السبت 4 اكتوبر 2025

المخدرات‭ ‬الصوتية‭ ‬الرقمية‭ ‬إدمان‭ ‬يهدد‭ ‬الشباب

المخدرات الصوتية الرقمية إدمان يهدد الشباب

4-10-2025 | 12:09

أحمد فاخر
في‭ ‬عصر‭ ‬سيطرت‭ ‬فيه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬على‭ ‬حياتنا‭ ‬بأدق‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬ظهرت‭ ‬أشكال‭ ‬جديدة‭ ‬للإدمان‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬خطورة‭ ‬عن‭ ‬الإدمان‭ ‬التقليدي‭ ‬للمخدرات،‭ ‬فظاهرة‭ ‬المخدرات‭ ‬الصوتية‭ ‬الرقمية‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالجرعات‭ ‬السمعية‭ ‬التي‭ ‬تتواجد‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬الشباب،‭ ‬مدفوعةً‭ ‬بالفضول‭ ‬وسعياً‭ ‬وراء‭ ‬تجربة‭ ‬مختلفة،‭ ‬ظاهرة‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬كونها‭ ‬مجرد‭ ‬موجات‭ ‬صوتية‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬بوابة‭ ‬لرحلة‭ ‬وهمية‭ ‬قد‭ ‬تنتهي‭ ‬بكارثة‭ ‬حقيقية،‭ ‬تهدد‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬والعقلية‭ ‬للمدمنين‭ ‬عليها‭.‬ تستند‭ ‬فكرة‭ ‬المخدرات‭ ‬الصوتية‭ ‬إلى‭ ‬مبدأ‭ ‬علمي‭ ‬يدعى‭ ‬‮«‬النبضات‭ ‬بكلتا‭ ‬الأذنين‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬إنتاج‭ ‬هذه‭ ‬النبضات‭ ‬عبر‭ ‬تشغيل‭ ‬موجتين‭ ‬صوتيتين‭ ‬بترددات‭ ‬مختلفة‭ ‬قليلاً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أذن‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬والدماغ‭ ‬عندما‭ ‬يستمع‭ ‬لهذين‭ ‬الترددين‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬فإنه‭ ‬ينتج‭ ‬موجة‭ ‬صوتية‭ ‬ثالثة‭ ‬وهمية،‭ ‬تشبه‭ ‬التردد‭ ‬الذي‭ ‬ينتجه‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الترددات‭ ‬الأصلية‭.‬ فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الموجة‭ ‬الصوتية‭ ‬في‭ ‬الأذن‭ ‬اليسرى‭ ‬بتردد‭ ‬400‭ ‬هرتز‭ ‬واليمنى‭ ‬بتردد‭ ‬410‭ ‬هرتز،‭ ‬فإن‭ ‬الدماغ‭ ‬يقوم‭ ‬بإنتاج‭ ‬موجة‭ ‬بتردد‭ ‬10‭ ‬هرتز،‭ ‬وهذا‭ ‬التردد‭ ‬الوهمي‭ ‬يشبه‭ ‬ترددات‭ ‬موجات‭ ‬المخ‭ ‬الطبيعية،‭ ‬فيؤثر‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬الشخص‭ ‬النفسية‭ ‬كما‭ ‬يعطيه‭ ‬شعوراً‭ ‬بالراحة‭ ‬والسعادة‭ ‬أو‭ ‬الاسترخاء‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الهلوسة‭ ‬مثل‭: ‬تأثير‭ ‬المخدرات‭ ‬التقليدية‭ ‬بالضبط،‭ ‬وتختلف‭ ‬أنواع‭ ‬المخدرات‭ ‬الصوتية‭ ‬حسب‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬فيها‭ ‬فبعضها‭ ‬يستخدم‭ ‬لإحداث‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاسترخاء‭ ‬والنوم‭ ‬وهو‭ ‬يحاكي‭ ‬موجات‭ ‬الدماغ‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالاسترخاء‭ ‬مثل‭ ‬موجات‭ ‬‮«‬ألفا‮»‬‭ ‬و»بيتا‮»‬،‭ ‬وهناك‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تحفيز‭ ‬مشاعر‭ ‬الإثارة‭ ‬ويعتقد‭ ‬أنه‭ ‬يعطي‭ ‬تأثيراً‭ ‬مشابهاً‭ ‬لبعض‭ ‬المخدرات‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬ويتم‭ ‬ذلك‭ ‬عبر‭ ‬استخدام‭ ‬ترددات‭ ‬أعلى‭ ‬تشبه‭ ‬موجات‭ ‬‮«‬بيتا‮»‬‭ ‬و«جاما‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أنواعاً‭ ‬أخرى‭ ‬تستخدم‭ ‬لتخفيف‭ ‬الألم‭ ‬أو‭ ‬لزيادة‭ ‬التركيز‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التقنية‭ ‬لأغراض‭ ‬مختلفة‭.‬ ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬المخدرات‭ ‬الصوتية‭ ‬بشكل‭ ‬مفرط،‭ ‬خاصةً‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬سعادة‭ ‬مفرطة‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الإدمان،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬المقلقة‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الشباب‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المخدرات‭ ‬خطراً‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التأثير‭ ‬النفسي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬إذ‭ ‬يقدمها‭ ‬البعض‭ ‬كبدائل‭ ‬آمنة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الخطر‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬المخدرات‭ ‬التقليدية‭ ‬مع‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬النتائج،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يشجع‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬تجربتها‭ ‬كونها‭ ‬متاحة‭ ‬بسهولة‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مقاطع‭ ‬فيديو‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬تطبيقات‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬محدد،‭ ‬بل‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬بسهولة‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬رقابة،‭ ‬وإدمان‭ ‬هذه‭ ‬الأصوات‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬آثار‭ ‬نفسية‭ ‬سلبية‭ ‬خطيرة‭ ‬مثل‭: ‬القلق‭ ‬والهلوسة‭ ‬واضطرابات‭ ‬النوم‭ ‬والاكتئاب‭ ‬وتدهور‭ ‬الذاكرة‭ ‬والتركيز‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬التحصيل‭ ‬الدراسي‭ ‬والعلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للشباب،‭ ‬كما‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬التقوقع‭ ‬والعزلة‭ ‬المجتمعية‭ ‬والبعد‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬المحيط‭ ‬وبالتالي‭ ‬يجعل‭ ‬الشاب‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للمشاكل‭ ‬النفسية،‭ ‬وللوقاية‭ ‬من‭ ‬إدمان‭ ‬المخدرات‭ ‬الصوتية،‭ ‬يجب‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬محاور،‭ ‬وهي‭ ‬كالتالي‭:‬ أولاً‭: ‬نشر‭ ‬الوعي‭ ‬لكلٍ‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬وأولياء‭ ‬الأمور‭ ‬حول‭ ‬مخاطر‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإدمان،‭ ‬وأنه‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬نوع‭ ‬عادي‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬سماع‭ ‬الموسيقى‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يسبب‭ ‬أضراراً‭ ‬شديدة‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬والتركيز،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ ‬هذه‭ ‬التوعية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المدارس‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬ومنصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬يتعامل‭ ‬معها‭ ‬الشباب‭. ‬ ثانياً‭: ‬تعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬الصحي‭ ‬والنفسي‭ ‬لدى‭ ‬الشباب‭ ‬وتشجيعهم‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬طرق‭ ‬صحية‭ ‬للترفيه‭ ‬والاسترخاء،‭ ‬مثل‭: ‬ممارسة‭ ‬الرياضة‭ ‬والتأمل‭ ‬واليوجا‭ ‬وقضاء‭ ‬الوقت‭ ‬مع‭ ‬العائلة‭ ‬والأصدقاء‭.‬ ثالثاً‭: ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬متابعة‭ ‬ومراقبة‭ ‬المحتوى‭ ‬الذي‭ ‬يعرض‭ ‬على‭ ‬أبنائهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لتقديم‭ ‬كلاً‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬العاطفي‭ ‬والنفسي‭ ‬لهم،‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬الاهتمام‭ ‬بخلق‭ ‬بيئة‭ ‬حوار‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬لمناقشة‭ ‬المشكلات‭ ‬والتحديات‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية‭.‬ أما‭ ‬إذا‭ ‬أصيب‭ ‬الشاب‭ ‬بالإدمان‭ ‬فعلاً،‭ ‬تبدأ‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬العلاج‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بالمشكلة‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬الإقلاع‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإدمان،‭ ‬وتأتي‭ ‬الخطوة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬العلاج‭ ‬باستشارة‭ ‬طبيب‭ ‬نفسي‭ ‬أو‭ ‬مركز‭ ‬من‭ ‬المراكز‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬تلك‭ ‬الأنواع‭ ‬من‭ ‬الإدمان‭ ‬الإلكتروني‭ ‬للمساعدة‭ ‬في‭ ‬العلاج‭ ‬بشكل‭ ‬سليم،‭ ‬ومن‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يحتوي‭ ‬العلاج‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬النفسي‭ ‬لتخطي‭ ‬الآثار‭ ‬الجانبية‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإدمان‭ ‬مثل‭: ‬القلق‭ ‬والتوتر‭ ‬والاكتئاب،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬المتقدمة‭ ‬ينصح‭ ‬بانضمام‭ ‬المريض‭ ‬إلى‭ ‬مجموعات‭ ‬علاج‭ ‬ليشارك‭ ‬تجربته‭ ‬مع‭ ‬أشخاص‭ ‬آخرين‭ ‬لديهم‭ ‬نفس‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإدمان‭.‬ وأخيراً‭ ‬يجب‭ ‬التوضيح‭ ‬بأن‭ ‬المخدرات‭ ‬الصوتية‭ ‬الرقمية‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬إدمان‭ ‬عادي،‭ ‬ولكنها‭ ‬تعتبر‭ ‬تهديداً‭ ‬حقيقياً‭ ‬يستهدف‭ ‬شبابنا‭ ‬في‭ ‬هدوء‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نشعر،‭ ‬وحتى‭ ‬نستطيع‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتعاون‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الأسرة‭ ‬والمدرسة‭ ‬والمجتمع‭ ‬لتقديم‭ ‬التوعية‭ ‬اللازمة،‭ ‬وملء‭ ‬فراغ‭ ‬الشباب‭ ‬بالأشياء‭ ‬المفيدة‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬رقمي‭ ‬ملئ‭ ‬بالإغراءات‭ ‬المتنوعة‭ ‬التي‭ ‬يصعب‭ ‬إحصاؤها،‭ ‬لذلك‭ ‬فنشر‭ ‬الوعي‭ ‬عند‭ ‬الشباب‭ ‬هو‭ ‬خط‭ ‬الدفاع‭ ‬الأول‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬دائماً‭ ‬الوقاية‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬علاج‭.‬