، فمراحل العلاج تبدأ أولا بحصول الطبيب على التاريخ المرضى الكامل للمريض من خلال معرفة طبيعة أكله وشربه وكمية السوائل التى يحصل عليها يوميا، ثم معرفة بداية الشكوى والأعراض إذا كان الألم فى أحد الجانبين أو كليهما وهل يصل للحوض أم لا، وإذا كان هناك تغير فى لون البول أم يصاحبه دم، أيضا متى يتكرر المغص الكلوى وهل هناك تاريخ عائلى للإصابة المتكررة بالحصوات لأن معظم الحالات يعود سبب إصابتها للعامل الجينى أو الوراثى. ثانيا: يتم الاطلاع على التحاليل والفحوصات التى تم إجراؤها لتحديد طرق العلاج، وفى الغالب نبدأ بالعلاج الدوائى مع الحصوات التى يكون حجمها أقل من مللى وذلك من خلال تغيير العادات الغذائية حسب نوع الحصوة فمثلا إذا كانت من نوع حمض البوليك فعلى المريض الابتعاد عن البقوليات واللحوم الداكنة والتقليل من شرب القهوة والمشروبات الغازية وأن يزيد من شرب الماء بكميات كبيرة وهى الخطوة الرئيسية لعلاج مريض حصوات المسالك البولية فيجب أن يشرب كل ساعة كوبا من الماء ليحصل الجسم على احتياجه، فهو يحتاج إلى 4 لترات من الماء يوميا فى فصل الشتاء، وحوالى 5 أو 6 لترات فى الصيف. والأهم من ذلك أن يجمع المريض يوميا وعلى مدار 24 ساعة منذ استيقاظه مثلا فى الثامنة صباحا حتى النوم ليلا حوالى 2 لتر من البول، فهذا يساعد جدا فى العلاج ويحقق نتائج جيدة فى خروج الحصوة ويمنع تكون حصوات مرة أخرى. ثالثا: الابتعاد عن تناول الفيتامينات أو الأملاح المعدنية بدون الحاجة إليها مثل أقراص الكالسيوم وفيتامين سي، حيث اتجه الكثير من الناس إلى تناولها بكميات كبيرة جدا فى ظل انتشار فيروس كورونا كوقاية وبدون احتياج الجسم له، وهذا خطأ كبير لأنه يؤدى إلى زيادة ترسب الأملاح المعدنية وبالتالى تضغط على الكلى وتؤثر عليها وتجهدها، فممنوع منعا باتا أخذ المسكنات أو الفيتامينات بدون استشارة الطبيب. وفى بعض الأحيان تكون حصى الكلى المتشكلة عالقة داخل المسالك البولية أو ذات حجم كبير حيث لا يسمح بخروجها بشكل طبيعى من تلقاء نفسها وهنا يتم اللجوء إلى العلاج الجراحي. وقديما كانت الطريقة الوحيدة للعلاج هى الجراحة بعمل شق جراحى عند الكلى ويتم الوصول للمكان الموجود به الحصوة ومن ثم إزالتها، ثم بدأنا فى التسعينات باستخدام “المناظير الضوئية” وهى عبارة عن ألياف ضوئية تدخل عن طريق مجرى البول وأصبح من السهل إخراج أو تفتيت الحصوة إذا كانت فى أسفل الحالب، ولو كانت موجودة فى الكلى هناك أيضا مناظير للكلى يتم استخدامها. وفى أواخر التسعينات بدأنا باستخدام تقنية “ التفتيت بالموجات التصادمية” وهو جهاز يقوم الطبيب بظبط وتحديد أبعاده ويعمل أوتوماتيكيا من خلال توجيه موجات صوتية عالية الطاقة من خارج الجسم عبر الجلد نحو الحصى الكبيرة لتفتيتها أثناء التصادم بها إلى قطع أصغر يتم التخلص منها بتمريرها عبر البول، وبدون فتح جراحى أو منظار. وهناك خيار آخر وهو استخدام “مناظير الليزر” وهى مناظير مرنة على عكس المناظير الأخرى، وهذه المرونة تساعد فى التوائها يمينا ويسارا ويتم دخولها من مجرى البول وصولا إلى حوض الكلى ويمكن أن ندخل بها أيضا إلى أى جيب من جيوب الكلى سواء الجيب العلوى أو الأوسط أو السفلى، على عكس مناظير الحالب الصلبة والتى كانت أقصى مسافة تصل إليها هى أول ثلث مسافة من الحالب. والجميل أكثر أن شريط الليزر يستطيع الدخول من خلال هذا المنظار المرن ويقوم بتفتيت الحصوات الموجودة فى أى مكان سواء فى الحالب أو فى أى جيب من جيوب الكلى، فقد كانت هذه الأماكن صعب الوصول إليها سابقا إلا من خلال التدخل الجراحي. ومن أكثر ما يميز مناظير الليزر أو المناظير الضوئية أن المدة المستغرقة منذ دخول المريض إلى المستشفى وإجراء العملية وأيضا مدة الإفاقة لا يتعدى كل ذلك ال5 أو 6 ساعات ولا يحتاج المريض للإقامة فى المستشفى ويخرج سليما معافى مما يوفر الوقت والجهد والتكاليف المالية، على عكس ما كان يحدث قديما عند إجراء الفتح الجراحى والذى كان يستوجب إقامة المريض فى المستشفى لمدة أسبوع مع تركيب أنابيب الدرنقة بالجرح ثم يخرج إلى البيت ويمكث فيه أسبوعين متتالين بدون بذل مجهود ومع متابعة الطبيب للحالة، ولكن الحمد لله لا نحتاج لكل ذلك حاليا نتيجة للتطور التكنولوجي. وختاما أنصح مرضى حصوات المسالك البولية بأهم خطوة فى مراحل العلاج وهى الإكثار من شرب الماء وليس شرب المياه الغازية أو العصائر والتى يعتقد البعض بأنها بديل للماء، فعليكم بشرب كوب من الماء أو ما يعادل 250 سم كل ساعة على الأقل، وندعو بالشفاء لكل المرضى وأن ينعموا بصحة جيدة بدون العلاج الدوائى أو التدخل الجراحي.