«لم يكن مفاجئا ولا جديدًا»، جملة واضحة استخدمها الدكتور محمود الخرابشة، وزير الدولة الأردنى السابق للشئون القانونية، فى تعقيبه وتحليله قرار حظر جماعة الإخوان فى الأردن، مؤكدًا أنه جاء تنفيذًا لحكم قضائى صادر عن محكمة التمييز الأردنية منذ عام 2020، قضى بشكل قاطع بحل الجماعة لعدم امتثالها للقوانين والدستور.
«الخرابشة»، الذى تواصلت معه «المصور» من عمّان، قدم تأريخًا لـ«مسيرة إخوان الأردن»، موضحًا أن «الجماعة كانت مرخّصة منذ تأسيسها عام 1946 كجمعية خيرية، ولم تكن فى أى مرحلة من المراحل مرخصة لممارسة العمل السياسي، إلا أنها تجاوزت هذا الإطار القانوني، واستمرت فى العمل كتنظيم سياسى له امتدادات خارجية، رغم التحذيرات الرسمية المتكررة بضرورة تصويب أوضاعها، ليأتى كشف المخطط التخريبى الذى كان أنصار الجماعة سيقومون به لتعلن السلطات حظر الجماعة ومصادرة أصولها وإغلاق مقارها».
وحول موقف حركة حماس من القرار الأردنى الأخير، عبّر «الخرابشة» عن رفضه الشديد لما صدر عن الحركة من بيانات تتضامن مع جماعة الإخوان، معتبرًا ذلك تدخّلًا غير مقبول فى الشأن الداخلى الأردني.. وإلى نص الحوار:
بداية.. لماذا اتخذت المملكة الأردنية قرار حظر جماعة الإخوان فى هذا التوقيت؟
يجب أن يعلم الجميع أن هذا القرار ليس جديدًا، بل هو تنفيذ لقرار قضائى تم اتخاذه فى عام 2020، كما أن جماعة الإخوان هى جماعة غير مرخصة كجماعة سياسية، إنما مرخصة كجمعية خيرية تم ترخيصها فى عام 1946 بقرار من مجلس الوزراء الأردني، وبالتالى كانت تمارس نشاطها ضمن هذا الإطار وضمن قانون الجمعيات المعمول به فى المملكة، وبالتالى فلا يحق لها ممارسة العمل السياسي، وقد تم الطلب منها أن تقوم بتصحيح أوضاعها كجمعية تمارس نشاطها بموجب قانون الجمعيات، وليست كجمعية تمارس نشاطًا سياسيًا لها امتدادات خارج القانون، وبقيت هذه الجمعية جمعية حتى تم حلها من قبل محكمة التمييز الأردنية.
بعد ذلك، حركت مجموعة من أعضاء جمعية الإخوان قضية لدى المحكمة تطعن فى القرار وتعتبر نفسها خلفًا قانونيًا لجمعية جماعة الإخوان، وردت محكمة التمييز هذا الطعن باعتبار أن جمعية الإخوان لم تكن موجودة على الواقع، باعتبار أنها قد تم حلها ولا توجد لها شخصية اعتبارية أو قانونية.
رغم هذه الأحكام القضائية.. لماذا ظلت جماعة الإخوان تمارس العمل السياسي؟
جماعة الإخوان استمرت فى ممارسة نشاطها حتى تم إلقاء القبض على الخلية الإرهابية التى كانت تستهدف أمن الوطن واستقراره، وكانت مكونة من 16 عنصرًا، وكانت دائرة المخابرات العامة تتابع هذه الخلية منذ عام 2020 حتى عام 2025، إلى أن تم إلقاء القبض على عناصر هذه الجماعة الإرهابية، وبعد أن تم إلقاء القبض عليهم، تم التحقيق معهم، وتبين أن هذه الجماعة كانت تستهدف أمن الأردن واستقراره، وكان لديها كميات من المتفجرات والصواريخ والأسلحة التى كانت تخل بأمن الأردن واستقراره، وهذا بالطبع غير مسموح بموجب القانون، وإضافة إلى ذلك، تم اكتشاف أن هذه الخلية التنظيمية كانت تمتلك صواريخ، وكانت تنوى تصنيع صواريخ لمسافات متوسطة من 3 إلى 5 كيلو مترات، وضُبط صاروخ جاهز للاستعمال، كما كانت تعمل على تجنيد الشباب وتدريبهم محليًا، ومن ثم إرسالهم للتدريب خارج الأردن.
