ربع مليون نسمة في 56 يومًا.. وبنفس المعدل والمؤشر يكون لدينا أكثر من 2 مليون نسمة سنويًا.. إنها فاجعة وتحدٍ خطير.. وظاهرة تستوجب أن نتوقف أمامها بجدية.. ومواجهة حقيقية وشاملة.. فهذا الرقم المرعب سنويًا كم يحتاج من مستشفيات ومدارس ووحدات سكنية.. واحتياجات أساسية وخدمات حضارية ووسائل نقل.. وفرص عمل.. لماذا لم يدرك الناس إلى الآن خطورة النمو السكاني المنفلت.. أين يكمن الخلل.. وكيف تواجه الدولة هذا الخطر في ظل محدودية الموارد.. ورغم ذلك حققت مصر ملحمة في البناء والتنمية.. وماذا كنا سنفعل إذا لم تحقق مصر على مدار 8 سنوات هذه الانجازات.. في مجال التوسع العمراني والزراعي.. والبناء والتنمية.. والاصلاح وتنمية الموارد؟.
ربع مليون نسمة في 56 يوماً.. بالحسابات بنفس المعدل هناك أكثر من 2 مليون طفل سنوياً.. إنه الخطر الحقيقي والتحدى الأكبر.. التهديد المباشر والأزمة التى تلتهم عوائد البناء والتنمية.. مطلوب وقفة جادة وحاسمة.. وأفكار خلاقة، ووعى حقيقى.
الرقم المرعب
خبر نشرته الصحف الصادرة صباح أمس، ربما لم يلتفت إليه الكثيرون أو تحديداً لم يتوقف عنده الكثيرون ويحمل الكثير من الرسائل والدلائل بل والمخاطر على مسيرتنا نحو التنمية، فى ظل دولة تسابق الزمن وتبذل جهودا فريدة فى توفير الحياة الكريمة للمواطنين، وما تتضمنه من قائمة عريضة من المتطلبات أبرزها تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطن، وتحسين ظروفه وأحواله المعيشية ورفع المعاناة عنه.
الخبر يقول إن الساعة السكانية بالجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء أعلنت وصول عدد سكان مصر بالداخل إلى 104 ملايين و250 ألف نسمة بزيادة قدرها 250 ألفاً خلال 56 يوماً.
تخيل إنه فى 56 يوماً زاد سكان مصر 250 ألف نسمة أى ربع مليون نسمة فى أقل من شهرين أى أن الزيادة السكانية السنوية سوف تزيد على 2 مليون نسمة بنفس معدل الـ56 يوماً وها نحن أمام كارثة حقيقية، وتساؤلات كثيرة عن عدم وصول الوعى المطلوب إلى المواطنين، وفى إدراكهم بخطورة كثرة الإنجاب على مستواهم وظروفهم المعيشية ومستوى التعليم والرعاية الصحية التى يستطيعون تقديمها لأبنائهم، فى ظل دخلهم الشهرى أو السنوى، وأيضا خطورة ذلك على جهود الدولة على صعيد التنمية وانهاء الأزمات المتراكمة من الماضى أو التى جاءت بسبب تداعيات النمو السكانى المنفلت وغير المنضبط وغير المتسق والمتلائم مع موارد وقدرات وامكانيات الدولة رغم انها شهدت فى الـ8 سنوات الماضية تنمية وتعظيم شرايين اضافية للموارد بفضل الرؤية الثاقبة والأفكار الخلاقة التى تبنتها القيادة السياسية، ولكن تحدى النمو السكانى غير المنضبط، يشكل تحدياً بل تهديداً خطيراً على مستقبل الأمة المصرية، والتقدم الذى تنشده، ربما يشبه البعض ذلك بأنه مثل «الحرث فى الماء».. وأن المواطن قد لا يشعر بجهود الدولة الخلاقة والفريدة وغير المسبوقة والتى تسابق الزمن فى التنمية بسبب أن هذه الزيادة السكانية غير العاقلة وغير المنضبطة تلتهم عوائد التنمية.. وجهود البناء والتطوير، من هنا وجب علينا جميعاً أن نخوض هذا التحدى الذى مازال هناك من وجهة نظرى قصور فى معالجة النمو السكانى والوصول إلى قناعات المواطن وتغيير التابوهات العالقة فى ذهنه وعقله من خلال حسبة منطقية، ودينية، واقتصادية، وصحية، وتعليمية بعد أن خضع طويلاً ولعقود أسيراً لأفكار وفتاوى الجماعات المتطرفة والمتشددة والمتاجرة بالدين والتى لا تعرف عنه شيئاً، وأيضاً القضاء على الموروثات البالية خاصة فكرة أن العيال «عزوة»، أو أنهم مجرد وسيلة لزيادة المال والدخل، من خلال الزج بالأطفال فى سوق العمل، وعدم تعليمهم وتأهيلهم بشكل يحقق النفع للمجتمع لتقديم مواطن يواكب العصر، أو على المستوى الشخصى فى رفع المعاناة عن أجيال كثيرة لم تحظ بالرعاية، ويكون عرضة لأن يكون عبئاً على هذا المجتمع أو مواطناً غير صالح.
