6-9-2025 | 12:00
دعاء نافع
لم تعد الولادة القيصرية مقصورة على حالات الطوارئ فحسب، بل تحولت إلى «خيار مخطط» يفضله كثيرون دون مبرر طبي حقيقي.
حول هذا الموضوع كان هذا الحوار مع الدكتور عمرو حسن أستاذ أمراض النساء والتوليد بجامعة القاهرة، الذي يكشف لنا فيه الكثير عن عمليات الولادة القيصرية وما يحيط بها في السنوات الأخيرة، إلى نصّ الحوار.
هل تشهد الولادة القيصرية ارتفاعاً فى معدلات إجراءها؟
رغم أهمية القيصرية في بعض الحالات، إلا إننا أحياناً قد نشهد ارتفاعاً فى معدلات إجراءها، هذا الارتفاع لا يمكن تفسيره طبيا فقط. بل وراءه خليط معقد من العوامل الصحية، والنفسية، والاجتماعية، والثقافية:
أولاً: غياب اللياقة البدنية أثناء الحمل، فالرياضة الخفيفة (مثل المشي أو اليوجا) تساعد على تقوية عضلات الحوض وتحسين وضعية الجنين وتقليل الألم أثناء الولادة وزيادة فرص الولادة الطبيعية لكن للأسف، الكثير من الحوامل يبتعدن عن الرياضة بدافع الخوف أو نقص التوعية، مما يزيد من اللجوء للقيصرية كحل «أسهل».
ثانيا: الخوف حيث ترعب النساء من الولادة الطبيعية، كما أن الدراما من خلال أفلامنا ومسلسلاتنا، نادراً ما تعرض الولادة الطبيعية كحدث إيجابي، بل تصوره كرحلة عذاب وصراخ ورعب، بينما تتجاهل هذه الأعمال وجود وسائل تسكين فعالة مثل إبرة الظهر، فتزداد مخاوف النساء، وتفضل كثيرات «الولادة الصامتة»، أي القيصرية ، بلا ألم ولا مفاجآت.
ثالثًا: راحة «الجدولة المسبقة» فمع الولادة القيصرية، يمكن تحديد يوم وساعة الولادة وهو أمر يناسب ظروف عمل الزوج وجدول الطبيب وترتيبات الأسرة على العكس، فإن الولادة الطبيعية لا يمكن توقع توقيتها بدقة، ما يخلق نوعا من القلق أو «الارتباك المجتمعي» يدفع البعض للقيصرية حتى إن لم تكن ضرورية.
رابعا: غياب دعم الزوج والأسرة. ففي ثقافتنا، لايشارك كثير من الأزواج زوجاتهم تجربة الحمل ثم الولادة نفسيا أو جسديا، وعندما تشعر الحامل بأنها «وحيدة»، فإنها تختار الطريق الأقل توترًا: الولادة القيصرية.
خامسًا: التغذية الزائدة التى قد تؤدى إلى ولادة أعقد، فهناك فكرة خاطئة أن «الحامل تأكل لشخصين» وهذا يؤدي إلى زيادة مفرطة في الوزن وسكر حمل وكبر حجم الجنين، وهذا يجعل الولادة الطبيعية أصعب، ويزيد قرارات الأطباء باتجاه إجراء الولادة القيصرية.
سادسا: الحمل المتأخر ظاهرة متصاعدة.. فمع تأخر سن الزواج، ازدادت نسب الحمل فوق سن 35 وهنا تقل مرونة عضلات الرحم وتزيد احتمالات الضغط المرتفع وسكر الحمل ويزيد الاعتماد على الحقن المجهري، كل هذه العوامل تعقد خيار الولادة الطبيعية، وتزيد من فرص القيصرية.
هل يخشى البعض على العلاقة بين الزوجين فيلجأن إلى الولادة القيصرية؟
يعتقد البعض أن الولادة الطبيعية تؤثر سلبا على العلاقة الزوجية، لكن الحقيقة أن عضلات المهبل قابلة للاستشفاء، والطبيب الجيد يحافظ على ذلك، كما أنّ بعض التمارين تساعد على العودة الطبيعية لوظيفة العضلات.