بعد ذلك، تم إلقاء القبض على هذه الجماعة وتقديمها إلى محكمة أمن الدولة، وهى المحكمة المختصة، حتى تطالها يد العدالة، ويُطبق القانون على أعضاء هذا التنظيم، وتبين بالطبع أن هناك 4 من أعضاء هذا التنظيم لهم علاقة بجماعة الإخوان، وبالتالى كل ما قامت به الحكومة هو تنفيذ قرار محكمة التمييز الذى كان يقضى بحل جماعة الإخوان، وبأنها جماعة لم تعد لها شخصية معنوية ولم تعد لها شخصية اعتبارية، وأصدرت الحكومة بيانًا تم من خلاله حظر نشاطات جمعية جماعة الإخوان، وقامت النيابة بدورها بتفتيش مقر هذه الجماعة، وهناك لجنة تسمى «لجنة الحل» عليها أن تقوم بدورها وتتابع هذا الموضوع حتى نهايته.
ما الوضع القانونى الآن لأنصار هذه الجماعة المحظورة؟
جماعة الإخوان الآن أصبحت جماعة غير مشروعة، ولا يحق لها أن تمارس أى نشاط سياسى على الساحة الأردنية، خاصة أنها قد أعطيت أكثر من فرصة لتصحيح أوضاعها بموجب قانون الجمعيات، والتعديلات التى كانت قد طرأت عليه، ولم تلتزم هذه الجماعة بأحكام القوانين، ومن ثم فهى الآن هى جماعة محظورة خارج إطار الشرعية، وكل من يحاول أن يقوم بأى نشاط من هذه الجماعة يتعرض للمساءلة القانونية.
كما جرى التأكيد على ضرورة عدم نشر أو التعاطى مع هذه الجماعة بأى حال من الأحوال، وبقى حزب جبهة العمل الإسلامى كحزب مرخص ومشروع، ويمارس نشاطاته بموجب أحكام قانون الأحزاب وبموجب الدستور، خاصة أن الدستور الأردنى يؤكد فى المادة الـ 16 أنه «للأردنيين الحق فى تشكيل الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات إذا كانت غايتها مشروعة وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور»، لذلك فالقرار الذى تم اتخاذه هو قرار صادر للحفاظ على أمن واستقرار الأردن ومنع هذه الجماعة من إثارة الفوضى والتخريب المادى داخل المملكة، بالإضافة أن هناك مخططات لهذه الجماعة تم وضع اليد عليها، كما أن أعضاء من هذه الجماعة أتلفوا بعض الوثائق والمنشورات التى كانت تحتفظ بها فى مقارها، والقضية منظورة الآن أمام القضاء وهو الذى يقول كلمة الفصل فى هذا الموضوع لكى يتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية بحق كل من تثبت إدانته وأن له علاقة بالمخطط الذى كان يستهدف أمن الأردن واستقراره.
كيف استقبل الشارع الأردنى هذا القرار وكيف ستكون انعكاساته السياسية والأمنية؟
بكل بصراحة الأردنيون جميعاً يؤيدون كل ما من شأنه أن يحفظ أمن واستقرار البلاد، وهم ضد كل من يحاول أن يبعث بأى جزئية تخص الأمن الوطنى داخلياً وخارجياً، على الرغم من أن كل الأردنيين أيضاً يؤيدون الحكومة فى إجراءاتها لكى تحافظ على أمن واستقرار المملكة، لكى يكون الأردن ملكاً وشعباً وحكومة مصدر قوة واقتدار لنفسه وأيضا لإخوانه وأشقائه فى فلسطين وخاصة قطاع غزة.
