الأربعاء 27 نوفمبر 2024

بخروا السلالم ... من عيون أم سالم

  • 3-9-2017 | 15:13

طباعة

كتب : يحيي تادرس

كل عام وأنتم بخير - والخير كلمة في القاموس المصري لها أكثر من دلالة فهي تعني - التوسعة في الرزق وكف الأذي والسلام والطمأنينة

....

فى عيد الأضحي المبارك مظاهر متوارثة - فالأضحية وذبحها وتوزيع معظمها علي «المحتاجين»...

لكنني أتوقف عند بعض المظاهر التي اختفت من حياتنا «جلود الأضحية» كانت عربات الإسعاف تطوف في تقليد يمتلئ بلمسات الدفء الإنسانية حيث يتبرع أصحاب الأضحية بفراءات «جمع فراء» أضحيتهم مساهمة منهم في مساعد ما تقوم به الإسعاف من مهمات...

اختفي هذا التقليد

....

و...... هناك غير هذا التقليد - كثير من الاحتفالات «الدينية» التي كان لها شأن في حياتنا «وتعالوا معي نقلب في صفحات المستشرقين الذين سجلوا مظاهر بعض هذه الأعياد»..

يكتب أدوارد وليم لين «1833 - 1835» يعرف اليوم العاشر من «محرم» - بشهر «عاشوراء» وهو يوم له عند المصريين منزلة خاصة.

فهو - كما سمعت هو يوم «اللقاء الأول» بين آدم وحواء بعد طردهما من الجنة؟ واليوم الذي خرج فيه «نوح» من فلكه ليكتشف الأرض و...... النجاة

ملحوظة «تعتبر الأرمن - جبل «ارارات» في الجزء الذي لم يتحرر بعد من أرمينيا - مكانا مقدسا - حيث طبقا لمعتقداتهم - الجبل الذي استقر عليه فلك نوح بعد الطوفان.

... ولأنه - هذا الشهر- الذي صام فيه العرب قبل الرسول صلي الله عليه وسلم.

و.... لأنه اليوم الذي استشهد فيه «الحسين» في معركة كربلاء ....

وكان المعتاد أن يقدم فيه المصريون لضيوفهم طبق عاشوراء..

ويتألف هذا الطبق من القمح المنقوع في الماء المحلي بالعسل ويزين هذا الطبق بالجوز والبندق والزبيب..

.....

وتقاوم ذروة الاحتفال بهذا اليوم - في مسجد الحسين

...

وعن هذا اليوم «عاشورة» - كتب صديقي الراحل «عاشق القاهرة» تحت عنوان :

يوم عاشوراء... والبخور

في يوم عاشوراء كان الاحتفال في القاهرة عظيما ومن مظاهره طبق عاشوراء

.... والبخور

....

وكان باعة البخور يضعونه علي طبلية خشبية مزينة بنشارة الخشب الملون التي توضع فوق أصناف البخور المختلفة يطوفون بهذه الطبالي في الشوارع والحارات لبيع البخور وينادون نداءهم الشهير:

عاشورة المباركة

... وكان من عادة المصريين اطلاق البخور في هذا اليوم - منعاً للحسد فهم يقولون مثلا:

بخروا السلالم من عين أم سالم

بخروا اللحاف من عين أم إنصاف

بخروا الكتكوت ليطق ويموت

بخروا المغرفة من عين أم مصطفى

بخروا النملية من عين أم عطية

.... وكان الأهالي يتبادلون اطباق العاشورة - أما الاغنياء فكانوا يوزعونها علي الفقراء..

....

وكان من عادة «الخديو إسماعيل» أن يبعث إلي جيرانه في حي عابدين بأطباق كبيرة من العاشورة وتغطي هذه الأطباق بمناديل من حرير أما الأطباق ذاتها فكانت من «البورسلان» الفاخر.

