13-9-2025 | 12:25
إيهاب سلامة
«تخيل أنك تستيقظ صباحا لتأخذ شهيقًا عميقًا، لكن رئتيك ترفضان التعاون. يرافقك سعال لا يتوقف، وضيق في النفس يتزايد، وألم في الصدر يثقل كل حركة. ثم تأتي الصدمة: «أنت مصاب بسرطان الرئة»، في هذه اللحظة يتحول الهواء – أبسط ما نملكه – إلى معركة يومية من أجل البقاء.
سرطان الرئة ليس مجرد مرض، بل عدو صامت يتسلل بلا إنذار ليحرم الإنسان من أنفاسه ويضعه وجها لوجه أمام أصعب معارك العمر، لكن العلم لم يقف عاجزًا، فقد وفرت الأبحاث الحديثة طرقًا للتشخيص المبكر وعلاجات متطورة تمنح الأمل في الشفاء.
ولكي نفهم هذا المرض عن قرب، جلسنا مع الأستاذ الدكتور محمد إمام، استشاري أمراض الأورام، الذي وضع النقاط فوق الحروف وكشف لنا أسرار هذا القاتل الصامت وسبل مواجهته فكان هذا الحوار.
بدايةً، ما سرطان الرئة.. ولماذا يُعد من أخطر أنواع السرطان؟
- سرطان الرئة نمو غير طبيعي للخلايا داخل الرئة، وينقسم إلى نوعين رئيسيين: سرطان الرئة ذو الخلايا غير الصغيرة وهو الأكثر شيوعا، وسرطان الرئة ذو الخلايا الصغيرة وهو الأخطر والأسرع انتشارًا، خطورته أنه غالبا ما يكتشف في مراحل متأخرة بسبب غياب الأعراض الواضحة في البداية، مما يقلل فرص الشفاء.
- ما أبرز الأعراض التي يجب أن ننتبه إليها؟
السعال المستمر أو المصحوب بدم، من أهم الأعراض، ويضاف له ضيق متزايد في التنفس، وألم في الصدر لا يزول، وفقدان الوزن غير المبرر، والتعب المستمر، هذه العلامات لا يجب تجاهلها إطلاقًا.
- من الفئات الأكثر تعرضا للإصابة؟
المدخنون بالطبع، فالتدخين هو السبب الأول بلا منازع، إذ يعد مسئولًا عن أكثر من 80 % من الحالات، حتى التدخين السلبي يمثل خطرًا كبيرًا، إلى جانب ذلك هناك التلوث البيئي، والتعرض للمواد الكيميائية في أماكن العمل، وبعض العوامل الوراثية.
- ما الجديد في طرق التشخيص المبكر؟
اليوم نستخدم الأشعة المقطعية منخفضة الجرعة للكشف المبكر عند المدخنين أو المعرضين للخطر، بالإضافة إلى الرنين المغناطيسي والخزعات، وهناك تقنية حديثة تُعرف بـ «الخزعة السائلة»، تكشف الخلايا السرطانية من خلال عينة دم بسيطة.
- إلى أي مدى يؤثر العامل الوراثي على خطر الإصابة بالسرطان؟
- العامل الوراثي يمثل نحو 5 – 10 % من الحالات، بينما تبقى العوامل البيئية ونمط الحياة مثل: التدخين والسمنة والملوثات هي الأكثر تأثيرًا.
- هل يمكن القول إن السرطان أصبح مرضا يمكن السيطرة عليه؟
- بالتأكيد، مع العلاجات المناعية والموجهة، أصبحنا نرى مرضى يعيشون لسنوات طويلة وجودة حياتهم جيدة، وبعضهم يشفى تماما إذا تم اكتشاف المرض مبكرًا.
- ما أهم طرق العلاج المتاحة اليوم؟
- العلاج يختلف حسب مرحلة المرض: الجراحة لإزالة الورم في المراحل المبكرة، العلاج الكيماوي أو الإشعاعي في المراحل المتوسطة، أما في الحالات المتقدمة فالعلاج الموجه والمناعي أحدث طفرة حقيقية، حيث يستهدف الخلايا السرطانية بدقة ويمنح نتائج أفضل.
- البعض يخشى من الكيماوي بسبب آثاره الجانبية.. هل هناك بدائل؟
- نعم، العلاج المناعي والموجه أصبحا خيارين قويين، كما أن البروتوكولات الحديثة تقلل كثيرًا من الأعراض الجانبية وتجعل المريض قادرًا على ممارسة حياته بشكل طبيعي نسبيا.
- ما دور التغذية الصحية في الوقاية من الأورام؟
- الغذاء السليم سلاح مهم للوقاية، الخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة تقلل المخاطر، بينما الإفراط في اللحوم المصنعة والمشروبات الغازية يرفع معدلات الإصابة.
- ما المخاطر الصحية المرتبطة بالتدخين وخاصة فيما يتعلق بالسرطان؟
- التدخين وحده مسئول عن أكثر من 20 نوعا من السرطانات أبرزها الرئة، بينما يزيد الكحول لمن يتناولونه من احتمالات الإصابة بسرطان الكبد والمعدة والثدي.
- هل الكشف المبكر يغير مصير المريض؟
- بالتأكيد، فالكشف المبكر قد يرفع نسب الشفاء إلى أكثر من 90 % في بعض الأنواع، وفي سرطان الرئة يمنحنا فرصة للتدخل الجراحي والعلاج الفعال قبل انتشار المرض.
- كيف يؤثر الجانب النفسي على استجابة المريض للعلاج؟
- الحالة النفسية عامل أساسي، المرضى المتفائلون والداعمون من أسرهم يستجيبون بشكل أفضل للعلاج مقارنةً بالمرضى المحبطين، لذلك أصبح الدعم النفسي جزءًا أساسيا من خطة العلاج.
- هل للتكنولوجيا الحديثة دور في تحسين نسب الشفاء؟
- بالتأكيد، الجراحة بالروبوت، والأشعة التداخلية، والعلاج الإشعاعي الدقيق أحدثت ثورة في العلاج، حيث تمكّن من استهداف الورم بدقة وتقليل المضاعفات.
- لو تحدثنا عن الجانب الإنساني، ماذا ترى في عيون مرضاك؟
- وراء كل مريض قصة مؤثرة: أب لا يستطيع اللعب مع أبنائه بسبب ضيق التنفس، أم تكافح من أجل أسرتها، أو شاب يكتشف أن التدخين الذي بدأه للتسلية كان حكما مبكرًا بإحتمالية الوفاة، لكن في المقابل، هناك قصص نجاح تبعث الأمل، لمرضى شُفوا بفضل الكشف المبكر أو استفادوا من العلاجات الحديثة.
- ما رسالتك للقراء؟
- رسالتي واضحة: احمِ رئتيك قبل أن تفقدهما، الإقلاع عن التدخين هو أقوى سلاح، والكشف المبكر طوق النجاة، تذكروا أن الهواء الذي نتنفسه هو أثمن ما نملك، فلا تتركوا هذا العدو الصامت يسرقه منكم، وسرطان الرئة ليس قدرًا محتوما، بل معركة يمكن الانتصار فيها إذا امتلكنا الوعي والإرادة.
- ما النصيحة الطبية الأخيرة التي توجهها للقراء أو المعرضين للإصابة؟
- اليوم هو الوقت المناسب لتبدأ حمايتك.. غدًا قد يكون متأخرًا