الأمور عادية ولا يوجد ما يثير الشكوك، بالعكس هناك حالة من الأريحية لأن هذا الأمر يحقق أمن واستقرار الأردن، ولا يمكن أن يتم السماح بالعبث فى أمن الأردن لأن الدولة الأردنية حريصة كل الحرص على سلامة المجتمع وتحصينه من كافة الأعمال التى تعكر صفو الأمن والنظام، وتشوه بممارساتها السياسية غير المرخصة الأمن والاستقرار الداخلي، وبالتأكيد فالحكومة الأردنية دائماً تتعامل بنزاهة وديمقراطية وأريحية مع كافة النشاطات السياسية التى تتم وفق القانون، لكن عندما يوجد من يحاول أن يعبث بأمن الوطن داخلياً وخارجياً والعمل فى الظلام والقيام بنشاطات من شأنها زعزعة الاستقرار والعبث بالوحدة الوطنية والإخلال بمنظومة الأمن العام، فهذا غير مقبول ولن يوافق عليها الشعب الأردنى.
لذلك الانعكاسات إيجابية والأمور عادية؛ لأنه كما قلت وأشرت فى بداية حديثى، فجمعية الإخوان غير مرخصة وصدرت إليها أوامر وتنبيهات فى أكثر من مرة بأن تقوم بتصحيح أوضاعها وفق قانون الجمعيات المعمول به، أو أن تقوم بالتحول إلى حزب سياسى يمارس كافة نشاطاته من خلال قانون الأحزاب الذى يسمح بتسجيل الأحزاب، ويسمح للأحزاب بممارسة كافة النشاطات.
هل من الممكن يتبع هذا القرار قرار باعتبار جماعة الإخوان إرهابية؟
جماعة الإخوان تم حلها بقرار قضائى من أعلى محكمة نظامية، وهى محكمة التمييز، منذ عام 2020، وكل ما جرى هو تنفيذ هذا القرار الذى كان متخذًا بالفعل، والجماعة لم تلتزم بأحكامه.
الآن، نفذت الحكومة هذا القرار باعتبار أن الأردن دولة مؤسسات ودولة قانون، والقرار القضائى دائمًا هو عنوان الحقيقة، لأن محكمة التمييز الموقرة كأعلى محكمة نظامية وآخر درجة من درجات الطعن قد أصدرت قرارها، وأصبح الأمر قطعيًا، وبقيت الجماعة تمارس نشاطها، ولو لم يتم العبث بأمن الأردن واستقراره من خلال الخلية التى تم القبض عليها، لبقيت الجماعة تمارس نشاطها دون أن تتخذ الحكومة أى قرار أو أى إجراء بحقها، لكن الآن أصبح الأمر واضحًا، وانتهت الجماعة، وانتهت جمعية الإخوان وأصبحت محظورة.
الحكومة الأردنية وسعت من إجراءاتها ضد الإخوان لتشمل الحظر الإعلامى وعبر وسائل التواصل أيضا.. ما تأثير ذلك؟
البيان الذى صدر عن الحكومة أكد بكل حزم بأنه لا يجوز التعاطى مع هذه الجماعة أو نشر أى بيانات ومعلومات تخصها، كما وجهت الحكومة خطابها إلى جميع القوى السياسية ووسائل الإعلام وجميع مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة، وإلى جميع مؤسسات المجتمع المدنى وأى جهات أخرى، بضرورة منع التعامل أو النشر بأى معلومات أو أخبار تخص جماعة الإخوان المنحلة وكافة وجهاتها وأذرعها، واعتبر أن كل من يخالف هذا تحت طائلة المسئولية القانونية.
والحكومة شددت بالتأكيد على اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق أى شخص أو جهة يثبت تورطها مع هذه الجماعة أو ارتكابها أى أعمال مخلة بالأمن والنظام، وبأن القانون هو الفيصل الذى سيطبق على الجميع.