ونعود إلي المبخراتية:

... وكانت طائفتهم من أشهر الطوائف الحرفية بالقاهرة وكان من المبخراتي .. يملك مبخرة نحاسية ذات سلاسل لا تساوي «نصف ريال» لكنها كانت تدر عليه رزقه طوال الشهر.

....

وكانوا- المبخراتية يقسمون مناطق النفوذ بينهم - وكان لهم شيخ ينظم تلك الأقسام..

أما البخور .. فكان يستخدم اساسا في الحسد وأشهر أنواعه

نظرة العين ... و.... المهم .... لم يتبق من هذه المهنة سوى أفراد قلائل يمارسون نشاطهم في«دكاكين» خان الخليلي غالباً.

....

ونصل الآن إلي ذروة الاحتفال بعيد الأضحي .. الحج إلي بيت الله وبالتحديد عند عودتهم من الأراضي المقدسة:

تصل قافلة: الحجاج عن طريق البحر الأحمر ويسبق «شاويش الحج» القافلة بأربعة أو خمسة أيام بصحبة أعرابين علي ظهور الجمال - ليعلن قرب وصول الحجاج وليحضر رسائلهم إلي اصدقائهم ويجوب علي زميليه الشوارع منادين بارك علي رسول الله أو بارك الرسول فيجيب كل مسلم يسمع نداءهم «اللهم بارك عليه».

ملحوظة: «هذا وما يليق وصفا سجله أحد المستشرقين وأنا أنقله بالنص»

... ويتوجه الموكب إلي القلعة مباشرة إلي «الباشا» ويقوم «الشاويش» بعدها بفرز الرسائل التي يسلمها إلي أصحابها.. مقابل علي الهدايا أو الأموال.

وقد يخرج بعض الأشخاص في رحلة تستمر يومين أو ثلاثة للقاء أصدقائهم الحجاج حاملين معهم الفواكه الطازجة وغيرها من المأكولات ..والثياب - كما يصطحب بعضهم فرقا موسيقية لتكريم أصدقائهم.

... وأنه لمنظر يثير للعواطف رؤية الناس ينطلقون بطبولهم عند وفود القافلة للترحيب بالعائدين من مناسك الحج ومواكبتهم إلي المدينة وقد تتحول الأفراح إلي أحزان - فالرحلة عسيرة وشاقة علي بعض الحجاج العائدين - الذين قد يقضون نحبهم في الصحراء..

وكثيرات هن النساء اللواتي يذهبن لملاقاة أزواجهن أو أبنائهن مزودات بالأطعمة والثياب.

ويستطرد «أدوار لين» 1834

... وصلت القافلة - كما راها وسجلها لنا «لين» إلي محطتها النهائية «الحوشة» قبل القاهرة بعدة أميال وبعدها تنقسم إلي عدة أقسام تدخل من أبواب القاهرة المعروفة «الفتوح والنصر والعدوي»؟

.....

ويستطرد «لين» وقد لاحظت ارتفاع نسبة الحاجات من النساء فنظرا لغياب الرجال - الذين أجبروا علي القيام بالخدمة العسكرية والتي كان لها - عند الضمير الشعبى ما يشبه المأساة.

المهم يحمل الحجاج معهم الهدايا من الأراضي المقدسة مثل ماء زمزم وقطعا من كسوة الكعبة وتراب من قبر «الرسول» إلي جانب اللبان والامشاط والسبح والمساوك «لتنظيف الأسنان»

....

ويقوم المصريون بتزيين مداخل العائدين من الحج بتلوين الأبواب والمداخل بالأبيض والأحمر.

ملحوظة: لا تزال هذه العادة سائدة حيث يضاف إلي تلك الألوان - مشهد الباخرة - وجملا وطائرة...

.....

وبعد وصوله يقيم حفلا لاصدقائه وحفلا آخر في اليوم السابع لرجوعه «حفلة السبوع»..

... ويحدثنا «لين» عن المحمل «الذي اختفي موكبه من حياتنا» وهو عبارة عن مربع خشبي له قمة هرمية وغطاء من قماش فاخر نقشت عليه كتابات كثيرة؟ مزينة بتطريز ذهبي .. وفي كل غطاء منظر للكعبة مشغولا بالذهب

...

