الخميس 20 يونيو 2024

«أوقات عصيبة» لتشارلز ديكنز.. مرآة أوروبا في القرن التاسع عشر

رواية أوقات عصيبة

ثقافة9-6-2024 | 21:23

عبدالرحمن الحمامصي

يُقال إن كل مبدعٍ يخلق عملاً واحداً، وباقي أعماله ما هي إلا تفريعات منه أو تنويعات عليه، وبطريقة أخري، يمكن القول إن كل مبدع لديه عصب أو أساس يدندن حوله دوماً، وربما لا يستطيع الفَكاك منه، يظل هذا العصب أو هذه الفكرة العامة المسيطرة ضاربة في كل ما يكتب، وإن تنوع التناول أو تشعب أو تداخلت معه أفكار أخرى، أو حتى ناقضه في مرحلة ما من حياته. وعلي هذا المنوال يمكن اعتبار رواية «أوقات عصيبة» لتشارلز ديكنز هو العصب الذي قامت عليه أعمال ديكنز، واللوحة التي بلورت أفكاره وحددت مشروعه الأدبي. وفي السطور التالية تستعرض بوابة دار الهلال رواية «أوقات عصيبة»، وذلك بمناسبة ذكرى وفاة الروائي الإنجليزي تشارلز ديكنز.

 

علي الرغم من إن رواية «أوقات عصيبة» لم تكن أول إبداعات ديكنز، وإنما كانت العمل السادس عشر له، إلا إنها جاءت لتكمل وتبلور كل ما جاء قبلها، فلو جاءت أعمال ديكنز الأولي كمرآة تعكس طفولته الشاقة المقهورة تحت وطأة المدينة ببؤسها وقبحها وكآبتها، فإن «أوقات عصيبة» هي قراءة الأديب الناضج الرافضة للحياة بين ضجيج المصانع.

 

فترسم الرواية صورة قاتمة لمدينة صناعية في العصر الفيكتوري، يعيش سكَّانها في تناقضٍ اجتماعي صارخ؛ فبينما تعيش طبقة أرستقراطية محدودة العدد في رفاهية تامة، يعيش الغالبية العظمى من الناس من طبقة العمال في فقر مدقع.

 

وفي بيئة كتلك يموت الخيال والإبداع ليحل محلها كل ما هو مادي، وتنعكس هذه الروح علي أهل المدينة نفسها، والسيد «جراد جريند» صاحب المدرسة مثالاً حيا ً لسكان هذه المدينة؛ فهو رجل لا يؤمن إلا بالمادة، ويرى أن الشعور أو الخيال درب من دروب العبث، وأن الحقائق المادية هي السبيل الوحيد في الحياة، ويبدأ في تربية ولديه «توم» و«لويزا» على هذه المبادئ.

 

وفي مقابل عائلة «جراد جريند» المادية، توجد شخصية «سيسيليا»، ابنة رجل السيرك وتلميذة «جراد جريند»، التي تؤمِن بضرورة الخيال في الحياة، وترى أن المادةَ وحدَها تخلق عالمًا متوحشاً يفتقر إلى الإحساس والإنسانية، وأن من الضروري التوازن بين الواقع والخيال. وتقدم الرواية الصراع الدائم بين العقل الجاف والخيال الخصب، وكيف أن لندن عندما دخلت في القرن التاسع عشر عصر النهضة فقدت روحها وصارت مدينة العمل والكد فقط.

 

ولو شئنا أن نقتبس من الرواية ما يعبر عن نظرة الكاتب للمادة/ الحقائق، وكيف تنزع من الأشياء روحها، نختار: "كانت هناك بنت هى رقم «20» فى الفصل جميلة ولطيفة كان لا يعرفها السيد جراد جرايند»، قالت إن اسمها «سيسيجوب» فقال لا بد أن اسمها هو سيسيليا فإن سيسيجوب ليس اسماً، سألها عن صنعة والدها فقالت إنه يدرب الخيول فى السيرك، يستنكر السيد ذلك ويسألها عن الحصان ما هو؟.

فلا تستطيع الإجابة وينطلق طفل يدعى بيتزر» شاحب اللون ليقول: الحصان حيوان من ذوات الأربع يأكل الحشائش أو الحبوب عدد أسنانه أربعون..! قال السيد «جراد جرايند»: هذه هى الحقائق العلمية التي نريدها، وسألهم المعلم الذى كان لا يتعامل إلا مع الحقائق هو أيضا: إذا أردتم شراء سجادة هل تشترون السجادة التى رسمت عليها أزهار فأجاب كل التلاميذ ﺑـ(لا) عدا «سيسيجوب» قالت: نعم لأنها تحب الأزهار وتحب أن تتخيل أنها تمشى فى حديقة مليئة بالأزهار، فقال السيد «جراد جرايند»: إننى أمنعك أن تتخيلي، يجب أن تنسوا هذه الكلمة، الواقع والواقع ثم الواقع هذا ما أريدكم أن تتعلموه".