كيف تابعت ردود فعل حركة حماس على ما جرى فى الأردن بالتضامن مع أنصار الخلية الإرهابية؟
بالتأكيد هذا مرفوض بشكل كامل، وهذا شأن داخلى للأردن، والمملكة لن تسمح لا لحماس ولا لغيرها أن تتدخل بشأنها الداخلي، على الرغم من أن حماس كانت أصدرت بيانا وكأنها تؤيد جمعية الإخوان أن تقوم بالأعمال التى كانت تريد أن تقوم بها، ونحن لدينا وطننا وقوانيننا وأنظمتنا ونحن جميعا كشعب وحكومة وجيش وأمن ومخابرات موحدون خلف الملك عبد الله للحفاظ على أمننا واستقرارنا، وعلى الرغم مما قدمه الأردن من كل الدعم والإسناد لأهل غزة بكافة الوسائل والسبل السياسية والدبلوماسية والإنسانية، لكن وكأن حماس تنكر كل ذلك وتقف إلى جانب جمعية الإخوان فى ممارستها ضد النظام، وأقول مرة أخرى، هذا شأن داخلى ونحن لن نسمح لا لحماس ولا لغيرها أن تتدخل بالشأن الداخلى الأردنى لأن هذا يعنينا ولا علاقة لحماس بذلك.
كما أن المملكة تدعم الحفاظ على أمن فلسطين واستقرارها وللمقاومة، لكن لا دخل لحماس بأن تتدخل فى الشأن الداخلى الأردنى ولن يسمح لها بذلك، وسيتم حسم كل ذلك بموجب القانون ومصلحة الأردن والحفاظ على أمنه واستقراره الداخلى والخارجى وبحسب مصلحة الشعب الأردنى بعيدا عن أى تدخلات وضغوطات.
هل تعتقد بأن هناك مخططًا للعبث بالأمن الداخلى للأردن سواءً من أطراف داخلية أو خارجية؟
بالتأكيد هذا واضح للعيان، وإلا ما هذه الخلية التى كشفتها الأجهزة الأمنية الأردنية والمكونة من 16 عنصرا من العناصر الذين لهم علاقة بجمعية الإخوان والذين كانوا يهدفون إلى المساس بالأمن الوطنى وإحداث الفوضى ولديهم نوايا أنهم كانوا يريدون تصنيع الصواريخ بأدوات داخلية وخارجية ومستوردة بهدف صناعة هذه الصواريخ واستعمالها على شكل غير مشروع، بالإضافة إلى المتفجرات والأسلحة النارية والصواريخ التى كانت تخفيها، بجانب مشروع تصنيع الطائرات المسيرة وتجنيد عناصر لإرسالهم للتدريب فى الخارج.. ماذا يعنى ذلك؟!.. هذا يعنى أن هناك من يحاول العبث بأمن واستقرار الأردن ويقوم بأعمال من شأنها أن تخالف القوانين والأنظمة الأردنية، لذلك الحكومة الأردنية كانت حازمة وجازمة بهذا الأمر ولن تسمح لا لحماس ولا لغيرها أن تتدخل فى شئونها الداخلية لأن المصلحة الأولى للأردن وشعبها الحفاظ على أمنها.
الأردن عبر مسيرته الطويلة كان مساعدا لكل أبناء الأمة العربية ابتداء من الهجرات الفلسطينية والهجرات اللبنانية والسورية والعراقية واليمنية واللبنية.. فالأردن استقبل العديد من أبناء الأمة العربية وحفظ كرامتهم وقدم لهم كل الإسناد والدعم الذى مكنهم أن يعيشوا بأمن وأمان وأن يكونوا متمتعين بحياتهم ويعيشوا ضمن القانون والنظام.
الرئيس السيسى أكد للملك عبد الله تضامن مصر مع الأردن ضد الإرهاب.. كيف تنظر للموقف المصرى؟
العلاقة بين مصر والأردن على كافة المستويات سواء كانت على مستوى القيادة ممثلة فى الرئيس السيسى والملك عبدالله، وبين أيضا الحكومتين الأردنية والمصرية، وبين الشعبين، تقوم على الاحترام والتقدير المتبادل، نحن نعتز بهذه العلاقة ونقدر موقف مصر الداعم كشقيقة كبرى للأردن، وأيضا نعتز بموقف القيادتين المؤيد والداعم للأشقاء فى فلسطين، ومصر والأردن على طريق واحد لرفض الإرهاب، وأيضًا رفض التهجير سواء من غزة أو من الضفة الغربية بأى حال من الأحوال، والأردن أكد دعمه الكامل للخطة العربية التى قدمتها مصر فى القمة العربية الأخيرة والتى تبنت موقف إعادة إعمار غزة دون تهجير أى من سكانها.

