15-11-2025 | 11:52
إيهاب سلامة
بسبب ضغوط الحياة، وضجيجها، قد لا ينتبه الكثيرون إلى أن بعض العلامات البسيطة في أفواههم قد تكون دليلا علي خطر داهم، تقرّح صغير، أو بقعة حمراء تتجاهلها الأيام، أو ألم خفيف أثناء المضغ، كلها تفاصيل قد تخفي خلفها مرضا قاتلًا اسمه سرطان الفم.
إنه واحد من أكثر أنواع السرطان خطورة وصمتا في الوقت نفسه، يبدأ بخلايا صغيرة متمردة في اللسان أو اللثة أو سقف الحلق، ثم يزحف ببطء حتى يسرق القدرة على الكلام، والابتسام، وحتى تناول الطعام.
ورغم تطور الطب الحديث، فإن خطورة هذا المرض تكمن في تجاهله، فالمصابون به غالبا لا يشعرون بأعراض واضحة في بدايته، مما يجعل الاكتشاف المتأخر يمثل خطورة، رغم أن فرص الشفاء في المراحل المبكرة قد تتجاوز 80 %.
يقول الدكتور حسين سعودي، استشاري أمراض الفم والأسنان: إن الفم ليس مجرد وسيلة للكلام أو الأكل، بل هو مرآة حقيقية لصحة الإنسان الداخلية، وأي تغير فيه قد يكون أول إنذار لمرض خطير.
ويضيف أن سرطان الفم عادة ما يبدأ بإشارات خفيفة لا يلتفت إليها المريض، مثل قرحة صغيرة لا تلتئم، أو بقعة بلون مغاير على اللسان أو اللثة، أو تورم بسيط في أحد جوانب الخد الداخلي، ومع مرور الوقت تبدأ هذه العلامات في التطور بشكل صامت.
ويؤكد الدكتور سعودي إن أكثر من 30 % من حالات سرطان الفم يتم اكتشافها مصادفة أثناء فحص الأسنان الروتيني، مما يجعل دور طبيب الأسنان أساسيا في الاكتشاف المبكر.
ويستطرد بأن المريض قد يزور عيادة الأسنان لعلاج تسوس أو ألم بسيط، فيلاحظ الطبيب وجود تغيرات في أنسجة الفم لا علاقة لها بالمشكلة الأساسية، وهنا تكمن أهمية الوعي المهني والدقة في الفحص، كما يحذر من بعض التركيبات أو أطقم الأسنان غير المناسبة التي تحدث احتكاكًا دائما باللثة أو الخد، موضحا أن هذا الاحتكاك المزمن قد يؤدي إلى تهيج مستمر للخلايا وتحولها إلى خلايا سرطانية على المدى الطويل.
ويضيف: أن التدخين بكل أشكاله يعد من أخطر الأسباب التي تضعف أنسجة الفم وتجعلها أكثر عرضة للإصابة.
ويشير استشاري الفم والأسنان، إلى أن العناية اليومية بالفم ليست رفاهية، بل وسيلة وقاية فعالة، إذ يوصي باستخدام فرشاة ومعجون مناسبين مرتين يوميًا، واستعمال غسول فم مطهر بعد الوجبات، إلى جانب الفحص الذاتي مرة كل أسبوع أمام المرآة لملاحظة أي تغيرات غير طبيعية.
كما يشدد على ضرورة تناول الغذاء الغني بمضادات الأكسدة مثل الجزر، والسبانخ، والفواكه الحمضية، لأنها تقوي الأغشية المخاطية وتزيد من مناعة الفم ضد الخلايا المتحولة.
وينصح دكتور حسين السعودي بضرورة الفحص الدوري للفم والأسنان كل ستة أشهر، لأن اكتشاف السرطان في بدايته لا يعني فقط الشفاء الكامل، بل تجنب معاناة كبيرة كان يمكن تفاديها بزيارة بسيطة للطبيب.
من جانبه، يؤكد الدكتور محمد فؤاد، استشاري الأمراض الجلدية بالمركز القومي للبحوث، أن سرطان الفم لم يعد نادرًا كما يظن البعض، بل تتزايد نسب الإصابة به عالميا نتيجة أنماط الحياة غير الصحية، ويضيف أن التدخين لا يزال المتهم الأول، لكنه ليس الوحيد؛ فمضغ التبغ، وتناول الكحول أحياناً، وسوء التغذية، وحتى التعرض المستمر لأشعة الشمس دون حماية، كلها عوامل قادرة على تحويل خلايا طبيعية إلى خلايا شرسة.
ويوضح أن نقص الفيتامينات — خصوصا فيتامين «A» و«C» — وسوء نظافة الفم، من العوامل التي تضعف أنسجة الغشاء المخاطي وتجعلها أكثر عرضة للتحول السرطاني، كما أن العدوى المزمنة بفيروس الورم الحليمي البشري (HPV) أصبحت تعد من الأسباب المهمة التي لا يلتفت إليها بالقدر الكافي.
وينبه د. محمد فؤاد إلى أنّ أية بقعة بيضاء أو حمراء داخل الفم تستمر أكثر من أسبوعين دون تحسن، أو قرحة لا تلتئم، أو ورم صغير غير مؤلم، يجب أن ينظر إليها على أنها ناقوس خطر لا يحتمل التأجيل.
أما الدكتور محمد إمام، استشاري أمراض الأورام بالمعهد القومي للأورام، فيضع الأمور في إطار أوسع حين يقول: إن سرطان الفم ليس مرضا مفاجئًا، بل هو نتيجة تراكم طويل لسلوكيات خاطئة تمتد لسنوات، منها التدخين، الإهمال الغذائي، غياب الفحص الدوري كلها عوامل تصنع بيئة مثالية لتحول الخلايا الطبيعية إلى خلايا خبيثة.
ويطمئن الدكتور إمام الأشخاص الخائفين من زيارة الأطباء والكشف المبكر، بأن العلاج اليوم أصبح أكثر تقدما بفضل التطور في العلاج الموجه والمناعي، الذي يستهدف الخلايا السرطانية دون الإضرار بالأنسجة السليمة، كما أن برامج إعادة التأهيل بعد الجراحة تساعد المرضى على استعادة النطق والبلع وثقتهم بأنفسهم.
ويتابع بأن نجاح أي علاج مرتبط بشكل مباشر بتوقيت التشخيص، كل يوم تأخير يعني اتساع دائرة الخطر، وكل فحص مبكر يعني فرصة أكبر للحفاظ على الحياة والوظائف الحيوية للفم.
ويجمع الأطباء الثلاثة على أن الوعي هو السلاح الأقوى في مواجهة سرطان الفم، ورغم التطور الكبير في طرق العلاج من الجراحة الدقيقة إلى الإشعاع والعلاج المناعي فإن الطريق الأكثر أمانًا هو الوقاية من خلال الإقلاع عن التدخين، والمحافظة على نظافة الفم، وتناول غذاء متوازن غني بالخضراوات والفواكه الطازجة، وتشير الدراسات إلى أن هذه العادات الصحية يمكن أن تقلل خطر الإصابة بنسبة تصل إلى 70 %.