رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«لجنة الدراما» ومعركة الوعى


31-3-2025 | 02:42

.

طباعة
تقرير: سما الشافعى

فى الأيام القليلة الماضية أثار قرار تشكيل «لجنة الدراما» من قِبل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فى مصر، الجدل مجددًا حول آليات الرقابة على الدراما التليفزيونية، وصلاحيات اللجنة التى تولّت رئاستها الناقدة ماجدة موريس بعد إعادة تشكيلها، بالإضافة إلى انضمام المخرج أحمد صقر إلى عضويتها، وجاء ذلك بعد مطالبة الرئيس عبدالفتاح السيسى، بضرورة تقديم أعمال درامية تتصدى للظواهر السلبية بجدية أكبر، وجاء تشكيل لجنة مرتبطة بالدراما والثقافة بناء على توجيهات الرئيس السيسى، من أجل أن تعكس الدراما المقدمة الثقافة المصرية الحقيقية، والحفاظ على الهوية والانتماء المصرى، بخلاف إعلان الهيئة الوطنية للإعلام عقد مؤتمر الشهر القادم لمناقشة مستقبل الدراما.

الدكتور أسامة أبوطالب، أستاذ الدراما والنقد فى أكاديمية الفنون، قال إنه من البديهى تشكيل اللجنة سالفة الذكر، فيما يتعلق بقطاع الدراما، وتلك اللجنة لم تأتِ نتاج تفكير لحظى أبدًا، ولكن أتت وصدرت كنتيجة واهتمام حقيقى من الرئيس السيسى، وربما أتت من الإحساس بالمسئولية، وبالطبع هذه القرارات نابعة من دراسة حول الدراما التى أصبحت شاغلنا الشاغل، بخلاف أن الدراما لها من الأهمية التاريخية مكانة كبيرة، وصناعة الدراما التى اتخذ الرئيس بشأنها قرارا فى الوقت المناسب بل فى وقت الذروة، حتى يعالج ويضع حلولا للمشاكل التى تواجه صناعة الدراما وأيضا هذا القرار يجيب عن تساؤلات وتصور عن المحتوى المقدم.

وأضاف «أبوطالب» «فى الحقيقة اللجنة، تم انتظارها طويلا، وأرى أن الدراما تدر عائدين، العائد الأول، عائد مادى، لأن الدراما المصرية تدر ربحا ماديا واقتصاديا، والعائد الثانى، ثقافى وتنويرى، وكان العائد الاقتصادى بالدراما المصرية يتمثل فى الدخل الكبير للدراما المصرية الذى نتمتع به كدولة وكاقتصاد بل كل الأعمال الفنية والتى بدأت، بتسجيلات أم كلثوم وكبار الفنانين وكبار قارئى القرآن ثم أيضا المسرح المصرى ربما هو كان البادئ منذ تاريخ بعيد فى نشر الثقافة وذلك عندما كان قطاع الإنتاج هو البادئ فى الوطن العربى، ثم انطلقت الدراما من التليفزيون المصرى خاصة قطاع الإنتاج الذى كان ناجحا نجاحا ليس له منافس وطيلة شهور العام كان يستمتع كل الجمهور العربى بالفن المصرى وكان يستمتع بمشاهدة الحياة المصرية فضلا عن تعلم اللغة العامية المصرية».

وحول عودة قطاع الإنتاج وكيفية الإصلاح الدرامى، قال: «أبوطالب» «هذه العوائد المادية والثقافية فى لحظة ما وصلت إلى ذروة الدخل المادى فى الستينيات والسبعينيات مرورا بالتسعينيات وبداية الألفينيات وكان هناك استوديوهات ليست ضخمة قبل إنشاء مدينة الإنتاج الإعلامى لأنه كان هناك صفوة مفكرة ومتخصصون من الدراما والسينما والكتاب، وكان هدف العمل الفنى هو صناعة منتج ثقافى تنويرى»، لافتًا إلى أنه مؤخرا أصبح تحقيق دخل مادى من خلال الدراما يتعارض مع تحقيق الدخل الثقافى التنويرى التوعوى حاليا، وهذا ما تم تداركه حاليا، بعد أن حدثت فترة هبوط من القمة إلى ما يشبه القاع فى بعض الأعمال عندما تحكمت مجموعة غير مدربة وغير مهنية فى صناعة الإنتاج، وأدى الاسترخاص فى الإنتاج الفنى إلى خسارة مادية، فضلًا عن الخسارة التربوية والثقافية.

