لا أعرف مَن أخاطب فى هذا المقال، وقد جاءتنا الفرصة الذهبية للتحرك السريع والمثالى لجذب الاستثمارات بكافة أنواعها.
وهنا لا أختلف مع الدكتور محمود محيى الدين، وزير الاستثمار الأسبق، وصاحب المناصب الاقتصادية الدولية، فى أن الحرب التجارية العالمية الدائرة الآن فرصة أمام مصر لجذب الاستثمارات العالمية، متى أحسن صاحب القرار الاقتصادى استغلال هذه الحرب بشكل إيجابى فى جذب الاستثمارات العالمية.
لكن يبدو أن هذا لن يحدث، ولم نرَ من صانع القرار الاقتصادى فى مصر اتخاذ أى خطوات إيجابية وعاجلة لتحرير إجراءات وخطوات ومراحل جذب الاستثمارات من العراقيل التى تقتل عملية جذب الاستثمارات العالمية بالشكل الذى يحقق طموحات الاقتصاد المصري.
لا ننكر أن هناك تدفقًا فى جذب الاستثمارات، نتيجة تحركات محدودة من جانب الحكومة، لكن هذا ليس تفاعلا مع الظروف التى أوجدتها الحرب الاقتصادية العالمية، وبما يجعل مصر قبلة الاستثمار فى المنطقة.
لكن ما أراه الآن على مواقع التواصل الاجتماعى من انطلاق حملات مكثفة من عدد من الدول الخليجية، وتحديدا الإمارات والسعودية، للدعوة إلى جذب المستثمرين لتأسيس الشركات فى هاتين الدولتين بأيسر الإجراءات وكثير من الحوافز، وتلك الحملات المكثفة من جانب العديد من الشركات المتخصصة فى هذا الشأن -تجعلنى أتوقف عندما أطلق عليها حرب تأسيس الشركات أو الحرفية فى تأسيس الشركات.
ورغم سهولة عملية تأسيس الشركات من قبل الحرب التجارية العالمية فى الإمارات وتحديدا دبى وتدفق الكثير من المصريين وغيرهم لتأسيس الشركات هناك باعتراف كبار المسئولين فى الحكومة المصرية، فإن هذه الحملات التى انطلقت فى الأيام الأخيرة بشكل جاذب من جانب شركات ذات حرفية عالية للدعوة إلى تأسيس الشركات فى السعودية والإمارات -تؤكد أنها جاءت فى توقيت مثالى أيضا، وهو استثمار هذه الحرب التجارية العالمية لتحفيز رجال الأعمال والشباب المصرى للتوجه إلى السعودية ودبى وسائر الإمارات العربية والبحرين أيضاً لتأسيس الشركات هناك.
بل إن هذه الحملات ذات الرسائل الإعلامية والاقتصادية الهادفة والجاذبة تتنافس فيما بينها، فهناك مَن يركز على جذب تأسيس الشركات فى السعودية فقط بوسائل واعدة فى إعطاء الحوافز من حسابات بنكية وتسهيل الإجراءات وإصدار التراخيص فى أقل من 3 و5 أيام، وأن السعودية سوف تكون من أهم الأسواق والاقتصادات الواعدة، وكثير من الحوافز الجاذبة لتأسيس الشركات فى السعودية.
بينما تركز الحملات على وسائل التواصل لجذب تأسيس الشركات فى الإمارات ودبى تحديدًا على الكثير من الحوافز التى تجذب الشباب خاصة إعطاء الإقامة وفتح الحسابات فى ساعات دون أية عراقيل، فضلا عن محدودية المصروفات ورأس المال اللازم لتأسيس الشركات حتى يكون جاذبا وليس طاردًا.
ومع كل هذه الحملات التى يتم تقديمها بشكل جمالى ومشوّق من جانب المتحدثات يتم عرض فيديوهات عن التقدم العقارى والسياحى فى هذه الدول.
إذًا، نحن أمام حدث وظاهرة.
الحدث وهو الحرب التجارية العالمية، والظاهرة انطلاق حملات إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعى للدعوة لتأسيس الشركات فى كافة مجالات الاستثمار بكل من السعودية والإمارات، وبشكل تنافسى فيما بينهما، وأحيانًا بعضها، وهو قليل من جانب شركات تدعو للقيام بإجراءات تأسيس الشركات فى السعودية والإمارات معًا.
وهنا نسأل: أين نحن؟ هل نكون فى موقف المتفرجين فقط، وبساط تأسيس الشركات ينسحب من تحت أرجلنا ومزيد من الصمت الحكومى المفزع، حول تدفق الكثير من المصريين لتأسيس الشركات فى السعودية والإمارات، وتحديدًا دبى؟
وأين الحكومة بداية من الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، مرورًا بنائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية، ووزير الاستثمار، ورئيس هيئة الاستثمار، ورئيس هيئة التنمية الصناعية، ورئيس المنطقة الاقتصادية فى السويس، من هذه الحملات التى تدعو المصريين إلى الاتجاه لتأسيس الشركات فى السعودية والإمارات؟
وماذا هم فاعلون؟ هل يدرسون لماذا التسهيل فى تأسيس الشركات فى السعودية والإمارات؟ ولماذا لا يوجد لدينا فى مصر هذا التسهيل؟
بل أصبح لدينا وبكل صراحة، عوامل طاردة، وإلا ما كان هناك اعتراف من مسئولى مصر بهرولة المصريين لتأسيس الشركات فى السعودية والإمارات، وبخاصة دبى.
لماذا لا نقضى على هذه العوامل الطاردة لتأسيس الشركات، حتى إن أى شاب يبحث عن فرصة استثمار خاصة فى مجال الاستيراد والتصدير أصبح يذهب لتأسيس شركة فى دبى ويحصل على الإقامة فورًا هناك.
ماذا يمنع ونحن على مدى سنوات نسمع عن نسف العراقيل التى تواجه الاستثمار وتأسيس الشركات والرخصة الذهبية وغيرها، ومع ذلك يوجد الكثير من المصريين لتأسيس الشركات فى السعودية والإمارات وبخاصة دبي.
لا بد أن نبحث عن الأسباب الطاردة التى تؤدى إلى زحف وهرولة الشباب المصرى لتأسيس الشركات خارج مصر وليس فى السعودية والإمارات فقط بل وفى سلطنة عمان وعجمان أيضًا.
ماذا يمنع أن ننسف هذه العراقيل أمام تأسيس الشركات فى وقت تحتم فيه الحرب التجارية العالمية أن نفتح باب جذب الاستثمارات على مصراعيه، ثم نفتح الباب لتأسيس شركات على مستوى عالٍ من الحرفية لكى تعمل فى تأسيس الشركات داخل مصر، وذلك بعيدًا عن الجهات الحكومية.
وهذا لن يتحقق وبعيدًا عن التصريحات التى لا تجد طريقها إلى الواقع، سوى اتخاذ خطوات شجاعة لنسف العراقيل التى تواجد جذب الاستثمارات وتأسيس الشركات.
نعم، لقد أعطى الرئيس عبدالفتاح السيسى توجيهات للحكومة بإلغاء الرسوم المتعددة على المستثمرين والشركات، لتحل محلها ضريبة موحدة، يتم خصمها من الأرباح.
وهذه خطوة مهمة، لكن الطريق طويل، ولا بديل أمام الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، عن أن يكون همه الأول والأخير اتخاذ الإجراءات العاجلة لنسف العراقيل لمواجهة الهجرة القسرية للمصريين فى تأسيس الشركات خارج مصر.
لا بديل عن ذلك، حتى يستطيع الشباب الذين ندعوهم للاستثمار فى الصناعات الصغيرة، والأنشطة الاقتصادية المختلفة، سوى أن يجدوا سهولة ويسرا فى تأسيس الشركات داخل مصر.
ولا أقول هنا تأسيسا مركزيا، بل يجب أن يكون تأسيس الشركات متاحا فى كل محافظة بيسر، بدلا من أن يركب الشباب المصرى الطائرات، ليذهب إلى الدول الخليجية ليؤسس الشركة التى يريدها هناك أو رجل الأعمال الذى يذهب لبناء مصنعه أو مشروعه فى السعودية أو سلطنة عمان أو الإمارات ودبى، بينما نرفع بالشعارات والتصريحات فقط سهولة جذب الاستثمارات واليسر فى تأسيس الشركات.
لا بديل أمام الحكومة عن أن يكون تأسيس الشركات بعوامل جاذبة وسريعة وبحوافز، ليس للمصريين فقط بل أمام كل المستثمرين من أنحاء العالم.
لأنه ليس مقبولا أن نرفع شعار جذب الاستثمارات، وأن مصر لديها كل الفرص الاستثمارية الواعدة من حيث الموقع الاستراتيجى والسوق الواعدة والمركز التجارى العالمى لانطلاق الصادرات إلى معظم أسواق العالم، وهناك عراقيل وصعوبات فى تأسيس الشركات من جانب الأجهزة الحكومية وهناك هجرة وهرولة من جانب المصريين لتأسيس الشركات خارج الوطن وتحديدا تأسيسها فى السعودية والإمارات، وتحديدًا دبي.
ليس عيبا أن تتحرك هذه الدول بمعرفة شركات متخصصة وحملات إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعى لتدعو المصريين وغيرهم من الجنسيات لتأسيس الشركات لديهم طالما أنهم فتحوا الأبواب بكل التسهيلات لتأسيس الشركات لديهم وإعطاء الكثير من الحوافز لكى يذهب إليهم المستثمرون دون قيود اقتصادية أو عراقيل إدارية.
نعم، لدينا فرصة ذهبية إذا أحسنّا استثمار الحرب التجارية العالمية فى نسف كافة العراقيل أمام جذب الاستثمارات وتسهيل تأسيس الشركات.
لا بديل عن أن يكون تشجيع الاستثمار من أهداف الأمن القومى المصرى وأن يكون كالماء والهواء.
أم هل تنتهى الحرب التجارية العالمية دون أدنى استثمار لها، وكل مَن يحيط بنا يسحب البساط من تحت أرجلنا وأمام أعيننا، والمصريون يفضلون الهجرة لتأسيس الشركات خارج الوطن فى السعودية والإمارات، وخاصة دبى.
إننى أخاطب وأسأل الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء بكل شفافية: لماذا لا تتحرك لأن يكون ملف تأسيس الشركات داخل الوطن بسهولة ويسر؟ هل هناك معضلة ومشكلة فى تحقيق هذا الهدف القومى والعاجل؟
لماذا نترك الكل ممن حولنا يجذب المصريين لتأسيس الشركات لديهم، ونحن فى موقف المتفرج؟