ربع مليون نسمة فى 56 يوماً، وأكثر من 2 مليون نسمة سنوياً إذا طبقنا نفس المعدل فى ظل محدودية موارد الدولة، والعمل على بنائها، وتحسين الظروف المعيشية لشعبها ورفع كفاءة الخدمات المقدمة لهم، والقضاء على الأزمات طاردتهم على مدار عقود إذن نحن أمام اشكالية كبيرة تحتاج إلى إعادة نظر وتقييم ومعالجة شاملة ربما تستلزم قرارات جريئة وغير نمطية إلى جانب الوعى الواجب بخطورة كثرة الإنجاب فى ظل هذه الظروف.
الرئيس عبدالفتاح السيسى تحدث كثيراً ومراراً وتكراراً عن خطورة الزيادة السكانية المنفلتة، وعدم تناسبها مع موارد الدولة، ومتطلبات هذه الزيادة، الرئيس السيسى فى الموتمر الاقتصادى أشار إلى أمرين مهمين للغاية يتعلقان بالصحة والتعليم فمصر تحتاج إلى ما يوازى قدراتها الصحية وتعمل فقط بما يلبى 50٪ من احتياجاتها من عدد الأسرة فى المستشفيات وتحتاج 10 آلاف دولار سنوياً تنفق على كل طالب من 25 مليون طالب أى اننا نحتاج إلى 250 مليار دولار سنوياً فمن أين للدولة هذا الرقم الكبير وحتى ولو كان 250 مليار جنيه وتحدث الرئيس السيسى أيضا أن العمل على خفض نسبة كثافة الفصول من30إلى 40 تلميذا فى الفصل الواحد يحتاج إلى بناء 6 ألف فصل دراسى سنوياً بتكلفة تصل إلى 60 مليار جنيه للتصدى لتداعيات الزيادة السكانية.
قضية الزيادة السكنية المرعبة تحتاج مواجهة حقيقية وشاملة لانها تشكل تحدياً وإحدى العقبات فى طريق التنمية، وتزيد من حدة المعاناة وفاتورة النفقات وتوفير احتياجات ومتطلبات المواطنين من الخدمات، فالسؤال المهم الذى يطرح نفسه إذا كانت الحسابات فى كل 250 ألف نسمة فى 56 يوماً وبنفس المعدل يكون لدينا أكثر من ٢ مليون مواطن فهذا الرقم كم يحتاج من المستشفيات والأسرة فى إطار الرعاية الصحية الواجبة لبناء الإنسان فى الحفاظ على صحته، وكم يحتاج من عدد الفصول الدراسية والمدارس ناهيك عن المرافق والوحدات السكنية ووسائل النقل والمواصلات وتوفير السلع والاحتياجات الأساسية وفرص العمل اللازمة وتأثيرات ذلك على ميزانية الدولة ومواردها فبدلاً من انفاقها على تعظيم وتحسين مستوى المعيشة والتوسع فى البناء والتنمية والمشروعات، نجد أن جزءاً كبيراً من الميزانية وموارد الدولة يذهب لاستيعاب الزيادة السكنية السنوية فى توفير المدرسة والمستشفى والمرافق والوحدة السكنية وفرص العمل.