وأشار «أبوطالب» إلى التصريحات الصادرة عن الرئيس وانتقاده لبعض المسلسلات، نتجت بعد دراسة ومراقبة, بل أستطيع أن أقول إن قرار الرئيس جاء فى وقته لأن هناك أعمالا رديئة تشوه الأخلاق والمجتمع المصرى وتشوه أيضا الدين فهذه اللحظة الخطرة تم تداركها من قبل الرئيس بعد دراسة وتأنى من المعنيين بالأمر، سواء كانوا متخصصين أو إعلاميين أو دارسين بالتأكيد.

تمنى «أبوطالب» أن يكون هناك فريق إنقاذ حقيقى مدرب وأن يكون فريق متميز فى عملية الإدارة التلفزيونية، والعمل على إعادة إصلاح مدينة الإنتاج الإعلامى، فيما يحقق البعد الثقافى والتنويرى الذى تأمل فيه مصر مستقبلا عظيما، منوهًا بأن موضوع الإصلاح لن يكون سهلا، إلا أنه متأكد من تكليف المبدعين والمتميزين لإصلاح الدراما، وأنهم يستطيعون إصلاح الدراما من الجذور، قائلًا: «أحب أن أشبههم بفريق الإنقاذ الدرامى».

الدكتور تامر الجزار، مدرس مادة التمثيل ورئيس قسم الموهوبين بمؤسسة إعداد القادة، وعضو مركز الإبداع الفنى وعضو فرقة لينين الرملى المسرحية، قال: إنه لابد للدراما أن تكون الوجه الآخر لهويتنا العربية والمصرية بشكل خاص لأننا منارة الفن والثقافة فى الوطن العربى، بل إننا لابد أن نعود لهويتنا الأصيلة، خاصة أن ثقافة التربية «تنخفض» من جيل لجيل، وهذا هو دور الفن نقل الثقافة من جيل لجيل، ويرى أن من أهم الأسلحة فى معركة الوعى هى الدراما، معربًا عن فخره بقرارات الرئيس بإصلاح الدراما وعودة قطاع الإنتاج.

وأشار «الجزار» إلى انهيار الدراما حاليًا، وأصبح السيئ قدوة، خاصة بعد انتشار السوشيال ميديا، كما يرى أننا نواجه تيارا لهدم الأصول الفكرية والعادات والتقاليد المصرية، وبدأ الأطفال والمراهقون فى اتخاذ البلطجية قدوتهم، لأنهم يشاهدون هذا فى الدراما، ونحن كنا نفتقد القامات الفنية القديمة التى كانت قدوة فى الأخلاق، مشددًا على أن الإصلاح يبدأ من «القماشة»، فلابد أن يكون هناك لجنة قوية للرقابة وأيضا الورق، لابد أن يمر على أصحاب القرار والرقابة ويتعرض للفلترة، ولابد أن يكون هناك فرض رقابة على المشاهد، معربًا عن تفاؤله بقرار الرئيس، ويتوسم عودة زمن أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد مرة أخرى.

الفنان أشرف أمين، يرى أن القرارات أتت فى وقتها وأن المحتوى الدرامى الذى كانت تقدمة الشركة المتحدة لسنوات عديدة كان مشرفا، خاصة الأعمال الوطنية التى نفتقدها، منوهًا بأن صناعة الدراما التى لا تتناسب مع قيم مجتمعنا أصبحت مزعجة بالفعل، ولكن هناك أعمالا مهمة ومبشرة جدا هذا الموسم والجمهور عندما يجد محتوى مميزا ومهما يذهب إليه، لأنه ليس كل المصريين بلطجية ويحملون أسلحة، ولا يصح نشر هذا الكم من الإسفاف والبلطجة، فالحمد لله أن هذا القرار جاء فى وقته خاصة قرار عودة التليفزيون المصرى وقطاع الإنتاج مرة أخرى التى كانت تحتوى على قيم وأخلاق.

