الأحد 24 نوفمبر 2024

الطرق المثلى لمواجهة أمراض المناعة

الطرق المثلى لمواجهة أمراض المناعة

11-8-2022 | 09:38

كتبت: ندا أحمد
يعد جهاز المناعة الجيش الأول الذي يدافع عن الجسم ضد مختلف الأمراض والفيروسات، وعند الحديث عن جهاز المناعة فإننا نصف مجموعة معقدة من الخلايا والأنسجة والأعضاء لكل منهم وظائف محددة، وهذه المجموعة تتكاتف معا للتصدى للجراثيم والفيروسات والبكتيريا التي قد تهاجم الجسم. والجهاز المناعي كأي جهاز فى الجسم يمكن أن يتعرض للكثير من العوامل التي قد تؤثر فى قدرته على أداء عمله الطبيعي، كما قد يصاب بالعديد من الأمراض والتي تعرف باسم “أمراض المناعة أو أمراض المناعة الذاتية” والتي تؤثر بشكل كبير على أجهزة كثيرة فى الجسم، فما هذه الأمراض؟ وكيف يمكن تشخيصها وعلاجها والوقاية منها؟ وقبل كل هذا كيف يمكن الحفاظ على هذا الجهاز قبل أن يسبب العديد من الأمراض؟ كل هذه الأسئلة وغيرها نطرحها على الخبراء فى هذا التحقيق. فى البداية يقول الدكتور فخر الدين سالم استشاري الأمراض الصدرية إن جهاز المناعة هو معجزة إلهية ونعمة كبرى تدافع عنا ليلا ونهارا دون أن نشعر، فهو جيش حقيقي يحارب أي غزو دخيل على الجسم، وعادة ما يكون هذا الغزو من البكتيريا أو الفيروسات، وبدون ما يوفره هذا الجيش من حماية يسقط الإنسان مهزوما أمام أضعف المخلوقات وتتمكن منه آلاف الأمراض وقد تقتله، إلا أنه فى بعض الحالات النادرة - وكما يحدث فى أية معركة - قد يحدث ما يعرف فى المصطلحات العسكرية باسم (النيران الصديقة)، وهو مصطلح يعني إصابة أحد أفراد الجيش خطأ بسلاح أحد زملائه، وهذا ما قد يحدث تماما فى أمراض المناعة، فجهاز المناعة قد يشتبه فى أحد أنسجة جسم الإنسان، ويعتقد أنها عدو خارجي ويوجه إليها أسلحته من الأجسام المضادة، وهذه الأمراض تعتبر نادرة، حيث تم إحصاء ما يقرب من 80 مرضا مناعيا فقط من بين آلاف الأمراض التي قد تصيب الإنسان، كما أن معدل انتشارها ليس كبيرا. ويضيف: ولا يوجد حتى الآن تفسير معين لهذا السلوك، وبالتالي لا يوجد طريقة لتجنب حدوث المرض المناعي، فقد يحدث ذلك لأى شخص وفى أي وقت، فلا داعى لإلقاء اللوم على تناول طعام معين أو عدم أخذ احتياط معين لتلافى حدوث ذلك. وهناك الإجراءات الطبية التي تتخذ فى بعض الحالات وفقا لإرشادات طبية، منها على سبيل المثال مرض الروماتيزم، فنحن نسمع كثيرا عن علاقة التهاب اللوزتين لدى الأطفال بحدوث روماتيزم فى المفاصل أو فى صمامات القلب، وكان هذا المرض شائعا فى الماضي بصورة كبيرة، ولم نعد نراه كثيرا اليوم بفضل الله وقد تمكن العلماء من تفسير هذه العلاقة، حيث إن التركيب الخارجي لنوع البكتيريا التي تصيب اللوزتين والحلق مشابه للبروتين المكون لأغشية المفاصل وصمامات القلب، وعند غزو هذه البكتيريا للجسم ينشط جهاز المناعة بصورة كبيرة، وتنتقل بين خلاياه صورة هذه البكتيريا وينتج أجساما مضادة مدربة على مهاجمة كل من يشبه هذه الصورة، وهنا تحدث المشكلة، إذ يتم مهاجمة خلايا المفاصل أو صمامات القلب دون قصد و(بحسن نية) من جهاز المناعة، وتبدأ آلام الروماتيزم فى الظهور، كما قد يحدث تلف لصمامات القلب. فى هذه الحالة وبمجرد ظهور أعراض التهاب بكتيري فى الحلق واللوزتين يقوم الأطباء فورا بوصف المضادات الحيوية المناسبة، حيث لا يترك جهاز المناعة وحده فى هذه المواجهة فيصبح “أقل حماسا” ولا يندفع فى مهاجمة أنسجة الجسم. وفى حالات أخرى لا يكون السبب الذى استفز جهاز المناعة معروفا: هل هو بكتيريا معينة أم فيروس أم مادة سامة تسربت إلى الدم بأي وسيلة، وفى هذه الحالة يتم وصف أدوية تقوم بتهدئة جهاز المناعة (كالكورتيزون مثلا)، لمنعه من هذا التهور وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أنسجة الجسم التي قد تكون قد أصيبت بالخطأ و”بحسن نية”. وللأسف، فإن جميع أنسجة الجسم تقريبا معرضة لهذا الهجوم غير المتوقع، فقد يتم إصابة الجلد أو العضلات أو المخ والأعصاب أو العين أو الكلى وحتى القولون. والآن ما الذى يجب علينا فعله؟. فى الحقيقة يجب أن نفعل التالي: أولا: الاهتمام بالصحة العامة والغذاء الصحي. ثانيا: بالنسبة للأطفال يجب الاهتمام بأي شكوى التهاب فى الحلق واستشارة الطبيب. ثالثا: الفحص الدوري تحت الإشراف الطبي ولو مرة سنويا، حيث إن الاكتشاف المبكر لأى حالة مرضية قد يكون سببا فى احتواء أعراضها قبل أن يتضرر الجسم. ويرى الدكتور هاني محمد على استشاري أمراض المفاصل والروماتيزم أن أمراض المناعة الذاتية هي عبارة عن خلل فى نشاط جهاز المناعة، حيث لا يتعرف على خلايا وأنسجة الجسم ويبدأ بمهاجمتها بدلا من حمايتها مسببا التهابات مزمنة، ويوجد أكثر من 80 مرض مناعة ذاتية جلدية ومفصلية وجهازية وهى غير معدية، ومن أكثر هذه الأمراض انتشارا السكرى من النوع الأول، والتهاب المفاصل الروماتويدي، والذئبة الحمراء. وسبب الإصابة بهذه الأمراض لايزال غير معلوم، إلا أن هناك ارتباطا بين عدد من العوامل واحتمالية الإصابة مثل: الاستعداد الوراثي بمعنى إصابة أحد أفراد الأسرة باختلالات مناعية، ونمط الحياة غير الصحي، الضغوط النفسية والمرور بأزمات تتسبب فى تدهور الحالة النفسية، والإصابة ببعض الأمراض المعدية، وهذه الأمراض تصيب جميع الفئات العمرية، ولكنها تزداد فى الإناث بنسبة 90% تقريبا. والأعراض تتشابه فى مختلف أنواع الأمراض المناعية، مما يؤخر التشخيص ولكنها تختلف من شخص لآخر، وفى البداية يتم التشخيص عن طريق استبعاد أية أمراض غير مناعية مسببة للأعراض، وبعد الفحص السريري يتم إجراء فحوص الدم المناعية المناسبة والمرتبطة أيضا بالأعراض، بالإضافة إلى تحاليل قياس الالتهاب وغيرها من أدوات التشخيص كالسونار والأشعة. أما العلاج فيختلف من حالة إلى أخرى ويعتمد على أدوية مثبطة أو معدلة لنشاط المناعة، وعلاج تحفظي للأعراض بغض النظر عن أن أمراض المناعة مزمنة، لكن بالالتزام والمتابعة نستطيع الوصول لدرجات تحسن وحياة طبيعية إلى حد كبير. ويشير الدكتور أنس يسري استشاري الجلدية والتناسلية والتجميل بالليزر إلى أن هناك ما يعرف بـ”أمراض المناعة الذاتية الجلدية” والتي تحدث نتيجة لبعض الاضطرابات أو الخلل فى جهاز المناعة، وبالتالي تؤثر على الجلد والبشرة. ومن هذه الأمراض نذكر مرض الثعلبة وهو معروف باسم “الصلع البقعي” وهو حالة يتم فيها مهاجمة الجهاز المناعي لبصيلات الشعر ويتسبب فى تساقط الشعر من فروة الرأس أو الذقن أو جميع مناطق الجسم على حسب درجاتها، وهناك عوامل تسهم بدورها فى تحفيز جهاز المناعة لمهاجمة