صدر للزميل الكاتب الصحفى صلاح البيلى، مدير تحرير مجلة المصور، وعضو لجنة النشر باتحاد كتاب مصر، كتابه الأحدث «أحمد مستجير.. فارس الثقافتين»، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، بالتزامن مع اختيار د. مستجير شخصية معرض القاهرة الدولى للكتاب، يضم الكتاب مقدمة وتسعة فصول، هى على الترتيب: (عزف ناى قديم، أول ديوان شعرى لمستجير، حوار حول نظريته فى الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربى، حوار حول الهندسة الوراثية والاستنساخ، حوار عام فى العلم والحياة، عرض للكتاب الأخطر، الربيع الصامت، كتاب البذور الكونية، كتاب أفكار تافهة لرجل كسول، ورواية ثلاثة رجال فى قارب)..
الكتاب بمثابة إبحار فى سيرة ورحلة د. أحمد مستجير العلمية والمهنية.. فمع الشعر والترجمة، فقد أبدع شعراً ضمه ديوانان، وقدم نظرية لفهم عروض الشعر العربى بالأدلة الرياضية والرقمية، وصمم برنامجاً على الكمبيوتر لفهم وتحليل قصائد الشعراء..
فى مجال الهندسة الوراثية، قدم مستجير كل شيء عنها وعن الاستنساخ، وأرجع أغلب الأمراض لوجود جين معطوب فى الجسم.. ودعا لزراعة القمح والأرز والذرة على المياه المالحة، وقدم لنا تطبيقا ناجحا على ذلك.. وكشف د. مستجير أن سبب حبه للعلم والأدب هو أن والده مدرس اللغة العربية..
أما الكتاب العلمى الأهم الذى ترجمه لراشيل كارسون فهو (الربيع الصامت)، وهو أهم صيحة تحذير أطلقها العلماء حول خطورة آثار المبيدات والمواد الملوثة على النبات والحيوان والإنسان، ومخاطر التلوث على المناخ.. أما فى كتابه المترجم (البذور الكونية) فأرجع د. مستجير وجود الفيروسات والميكروبات على الأرض بأنها قادمة من الفضاء، وأنها أقدم من الكرة الأرضية - ليس هذا فحسب، بل إن بعضها مثل الحشرات تقاوم الأشعة السينية والذرية، وعليه إذا نشبت الحرب الذرية، سوف يفنى الإنسان وترث الحشرات والفيروسات الأرض!
ولعشق د. مستجير للكاتب الإنجليزى جيروم، ترجم له كتابين، هما: روايته (ثلاثة رجال فى قارب)، و(أفكار تافهة لرجل كسول)، وهى يوميات ساخرة بأسلوب ذكى، وقد صدر الكتابان عن مؤسسة دار الهلال..
من جانبه، يقول مؤلف الكتاب، صلاح البيلى، إنه تعرف على الدكتور أحمد مستجير خلال العام 1993م، وتوطدت علاقتهما حتى رحيله فى 2006م، مشيراً إلى أنه كان يزوره بصفة مستمرة فى منزله، تعرف خلال هذه الزيارات بأسرة الراحل د.مستجير..
وأضاف: (قرأت جميع كتبه، المؤلفة، والمترجمة، وحاورته أكثر من مرة، كنت وسيطاً بينه وبين رئيس تحرير المصور، الكاتب الصحفى الراحل مكرم محمد أحمد، لنشر مقالات فى مجلتنا الغراء)، مواصلا حديثه: (مستجير قامة ثقافية مصرية، موسوعى، عاشق للغة العربية، شاعر نشر ديوانين، وعالم بالإنجليزية، وترجم عنها أربعين كتاباً، جمع فى شخصيته بين الأدب والعلم، وهما جناحا التقدم لأى أمة)..
نشأته وتعليمه ومؤهلاته العليا
ولد د. أحمد مستجير فى الأول من ديسمبر سنة 1934م بقرية الصلاحات، مركز دكرنس، بمحافظة الدقهلية، وهى محافظة غنية فى تربتها وثروتها البشرية.. وحصل على بكالوريوس الزراعة من جامعة القاهرة سنة 1954م، وعقب تخرجه عمل مهندسا زراعيا فى أكتوبر من العام نفسه.. ثم اتجه للعمل فى المركز القومى للبحوث، وفى تلك الأثناء، درس رسالة الماجستير فى الزراعة حول (تربية الدواجن)، وحصل عليها سنة 1958م ، ثم عين معيداً فى كلية الزرعة..