وأضاف «أمين»: «ما أدى إلى إفساد الذوق العام هو أن بعض المنتجين لا يهتمون بالورق بل يهتمون بالربح، ونسبة قليلة التى تهتم بالورق لذلك يصبح العمل ركيكا، لذلك أناشد الصناع وأقول لهم من سيتقن العمل جيدا سيجد نجاحا، ولكل مجتهد نصيب وهذا واضح فى أمثلة عديدة، وأتمنى أن نعلم أن هذا النجاح قوة بل من أهم مصادر القوة فى أى وطن هى القوى الناعمة، ونحن شعب متذوق للفن والمزيكا والغناء خاصة أننا شعب ذكى ومتحضر، وأيضا أتمنى إبراز صورة مصر الحلوة وهذا هو دور القوى الناعمة مثل أمريكا وتركيا التى تبرز الجوانب الإيجابية فى الشخصيات المقدمة».

وعقب الناقد الفنى محمد عبدالرحمن، بأن الدراما واحدة من أهم الأسلحة فى معركة الوعى، وفى كثير من الأحيان تكون حائط الصد الأول، لأنها تمرر الرسائل، وتحمل الهوية، وتشكل وجدان المجتمع باعتبارها مرآته.

وأوضح «عبدالرحمن»، أنه من هنا جاء تعليق الرئيس السيسى حول أهمية الدراما وخوفه على ذائقة المصريين، ويرى أن معركة الوعى لا تقتصر فقط على قضايا الإرهاب والتهديدات السياسية التى تواجهها الدولة، خاصة أن الدراما قدمت بالفعل عدة أعمال فى هذا الشأن، ولا زلنا بحاجة إلى المزيد، لأن الأخطار تتزايد، والإرهاب لم ينتهِ بعد، لكن فى الواقع، معركة الوعى تمتد إلى قضايا اجتماعية واقتصادية متعددة، وفى موسم مسلسلات رمضان الحالى، الذى يُعد من أفضل المواسم الدرامية، إن لم يكن الأفضل على الإطلاق، تناولت العديد من الأعمال قضايا مهمة.

وأضاف «عبدالرحمن»: «على سبيل المثال، يناقش مسلسل لام شمسية بجرأة قضية التحرش بالأطفال واستغلالهم جسديًا، بينما يسلط مسلسل ظلم المصطبة الضوء على وضع المرأة فى المجتمعات الريفية، وسلب حقوقها وحريتها، ودور الخرافات فى تشكيل تقاليد الناس هناك، وفى هذا السياق، لا بد من الإشادة بالدور الذى تلعبه الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية باعتبارها رأس الحربة فى الإنتاج الفنى بمصر، حيث قدمت مجموعة من الأعمال الراقية والمتميزة هذا العام، وأخص بالذكر الناقدة والكاتبة الصحفية علا الشافعى، المسئولة عن المحتوى الدرامى، لحرصها على تقديم محتوى إبداعى متنوع ومميز، مما ساعد فى خروج تلك الأعمال بتلك الصورة الرائعة التى تليق بالدراما المصرية».

وتمنى «عبدالرحمن» الحفاظ على مكتسبات الموسم الرمضانى الحالى من حيث زخم الموضوعات وحجم الإنتاج، وكذلك استمرار المسلسلات ذات الـ 15 حلقة، وألا تكون مهمة اللجنة المشكلة من قبل مجلس الوزراء لتقييد المساحة الممنوحة، بل لوضع مكتسبات أكبر تزيد من حجم الإنتاج الفنى، باعتباره صناعة مهمة، كما تحدث الرئيس السيسى فى حديثه، وهو محق فى ذلك بكل تأكيد.

فيما قال الفنان وخريج مركز الإبداع الفنى محمد عزت، إن قرارات الرئيس بإصلاح الدراما وعودة قطاع الإنتاج مرة أخرى، جاء فى وقته خاصة، بسبب انحدار المستوى الفنى الذى وصلت له بعض الأعمال الدرامية هذا العام، سواء كانت فى الكتابة أو الأسلوب أو الألفاظ التى يأخذها بعد ذلك الأطفال كمثل وقدوة، وتمنى العودة إلى الأعمال التى تحتوى على رسالة وعى.

وأكد «عزت» على إيمانه بأن الفن رسالة، ودور القوى الناعمة هو مخاطبة الجمهور فكريا وثقافيا، وتمنى أن ينتج عن القرار الذى اتخذه المجلس الأعلى للإعلام، أعمالا مهمة تنير ثقافة الشعب المصرى والأجيال الجديدة مرة أخرى.