بصيلات الشعر مثل الضغوط النفسية والتوتر، الإصابة ببعض الأمراض المناعية الأخرى وأيضا العوامل الوراثية. والتشخيص يتم من خلال الفحص الإكلينيكي، ومنظار الشعر أوالمعروف بـ“الديرماسكوب” للتأكد من التشخيص وأيضا يستخدم ليظهر علامات الاستجابة أو عدم الاستجابة للعلاج أثناء مرحلة العلاج. أما العلاج فيكون من خلال استخدام مثبطات المناعة أو مضادات الالتهابات من خلال الكريمات أو الحقن الموضعي لوقف نشاط الثعلبة، وفى حالة شدة الإصابة يتم إعطاء المريض أدوية تحتوي على الكورتيزون. ويشرح لنا الدكتور إبراهيم قابيل استشاري الباطنة والكبد والجهاز الهضمي والمناظير بجامعة عين شمس أن أمراض المناعة الذاتية تعد من أخطر الأمراض التي قد تصيب الإنسان، وتعتبر هذه الحالة من حالات جنون الجسد، وتحول جهاز الدفاع الرسمي للجسم إلى عدو يهاجم أعضاءه، وهناك أنواع عديدة من هذه الأمراض ومنها بالطبع ما يصيب الجهاز الهضمي مثل التهاب الأمعاء المناعي ويشمل داء كرون والتهاب القولون التقرحي. ويسبب “داء كرون” التهابا فى الجهاز الهضمي وظهور بقع ملتهبة فى مناطق مختلفة من القناة الهضمية، كما يمكن للالتهاب أن يصيب الأجزاء المختلفة من الجهاز الهضمي بداية من الفم وحتى فتحة الشرج. وتتراوح أعراض الإصابة بين الخفيفة والحادة، وقد تحدث بشكل مفاجئ، وأحيانا لا تظهر أية أعراض فى فترات من الوقت ويكون المرض فى حالة سكون، أما فى حالة نشاطه تظهر الأعراض على هيئة حمى، إسهال، آلام بالبطن، دم فى البراز، إرهاق، فقدان الشهية، الشعور بالألم فى فتحة الشرج أو حولها، وذلك بسبب وجود(الناسور)، وفى حالات الإصابة الشديدة تحدث بعض المضاعفات مثل التهاب بالجلد والعين والمفاصل، حصوات الكلى والمرارة واضطرابات فى الكبد. وحتى الآن لا يوجد علاج لمرض كرون، ولكن هناك خيارات للعلاج والتي يمكن أن تقلل من شدة الأعراض وتكرارها ومنها: الأدوية المضادة للالتهابات فهي تساعد فى التحكم فى الالتهاب، بالإضافة إلى الكورتيزون والمضادات الحيوية. أما التهاب القولون التقرحي: هو مرض مزمن يصيب البطانة الداخلية للأمعاء الغليظة ويسبب تورما والتهابا على هذه البطانة، ويمكن أن يصيب أي فئة عمرية، ولكنه أكثر شيوعا بين عمر 15 و30 سنة. وسبب الإصابة بهذا المرض غير معروف، فسابقا كانت أصابع الاتهام تشير إلى النظام الغذائي والضغط النفسي، ولكن وجد أن هذه العوامل تعمل على تفاقم المرض ولا تسببه، ومن المحتمل أن تلعب عوامل أخرى دورًا فى الإصابة مثل: العامل الوراثي، وفرط نشاط الجهاز المناعي المعوي وهو رد فعل مناعي غير طبيعي للأمعاء. والأعراض تختلف من شخص إلى آخر على حسب شدة الالتهاب ومكان حدوثه وتظهر فى صورة إسهال مصاحب للصديد أو الدم، والشعور بالتعب الشديد، ألم فى البطن، ارتفاع درجة حرارة الجسم، فقدان الوزن، الغثيان، فقر الدم. والتشخيص يتم من خلال الفحص السريري، وسماع التاريخ المرضي، وإجراء بعض التحاليل مثل تحاليل الدم والبراز وأيضا عمل بعض الأشعة مثل الأشعة المقطعية والسينية ومنظار القولون. أما العلاج فيعتمد على شدة المرض والأعراض فيمكن أن يكون دوائيا باستخدام مضادات الالتهاب ومثبطات المناعة أو جراحيا من خلال إزالة القولون والمستقيم مع القيام بجراحة لطرد الفضلات بشكل طبيعي أو عمل فتحة دائمة فى البطن ليمر من خلالها البراز. ومن جانبها أكدت الدكتورة داليا درغام مدرس واستشاري الروماتيزم والمناعة بقصر العيني أن أمراض المناعة غير مقصود بها نقص المناعة أو زيادة نشاط المناعة، ولكن المقصود بها وجود خلل فى جهاز المناعة، بمعنى عدم قيام جهاز المناعة بوظيفته المنوط بها وهى التعرف على الأجسام الغريبة ومقاومتها مثل البكتيريا والفيروسات والالتهابات، وأيضا التحورات السرطانية بل يقوم بمهاجمة خلايا وأجهزة الجسم عن طريق تدميرها وتكوين أجسام مضادة ضدها، وهذا هو المقصود بأمراض المناعة أو أمراض المناعة الذاتية. وترجع أسباب الإصابة بهذه الأمراض لعدة أسباب أهمها: الاستعداد الجيني لدى المريض وهذا السبب يكون موروثا، يليه التغيرات التي تعمل على إظهار هذا الموروث الجيني مثل التعرض لبعض المواد الكيميائية فى الجو أو الغذاء، التعرض للتوتر أو التدخين، وقد تحدث الإصابة أيضا بسبب بعض التغيرات الهرمونية التي تحدث للسيدات فى فترات معينة مثل فترة الحمل والرضاعة، والتي تظهر فيها بعض الأمراض الروماتيزمية مثل الذئبة الحمراء. أما الأعراض فتختلف من مريض لآخر، ولكن غالبية الأمراض المناعية تشترك فى بعض الأعراض مثل: - تورم المفاصل مثل مفاصل اليد والركبتين والكاحل. - ظهور بعض الأمراض الجلدية مثل طفح جلدي مستمر مع تغير لون الجلد، وتساقط حاد جدا للشعر. - يمكن أن تحدث بعض الأعراض الداخلية مثل التهابات الكلى والتي تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، التهابات أو تليف الرئة والتي تتسبب فى النهجان وصعوبة التنفس. وهناك أنواع متعددة من هذه الأمراض وأعراضها ترتبط باسمها ولكننا سنتحدث عن الأكثر انتشارا، وأولها “الروماتويد المفصلي” وهو أحد أنواع مجموعة أمراض الروماتيزم، وتقدر نسبة الإصابة به بـ 1% من أهل أي بلد، وتظهر أعراضه فى صورة التهاب بالمفاصل وتورمها وظهور آلام شديدة بها بالإضافة إلى التيبس الصباحي. ويأتي فى المرتبة الثانية مرض “الذئبة الحمراء” يليه مرض “بهجت” أو “BD” وهو مرض يتسبب فى التهابات الأوعية الدموية فى مناطق مختلفة فى الجسم، وأعراضه عبارة عن التهاب قزحي فى العين ويقوم بتشخيصه طبيب الرمد عند زيارة المريض له وشكواه من بعض الأعراض مثل احمرار العين وكثرة الدموع بها، الحساسية تجاه الضوء والشمس، وهناك بعض الأمراض أيضا مثل مرض التهاب المفاصل الصدفى، مرض تيبس الفقاري اللاصق، ومؤخرا وجود حالات لمرض الساركويد ومتلازمة الفوسفوليبيد. وفى حالة عدم الخضوع للعلاج من هذه الأمراض المناعية تحدث مضاعفات خطيرة فيهاجم الخلل المناعي أجهزة الجسم كله، فيبدأ بالمفاصل ثم يؤثر على أجهزة الجسم الداخلية مثل: الكبد والكلى والرئة، وهذا لا نتمنى حدوثه مع أي مريض، ويمكن تجنب ذلك عن طريق الكشف المبكر عند ظهور أية أعراض وأيضا الالتزام بتعليمات العلاج. وبالنسبة للعلاج فيتم من خلال وصف مثبطات المناعة التي تعمل على وقف نشاط الخلايا المناعية التي يوجد بها هذا الخلل، وهناك بعض الأدوية التقليدية مثل الكورتيزون أو الأدوية التي تحتوى على مادة الميثوتريكسات أو مادة الليفلونوميد أو مادة الآزاثيوبرين، وأيضا هناك علاجات أحدث وهى العلاجات البيولوجية، ولكنها لا تتناسب مع كل الحالات