22-11-2025 | 12:13
أماني عزت
في عالم تتنوع فيه الأمراض وتتزايد تحديات الصحة العامة، يظل السرطان أحد أكثرها رهبة وتعقيدًا ومن بين أنواعه، يأتي سرطان المعدة ليحتل مكانة خطيرة، إذ غالبا ما يتم اكتشافه في مراحل متقدمة، مما يقلل من فرص الشفاء و لفتح نافذة من الأمل والمعرفة، نستضيف الدكتورة هبة الظواهري أستاذ الأورام لفهم هذا المرض من جذوره، فإلى نص الحوار.
بدايةً ما هو سرطان المعدة ببساطة؟
سرطان المعدة هو نمو غير طبيعي وغير منضبط لخلايا داخل المعدة ، وهذه الخلايا الشاذة تتكاثر لتشكل ورمًا يمكن أن يغزو الأنسجة المحيطة وينتشر إلى أعضاء أخرى في الجسم و من المهم التمييز بين أنواعه، أغلبها حوالي 90-95 % ينشأ في البطانة الغدية للمعدة ويسمى «أدينوكارسينوما» وهناك أنواع أخرى أقل شيوعًا مثل أورام اللحمية والأورام الليمفاوية.
كيف تتحول الخلية الطبيعية في المعدة إلى خلية سرطانية؟
العملية ليست لحظية، بل هي رحلة طويلة من التغيرات تبدأ بالتهاب مزمن في بطانة المعدة ناتج عن عوامل مهيجة مثل بكتيريا «الملوية البوابية» أو النظام الغذائي غير الصحي وهذا الالتهاب المزمن يؤدي مع الوقت إلى تغيرات في الخلايا تسمى «التهاب المعدة الضموري» ثم «التحول المعوي» وهي حالة تعتبر ما قبل سرطانية و إذا استمرت المؤثرات الضارة تتراكم الطفرات الجينية في هذه الخلايا حتى تتحول إلى خلايا سرطانية وهذه الرحلة قد تستغرق سنوات.
لننتقل إلى أسباب المرض وعوامل الخطر: ما هي أهم العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة؟
لا يوجد سبب وحيد، بل مجموعة من العوامل المتشابكة منها العدوى البكتيرية الملوية البوابية، هذا هو العامل الرئيسي على مستوى العالم وهذه البكتيريا تسبب التهابا مزمنا في المعدة وهو المحفز الأساسي لتسلسل الأحداث الذي ذكرناه سابقًا ، النظام الغذائي و هنا تكمن مفارقة كبيرة، حيث إن النظام الغذائي الغني بالأملاح مثل المخللات، والأسماك المملحة والمدخنة والمقليات واللحوم المصنعة مثل السجق واللانشون مع انخفاض تناول الفواكه والخضراوات الطازجة الغنية بمضادات الأكسدة والفيتامينات يزيد بشكل ملحوظ من المخاطر، كما أن المدخنين أكثر عرضة للإصابة بسرطان المعدة بنسبة تصل إلى الضعف مقارنة بغير المدخنين والكحول أيضاً يهيج بطانة المعدة ويساهم في الالتهاب، بالإضافة إلى السمنة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان الجزء العلوي من المعدة القريب من المريء بسبب الارتباط بمرض الارتجاع المعدي المرئي ولا ننسي التاريخ العائلي والوراثة بوجود قريب من الدرجة الأولى «أب، أم، أخ، أخت» مصاب بسرطان المعدة يضاعف الخطر، وهناك أيضًا بعض المتلازمات الوراثية النادرة التي تزيد من الاحتمال والأشخاص الذين خضعوا لاستئصال جزء من المعدة لعلاج قرحة مثلاً معرضون أكثر للإصابة بعد سنوات بسبب التغيرات في إفرازات المعدة ونمو البكتيريا.
هذا يقودنا إلى أهمية الاكتشاف المبكر للسرطان: ما هي الأعراض التي يجب أن تنذر الشخص بضرورة زيارة الطبيب؟
للأسف، في مراحله المبكرة قد لا يسبب سرطان المعدة أية أعراض على الإطلاق أو قد تكون أعراضا عامة وغير محددة يسهل تجاهلها ، ولكن مع تقدم الورم تبدأ الأعراض في الظهور منها عسر الهضم المستمر أو حرقة المعدة وهو من أكثر الأعراض شيوعا وأكثرها تجاهلاً ، فقدان الشهية والشعور بالامتلاء المبكر يشعر الشخص بالشبع بعد تناول كمية صغيرة جدًا من الطعام، ألم أو انزعاج في البطن في الجزء العلوي والغثيان أو القيء وأحيانا قد يكون القيء مصحوبًا بدم ، انتفاخ البطن بعد الأكل وفقدان الوزن غير المبرر ، صعوبة في البلع مع تقدم العمر ، وجود دم في البراز والشعور بالإرهاق والضعف العام بسبب فقر الدم الناتج عن النزيف البطيء.