هل تشعر أن هناك ضعفا في الثقافة الطبية للزوجين في مسألة الولادة؟
كثيرون لا يعلمون أن الولادة الطبيعية تقلل من مضاعفات ما بعد الولادة، وتحسن الارتباط النفسي بين الأم والمولود وتسهل الرضاعة الطبيعية، لكنها تواجه بانطباع عام أن القيصرية أكثر «حداثة»، وهو تصور يحتاج لتصحيح جذري.
ماذا تقصد بهذا التصحيح الجذرى؟
المقصود أن الولادة القيصرية ليست عدوًا لكنها ليست الخيار الأول إلا عند الضرورة، فعندما تتحول إلى «خيار «افتراضي» أو «موضة»، فإنها تعرّض الأم لمضاعفات أكبر (نزيف، عدوى، التصاقات) وتؤثر على الصحة الإنجابية المستقبلية وتزيد من تكلفة الرعاية الصحية.
ما الخطوات المطلوبة للعودة للولادة الطبيعية؟
بداية التثقيف الطبي المبني على الأدلة، والحملات الطبية وشبكات دعم الحوامل التي تعرفهن بالفوائد والإجراءات الصحيحة للولادة الطبيعية مع أهمية تفعيل دور الإعلام وتقديم نماذج إيجابية في الدراما والتلفزيون تعكس تجربة ولادة طبيعية آمنة بجانب الإلتزام بضوابط واضحة لإجراء القيصرية، وتقنينها لتكون خيارًا طبيا لا اجتماعيا.
ما المطلوب من وجهة نظرك للحد من ظاهرة الولادة القيصرية؟
لابد من برامج تثقيفية شاملة قبل الولادة ورفع الوعي بأساليب تسكين الألم (مثل إبرة الظهر)، وضرورة تدريب الأزواج على الدعم النفسي خلال الولادة، ويأتى دور الإعلام فى إصلاح صورة الولادة الطبيعية من خلال مشاهد درامية واقعية وإيجابية لتجربة الولادة، واستضافة أطباء نساء وتوليد في البرامج الجماهيرية، ولابد من التحفيز على تقليل معدلات القيصرية مع تقديم جوائز للمستشفيات التي تحقق توازنا بين الأمان ومعدلات القيصرية وتوفير تجهيزات حديثة تدعم الولادة الطبيعية (غرف خاصة، كراسي ولادة، موسيقى هادئة).
ما أهمية الولادة الطبيعية للمرأة؟
الولادة الطبيعية ليست فقط «شكلا» من أشكال الولادة بل هى رحلة بيولوجية كاملة يشارك فيها الجسم والهرمونات والعقل، وتجربة نفسية تعزز ثقة الأم بجسمها أي أن ولادة طبيعية تساوي وقاية طويلة المدى للطفل من مشكلات التنفس والمناعة، لكن للأسف ضغط الوقت، وسوء التثقيف، وخوف الأمهات، يجعل «القيصرية» هي الطريق الأسرع، حتى لو ليست الأفضل دائما.
ما النصائح التي تقدمها لتزيد من فرصة الولادة الطبيعية؟
مارسي تمارين التنفس والرياضة بانتظام والمشي، والسباحة، واليوجا فكلهم يساعدون على تقوية عضلات الحوض والرحم وتسهيل الولادة، وحافظي على تغذية ذكية فالتغذية المتوازنة تساعد على ولادة أسهل دون اللجوء الى القيصرية وننصح بتجنب السكريات الزائدة حتى لايزيد وزن الجنين، علاوة على تجنب الأملاح الزائدة لأنها تسبب تورما ومشكلات الضغط، لذا لابد من التركيز على البروتين الحيواني والنباتي والكالسيوم والحديد والفواكه الغنية بمضادات الأكسدة وعدم تعجل الولادة حيث أن كثيرا من الأمهات يتوجهن للقيصرية بدافع التوقيت أو الترتيب.