الدولة لم تدخر جهداً، وتبذل قصارى جهدها، وتعمل بشكل غير مسبوق فى زيادة وتنمية مواردها وأيضا فى التوسع العمرانى والزراعى لكن مع استمرار الزيادة السكانية بشكل عشوائى غير منضباً سوف تزيد الأمور صعوبة، ولابد أن تتفوق موارد الدولة وتزيد على احتياجات سكانها أو مواطنيها حتى تستطيع الوصول إلى ذروة التقدم فهناك دول لم يزدد تعدادها السكانى منذ أكثر من 50 عاماً وربما يكون المتوقع فى ظل معدل الـ»ربع مليون نسمة» فى 56 يوماً.. وبالتالى السنوى سيكون 2 مليون نسمة وهو مقدار دولة فهناك محافظات مصرية يزيد تعدادها السكانى على دولة أو أكثر من دولة وهذا عبء كبير وتحد خطير يجب أن ينتبه إليه المواطن، وألا نلوم الدول والحكومة.. دائما نعلق شماعة المعاناة على الحكومة، لابد أن نسأل أنفسنا عن أخطائنا وعدم ادراكنا ووعينا.. والسادة المواطنون الذين لديهم هواية كثرة الإنجاب والعيال لابد أن يجيبوا عن أسئلة أبنائهم فيما بعد، لماذا نعانى ولماذا لا نعيش بالشكل المطلوب، ويفترض أن يقول الأب لابنائه، اعتذر وأسف لاننى رغبت فى انجاب أبناء كثر.. لكننى نادم واعتذر لكم عن الشقاء والمعاناة التى تلقونها، ويجب ألا يقول البلد دى ظالمة، ولم توفر لهم الحياة المثالية والخدمات اللائقة أو أنها السبب فى معاناتكم، فهذا ظلم وجور للدولة والحكومة التى تعمل بما يفوق التوقعات، علينا أن نصارح أبناءنا بأخطائنا، وأننا انجبناهم لأن لدينا هواية كثرة الانجاب، وعشقنا كثرة العيال أو أردنا أن نوظفهم فى جلب المال بالدفع بهم وفى سن الطفولة البريئة إلى سوق العمل بدلاً من أن نوفر لهم الرعاية الصحية اللازمة والتعليم الجيد والرعاية والعطف والاحتواء والحنان، وأن يعيش هؤلاء أعمارهم ويستمتعوا بطفولتهم وأن نؤهلهم بشكل صحيح للحياة فالمواطن الذى يقدم على هذه الظاهرة لا يلومن إلا نفسه.
الحقيقة أيضا أن هذه الأرقام المرعبة تشير إلى أهمية أن تكون لدينا وقفة جادة وإعادة النظر فى مضامين حملات التوعية، وقدرتنا فى الوصول إلى عقول وقناعات المواطنين والتخلص من الأفكار والموروثات القديمة، وتطهير البلاد من رواسب الفكر المتشدد والمتطرف والجاهل بالدين، لذلك يجب على الجميع أن يؤدوا دورهم من خلال عمل متكامل، واستراتيجية أكثر واقعية ربما تبدأ مراحلها منذ الصغر بتعليم الأبناء والتلاميذ فى المدارس أمانة المسئولية بمعنى أن نكون أمناء على الأطفال الذين ننجبهم وأيضا الأمانة فى تشخيص قدراتنا وامكانياتنا ولاسعاد وتأهيل وتربية أطفالنا بالشكل الواجب، فلم تعد الكثرة هى الفيصل ولكن النوعية، فماذا يعنى أن يكون لدى 5 أو 6 أبناء لم يلقوا نصيبهم من التعليم، ويعانون من التسرب التعليمى أو الأمية وهناك أسرة فضلت انجاب طفل أو طفلين وانفقت بسخاء على تعليمهم ورعايتهم الصحية لذلك فهم بطبيعة الحال سيكونون من النخب والمكانة المجتمعية اللائقة، من العلماء والمتخصصين والأطباء والمهندسين، والضباط والمستشارين وأهل الفكر والثقافة ومواكبة العصر وامتلاك القدرة والمؤهلات على دخول سوق العمل المحلى والإقليمى والدولى، يستفيد منهم المجتمع والوطن بدلاً من أن يكونوا مجرد أعباء اضافية على كاهل الدولة أو تهديد أمنها وأمانها.