متى يجب على الشخص أن يخضع لفحوصات؟ وهل هناك فحوصات دورية للأشخاص الأصحاء؟
يجب زيارة الطبيب فورًا عند استمرار أي من الأعراض السابقة لأكثر من بضعة أسابيع و بالنسبة للفحوصات الدورية للأشخاص بدون أعراض فإن الأمر انتقائي لا نوصي بالفحص الجماعي لجميع الناس، لكننا نركز على فئات الخطر العالي مثل من لديهم تاريخ عائلي قوي بسرطان المعدة، المصابين بالتهاب المعدة الضموري أو التحول المعوي، من خضعوا لجراحة سابقة في المعدة والمدخنين بشراهة ، أما بالنسبة للتشخيص يكون عن طريق عمل منظار المعدة نفحص خلالها بطانة المعدة بدقة ويمكننا أخذ عينات.
لنفترض أن شخصا تم تشخيص إصابته بسرطان المعدة.. ما هي خيارات العلاج المتاحة؟
خطة العلاج تعتمد بشكل أساسي على مرحلة الورم عند التشخيص، أي مدى حجمه، ومدى اختراقه لجدار المعدة وانتشاره إلى العقد الليمفاوية أو أعضاء أخرى، والعلاج يكون متعدد التخصصات ويشترك فيه جراح الأورام وأخصائي الأورام الطبي وأخصائي العلاج الإشعاعي وتعد الجراحة هي حجر الزاوية في العلاج إذا كان السرطان موضعيا ولم ينتشر والهدف هو استئصال الورم مع هوامش أمان من الأنسجة السليمة، بالإضافة إلى استئصال العقد الليمفاوية القريبة.
وقد تكون الجراحة استئصالًا جزئيا للمعدة أو استئصالًا كليا حسب موقع ومدى الورم، وهناك العلاج الكيميائي ويستخدم أدوية قوية لقتل الخلايا السرطانية أو وقف نموها و قد يعطى قبل الجراحة كعلاج مساعد جديد لتقليص حجم الورم وتسهيل استئصاله أو بعد الجراحة علاج مساعد للقضاء على أية خلايا متبقية وتقليل خطر عودة المرض وفي الحالات المتقدمة يكون العلاج الكيميائي هو العلاج الرئيسي للسيطرة على المرض وتخفيف الأعراض.
وماذا عن العلاج الإشعاعي؟
العلاج الإشعاعي يستخدم لقتل الخلايا السرطانية، وغالبا ما يستخدم مع العلاج الكيميائي بعد الجراحة للقضاء على الخلايا المتبقية في منطقة المعدة، أو لتخفيف الأعراض مثل الألم أو النزيف في الحالات المتقدمة، وهناك العلاج الموجه هذا هو مجال الطب الدقيق نقوم هنا بتحليل الخلايا السرطانية للمريض للبحث عن طفرات أو بروتينات معينة، ثم نستخدم أدوية «موجهة» لمهاجمة هذه الأهداف المحددة وأخيرا العلاج المناعي أحدث ثورة في علاج الأورام بما فيها سرطان المعدة المتقدم ويعمل على تحرير فرامل الجهاز المناعي ليمكنه من التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها.
ما هو دور التغذية خلال رحلة العلاج؟
التغذية جزء لا يتجزأ من خطة العلاج فالمرضى يعانون من فقدان الشهية وفقدان الوزن والعلاجات مثل الجراحة والكيميائي تزيد من هذه المشكلة و نحتاج إلى تعاون وثيق مع أخصائي التغذية، فالهدف هو الحفاظ على وزن الجسم وقوته وتحسين تحمل العلاج وتقليل آثاره الجانبية وتعزيز التئام الجروح بعد الجراحة وتحسين جودة الحياة بصفة عامة، و نلجأ إلى وجبات صغيرة متكررة غنية بالبروتين والسعرات الحرارية وفي بعض الحالات قد نحتاج إلى استخدام أنبوب تغذية أو حتى التغذية الوريدية لدعم المريض.
في النهاية ما هي نصيحتك للوقاية من هذا المرض؟
الوقاية ممكنة إلى حد كبير من خلال تبني نمط حياة صحي من خلال التغذية السليمة والإكثار من الفواكه والخضراوات الطازجة خاصة الملونة منها والحبوب الكاملة وتقليل تناول الأطعمة المالحة ، والمدخنة، والمصنعة والمخللات واستبدالها بالأسماك واللحوم الطازجة المشوية أو المسلوقة والإقلاع عن التدخين وتجنب الكحوليات والحفاظ على وزن صحي وممارسة النشاط البدني المنتظم، كما أن علاج عدوى الملوية البوابية إذا تم تشخيصك بها، فإن العلاج بالمضادات الحيوية الموصوفة من الطبيب يمكن أن يقضي على البكتيريا ويقلل من خطر الالتهاب المزمن وما يتبعه بالإضافة إلى أن الوعي بالأعراض وعوامل الخطر لا تتجاهل عسر الهضم المستمر أو أي من الأعراض التي ذكرناها و استشر الطبيب مبكرًا.
وأود أن أؤكد للقراء أن سرطان المعدة، رغم خطورته لم يعد حكما بالإعدام و الأمل موجود دائمًا والبحث العلمي لا يتوقف والفحص المبكر والعلاج هما مفتاح النجاة... صحتكم أمانة فحافظوا عليها.