وآنذاك - راسل عالم الوراثة البريطانى الشهير (آلان روبرتسون) ليساعده فى مشواره العلمى بمعهد الوراثة التابع لجامعة أدنبرة باسكتلندا، فابتعث إلى هناك، وحصل على دبلوم وراثة الحيوان بامتياز من تلك الجامعة سنة 1961م.. فكانت المرة الأولى التى يحصل فيها باحث مصرى على هذا التقدير العلمى الكبير من هذا المعهد المميز، ثم أكمل مشواره العلمى، فحصل على الدكتوراه فى (وراثة العشائر) تحت إشراف أستاذه (روبرتسون)..
عاد د. مستجير من بعثته، وتدرج فى السلك الجامعى من معيد لمدرس لأستاذ، حتى أصبح عميد كلية الزراعة فى جامعة القاهرة لدورتين متتاليتين وبالتزكية.. ثم اعتذر عن منصب وكيل جامعة القاهرة، واختار أن يتفرغ لمؤلفاته، وللبحث العلمى، ولترجماته، ولحياته الأدبية والثقافية..
مزج الثقافتين العلمية والأدبية
كان أسلوب د. مستجير فى كل ما يكتبه، حتى كتابته العلمية الجافة، أسلوبا أدبيا راقيا، رشيق العبارة، سهلا ميسرا، لا تعقيد فيه ولا زخارف، بل يقصد هدفه مباشرة، وكان متن مقالاته وكتبه متصلا دون فواصل، وفى نهاية المقال أو الكتاب، يضع المصطلحات العلمية الإنجليزية وترجماتها إلى العربية مرتبة هجائيا لمن يريد أن يستزيد معرفيا..
كان د. مستجير يؤمن بأن الخيال الخصب لا ينفصل عن التفكير العلمى، وأن عشق الأدب والأسلوب الأدبى لا يتنافى مع الأسلوب العلمى، بل هما يكملان بعضهما البعض.. ورأى أن تمازج الثقافتين والأسلوبين، يثرى التجربة الإنسانية، وكتب عدة مقالات فى مجلة (الهلال) حول الثقافة العلمية والأدبية..
ألوان كتابية مختلفة وترجمات لا تحصى
تتنوع كتابات د. مستجير ما بين كتب علمية أكاديمية ألفها لطلبته فى الكلية، وكتب علمية عامة من قبيل الثقافة العلمية، وكتب أدبية، ودواوين شعر، وترجمات أدبية وعلمية..
ويرجع الفضل إلى د. مستجير فى ابتكار نظرية جديدة فى تحليل ودراسة بحور الشعر العربى، ضمها فى كتابين، الأول صدر سنة 1980م بعنوان (الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي) ، والثانى صدر فى 1987م بعنوان (مدخل رياضى إلى عروض الشعر العربي)، ومحاولته تلك تعتبر أول محاولة عربية فى العصر الحديث لدراسة بحور الشعر العربى رياضياً..
جمع د. مستجير فى مترجماته بين الكتب العلمية، وعلوم البيئة، وفى الأدب والفلسفة، والعلوم الاجتماعية، والوراثة والجينوم البشرى، وعلوم الحيوان، وبلغت كتبه المترجمة أربعين كتابا، وهو رقم كبير لعالم جدوله مشغول تماما، إذ إنه كان أستاذا وعميدا لكلية الزراعة فى جامعة القاهرة، ومحاضرا فى الندوات، ومشاركا فى مؤتمرات علمية محلية ودولية، وكاتبا للمقالات العلمية والأدبية فى صحف ومجلات مصرية وعربية، وعضوا بأكثر من مؤسسة ومحفل علمى، كعضويته فى مجمع اللغة العربية، والمجمع العلمى المصرى، وعضويته فى أكاديمية البحث العلمى، وفى مجلس تحرير أكثر من مطبوعة علمية.. فترجم (د. مستجير) فى الفلسفة، علم الوراثة، علوم البيئة، والأدب..
الجوائز والإنجازات العلمية
نال د. مستجير جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الزراعية سنة 1974م، ثم وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وفاز بلقب صاحب أفضل ترجمة علمية سنة 1993م عن كتابه (الهندسة الوراثية للجميع)، ونال جائزة (مبارك) فى العلوم سنة 2001م، وحصل على جائزة الدولة التقديرية سنة 2002م، ونال عضوية الأكاديمية الملكية فى السويد.
ولعل أخطر وأهم ما توصل إليه د. مستجير، فى مجاله الزراعى، هو بحثه الناجح عن زراعة القمح والأرز على المياه المالحة، وفى الأراضى المالحة، من خلال التهجين مع نبات الغاب.. وكذلك زراعته لنبات يجمع بين صفات البطاطس والطماطم.. ونجاحه فى تحسين سلالات الجاموس المصرى، وأيضاً تحسين سلالات الدجاج المصرى..