أستطيع القول إننا يجب أن نصل إلى نطاق أوسع، فالغريب أن زيادة النمو السكانى فى القاهرة تفوق باقى المحافظات، لذلك لابد من بناء وعى حقيقى بأساليب مباشرة تصل إلى القرى والنجوع وأيضا إلى كافة المواطنين فى ربوع البلاد، وحملات توعوية، بأساليب وأوتار مختلفة تركز على الجانب الصحى للأم والأطفال والمكانة الاجتماعية فى حالة النمو السكانى المنضبط أو النمو السكانى غير المنضبط.. وأيضا الجانب الاقتصادى وأيضا إزالة الشواغل والمخاوف التى تتعلق بأحكام الشريعة والدين، فالعلماء أجمعوا على أن تنظيم الانجاب ليس حراماً بل يتسق وتعاليم الدين، وأن الاكتفاء بطفل أو اثنين لا يتعارض مع الدين نحتاج إلى دور المدرسة لغرس روح المسئولية والأمانة لدى التلميذ والتلميذة.. وأيضا الوعى بخطورة كثرة العيال مع غياب القدرة وتأثير ذلك على أحوال وظروف الوطن ومسيرته نحو التنمية نحتاج لإصدارات حقيقية ورشيقة عن هذه القضية، نحتاج إلى دراما ومسلسلات وسينما وفن يرسخ أهمية الترشيد والاعتدال والتنظيم نحتاج إلى دور علماء الدين فى المسجد والكنيسة والانتشار بأوسع ما يكون للوصول إلى كافة المواطنين فى ربوع البلاد، نحتاج إلى خطبة الجمعة وعظة الأحد لتبصير الناس بتداعيات النمو السكانى المنفلت والتأكيد أن التنظيم لا يتعارض مع الأديان السماوية، نحتاج إلى قصص وروايات ومسرحيات عن مخاطر الزيادة السكانية تتبناها وزارة الثقافة، نحتاج إلى حملات توعية كما قلت بأساليب وأوتار عصرية تواكب التحديات وتخاطب العقل لدى المواطنين وتعمل على تغيير قناعاته التى ترسخت من عصور التطرف والتشدد، نحتاج إلى حوافز للملتزمين فى هذا الاطار واجراءات حاسمة تجاه المنفلتين فى الإنجاب.
الحقيقة أن إنجاب ربع مليون نسمة فى 56 يوما.. يدق ناقوس الخطر ويجعلنا نعيد حساباتنا ونولى اهتماماً أكثر بقضية الزيادة السكانية لان فى ذلك تهديداً مباشراً ومستقبل الأجيال القادمة فى ظل تداعيات أزمات عالمية طاحنة وقاسية لا ابالغ وبمنتهى الموضوعية إذا قلت إن الدولة المصرية على مدار 8 سنوات حققت معجزات فى مجال البناء فالحديث عن 20 مدينة جديدة طبقا لأحدث المعايير العالمية فى مجال المدن الذكية بالإضافة إلى الارتقاء بالخدمات والتوسع الزراعى والصناعى والعمرانى والسؤال وفى ظل وصول عدد سكان مصر فى الداخل إلى 104 ملايين و250 ألف نسمة ماذا كان سيكون حالنا الآن، هل كنا نعيش فى دوامة لا تنتهى من الازمات والمعاناة والازدحام والانهيار، هل كنا نعيش على أسرة متعددة الأدوار، هل كنا اجهزنا على باقى الأراضى الزراعية التى بقيت بعد تعديات خلال سنوات الاهمال والفوضى على مئات الآلاف من الأفدنة عالية الخصوبة، هل كنا سوف نعانى من اتساع رقعة العشوائيات هل كنا سنعانى من خروج أجيال جديدة من المتطرفين والمتشددين والإرهابيين والمجرمين هل كانت تداعيات الأزمات العالمية مثل «كورونا» والحرب الروسية ــ الأوكرانية تجعلنا نأكل بعضنا البعض نموت ونتضور جوعاً ونهباً وسلباً وفوضى.
الحقيقة أننا ربما لا نشعر بخطورة الأزمة السكانية فى ظل نجاحات وانجازات الدولة غير المسبوقة على مدار 8 سنوات واستشرافها للمستقبل وملحمة البناء والتنمية، والرؤية والأفكار الخلاقة.. لكننا حتما سنشعر بها على المدى المتوسط والبعيد إذا لم نواجه ونصارح أنفسنا كشعب بضرورة التوقف الفورى عن هوايات كثرة الانجاب وكثرة العيال لأن ضررها شديد الخطورة على الفرد والمجتمع والدولة.
تحيا مصر