ويقال - كما سمعت أن السلطان الظاهر بيبرس كان أول من أرسل محملا علي قافلة من الحجاج إلي مكة عام 670 هـ و1272م ولكن البعض أخبرني بأن هذا التقليد سبق هذا الحاكم - إذ أدت «شجر الدر» وليس «شجرة الدر» مناسك الحج في هودج رائع علي ظهر جمل..

....

والمهم - ظل هذا التقليد سائرا لدي كافة الأمراء الذين تناوبوا علي حكم مصر

... وكان هذا «الهودج» يسمي بالمحمل وكانت القاهرة تشهد احتفالات عدة تواكب انطلاق المحمل إلي مكة إذ يخرج الصبية إلي الشوارع في جماعات وكل منهم يحمل «مقرعة» طالبين ممن يقابلونه «العادة» وهي بضعة عملات معدنية فإن رفض طلبهم - ينهالون عليه ضرباً...

.....

وإنني أنقل هذا بأمانة في أحداث ومشاهد كانت تميز احتفالات مصر والقاهرة - الدينية.

والآن - وبعد أن طفت بكم في بعض احتفالات مصر وعاداتها وتقاليدها في عدة عصور ومشاهد - اسمحوا لي أن أذكر وبكل الأسي أحد اعيادنا القومية التي بطل الاحتفال بها وهو عيد «وفاء النيل».

كان الاحتفال به في باخرة نيلية اسمها «العهد» ترسل كل عام علي مقربة من كوبري قصر النيل أمام قصر «والدة باشا» وهو قصر أم الخديو إسماعيل وكان يشغل المربع الذي أقيم فيه فندق شبرد الجديد ومباني وزارة الصناعة والمباني والعمارات المجاورة حتي سور السفارة البريطانية.

... وكان القصر جميلا وقد أقام فيه «مختار باشا الغازي» من قواد الحرب الاتراك..

وسمعنا «كما يذكر أ.عبدالمنعم شميس» أنه كان يوم يرسل عيونه وجواسيسه لمعرفة موعد خروج «اللورد كرومر» من قصر الدوبارة «دار المندوب السامي البريطاني - ثم يعد موكبه الرسمي العثماني أمام قصر الوالدة باشا ليسبق كرومر إلي عابدين.

.....

كانت هناك العديد من الحكايات المثيرة عن إلقاء عروس في النهر بعيدا عن أنظار الجماهير «عروس النيل - لبني عبدالعزيز ورشدى أباظة» وكان من العادة كتابة حجة شرعية يوقع عليها «مفتي الديار المصرية» ويثبت فيها أن فيضان النهر قد بلغ تمامه وكماله - ثم يشهد بذلك شهود من الحاضرين وبعدها توزع الحلوي وأكواب الشراب المثلج.

.... وقد ظل هذا الاحتفال يتضاءل حتي اختفي بعد إقامة السد العالي

....

وهكذا رغم «الخير» المتدفق للنهر - ورغم أن مصر بلا نهر - مجرد صحراء - فإننا نسينا مجرد الاحتفال به .. كل عام رغم أن القدماء كانوا يقدسونه ويلعنون كل من يقوم بتلويثه والذي كانت تتم محاسبته ليس في الدنيا وحدها ولكن في الآخرة حيث شديد العقاب.

... والآن .. فلنحاول أن نركب أحد القطارات وبشرط عدم التعرض لحادث .. وتأمل النهر.

جثث لحيوانات نافقة - مواسير عملاقة لصرف المياه الملوثة لبعض المصانع.. فلاحون يغسلون مواشيهم .. والعديد من مظاهر عدم احترام النهر أو تاريخه العريق.

... إنني أدعو - أن يعاد الاحتفال بهذا العيد وإيقاظ ذاكرة مصر - عن قدسية النهر الحياة.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة