8-11-2025 | 11:07
أحمد عبد العزيز
لا يعرف الكثيرون أن الحب والاستقرار النفسي قد يكون أحد أسباب الوقاية من العديد من الأمراض العضوية، فمع ضغوط الحياة، ينسى كثيرون هذه الحقيقة، نناقش في هذا التحقيق، تأثير الحالة النفسية للإنسان في علاج أو تفاقم حالة المرضى المصابين بأمراض عضوية، إلى التحقيق.
في البداية يوضح لنا الدكتور أيمن العزونى أستاذ الطب النفسى و المخ و الأعصاب، أن الحالة النفسية تتحكم فى مسار حياتنا منذ مرحلة الطفولة و حتى آخر مراحل الحياة، ويضيف أنه إذا ما نظرنا إلى معظم الأمراض المزمنة التى يعانى منها البشر نجد أن أغلب أسبابها هو اضطراب الحالة النفسية و العاطفية للشخص المصاب بها سواء نتيجة ضغوط أو فشل فى مختلف الأمور، وقد جرت أبحاث مؤخرا فى إحدى الدول الآوربية لمناقشة ظاهرة مخيفة تتمثل فى انتشار إصابة فئة الشباب بأمراض القلب فوجدوا أن أغلب الأسباب كانت نفسية و عاطفية بحتة سواء نتيجة تشتت أسرى أو عدم القدرة على النجاح فى ظل حالة استقلالية الأبناء والضغوط التى تراكمت نتيجة فشل فى عمل أو علاقة عاطفية.
وهنا يشير «العزوني» إلى أن العلاج النفسي واستشارة الطبيب من وقت لآخر ضرورية في حياتنا، لأن هناك العديد من الأشخاص لا يعلمون ماذا يريدون من حياتهم و ما هى وجهتم المقبلة ولا يوجد تخطيط واضح لحياتهم، وهذا يسبب الحواجز الشخصية التى تعطينا فكرة غير واقعية عن أنفسنا وتسبب مشاكل كثيرة لنا وتكون حاجزا كبيرا بيننا وبين أنفسنا وتجعلنا فى حالة تشتت مستمر، حيث لا نستطيع أن نصل لهدفنا أو حتى نرجع كما كنا فيشعر الشخص بالقلق طيلة الوقت وبأنه يكره عمله و الأشخاص والبيئة المحيطة به.
ويضرب دكتور أيمن العزوني مثالا فيقول: هناك مثال على ذلك إذا كانت لديك غرفة صغيرة فى منزلك وأصبحت تضع فيها الأشياء القديمة التى تسبب ازدحاما فى المنزل ومع مرور الوقت ومع تراكم هذه الأشياء بشكل عشوائى داخل الغرفة أصبحت مليئة وفوضوية وغير منظمة بالمرة حتى أنها غير قادرة على استيعاب شئ آخر حتى تزيل الأشياء الموجودة بها هذه هى النفس البشرية، حيث تتعرض تماما مع كثرة التراكمات والمواقف التى تسببب انزعاجا نفسيا بداخلها كمشكلات العمل و المنزل فتضيع منها الطاقة الإيجابية.
وينصح العزوني بضرورة الذهاب إلى طبيب نفسي بين الحين والآخر لأنك إذا قمت كشخص ببعض الأشياء البسيطة عند شعورك بهذا الضغط النفسى الكبير مثل الوضوء و الانتظام فى الصلاة والاستماع إلى الأغانى المفضلة لديك والتحدث مع شخص ترتاح له كثيرا... فإن كل هذه الأمور تمثل بنك الأفكار لتخطى أية مشكلة نفسية بشكل فورى وعدم الاستسلام لهذه المشاكل، أما في حالة حدوث العكس تتحول الضغوط النفسية إلى أمراض عضوية مثل ارتفاع ضغط الدم و اضطراب الجهاز العصبى والقولون العصبى مع وجود آلام فى العظام والإرهاق المزمن.
وتقول الدكتورة لبنى الشباسى اخصائية الطب النفسى: إن هناك إحصائية تشير إلى أن 50 % من المرضى الذين يترددون على العيادات المختلفة لا يعانون من أية أمراض عضوية بل نفسية، وتوضح أن 70 % من المشاكل والأمراض النفسية تتمثل فى الفراغ والشخصية السلبية والإحساس بالندم المفرط، هذا المثلث المرعب من السمات الأساسية للشخص الانطوائى فهو دائما مايشعر بالوحدة و عدم مشاركة الآخرين فالشخص الانطوائى لديه برمجة سلبية دائما ويرى أن هناك حاجزا بينه وبين الناس فهو مثلا يخشى سخرية الآخرين منه وهذه البرمجة السلبية مسئولية الأسرة فى المقام الأول ومن ثم المدرسة، كما أن الإعلام له دور مهم فى ذلك.
ولمعالجة هذا الأمر يجب تغيير الأفكار والقيم الراسخة لدى كل شخص انطوائي والحديث معه عن ضرورة المرونة في علاقاته الإنسانية مع الآخرين وضرورة اعتماده على ذاته فى مواجهة مشاكله دون انتظار دعم من أحد.
وتشرح أكثر فتقول: مثال بسيط على كلامي، إذا كان هناك شخص لديه مشكلة فى التحدث فيجب عليه الذهاب لتعلم مهارات التواصل وغيرها من المشاكل فالمرونة و المشاركة فى الأنشطة الجماعية و العمل كل هذا ينقص من وقت فراغه و يدفعه إلى عدم التفكير فى مشاكله النفسية، وأنا دائما أطالب الأشخاص بأن لا يجعلوا الحالة النفسية تؤثر على معدلات التغذية ومرات تناول الطعام خاصة الطعام المفرط عند الحزن، مما يسبب السمنة، و الغذاء بأقل من المطلوب حيث يسبب مضاعفات خطيرة.
وتوضح «الشباسي» أن هناك بعض الأكلات تسبب السعادة مثل الشوكولاتة و الفاصوليا و البنجر الأحمر والكريز و بعض المشروبات المهدئة مثل الينسون قبل النوم بساعة والروز مارى وغيرهم من المأكولات والمشروبات التى تعمل بدورها على مساعدة المخ فى إفراز هرمونات و مواد تحسن الحالة المزاجية و النفسية للشخص و تخلصه من التوتر و الاكتئاب، كما تلعب العلاقة العاطفية دورا كبيرا فى استقرار الحالة النفسية للفرد و تزيد قدرته على التمتع بحالة صحية مستقرة و هذا ما نلاحظه فى الحياة الزوجية السعيدة و المشاركة الناجحة و الدعم النفسى المستمر وهذا كله يؤدى إلى استقرار نفسى و عاطفى والذى يؤدى إلى استقرار الحالة الصحية .
وتقول الدكتورة زينب النجار استشارى الطب النفسى: إن العلاقة بين النفس والجسد وثيقة للغاية، إذ أن الاضطرابات النفسية تؤدي إلى اضطراب في عمل الجهاز العصبي الذاتي، المسئول عن تنظيم نبض القلب وضغط الدم والهضم والمناعة، مما ينعكس سلبا على وظائف الجسم الحيوية.
ومن أبرز الأمراض العضوية الناتجة عن سوء الحالة النفسية:
-أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم: فالتوتر والقلق المستمران يؤديان إلى إفراز هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول، ما يرفع ضغط الدم ويزيد من سرعة ضربات القلب، وبالتالي يزيد خطر الإصابة بتصلب الشرايين والجلطات.
- قرحة المعدة والقولون العصبي: يعتبر الجهاز الهضمي من أكثر أجهزة الجسم تأثرًا بالحالة النفسية، فالتوتر يؤدي إلى زيادة إفراز الأحماض في المعدة وحدوث قرحة أو التهاب القولون العصبي، وهي من أكثر الأمراض شيوعا بين من يعانون القلق المزمن.
- ضعف جهاز المناعة: تشير الدراسات إلى أن الحزن المستمر أو الضغط النفسي يقللان من كفاءة الجهاز المناعي، مما يجعل الجسم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى الفيروسية والبكتيرية، ويؤخر الشفاء من الجروح والأمراض المزمنة.
- الصداع المزمن وآلام العضلات: نتيجة الشد العصبي، تتقلص العضلات خاصة في منطقة الرقبة والكتفين، مما يسبب صداعا مزمنا وآلاما جسدية قد لا يكون لها سبب عضوي واضح.
- السكري واضطرابات الغدد: القلق المستمر يخلّ بتوازن الهرمونات داخل الجسم، ما قد يؤدي إلى ارتفاع مستوى السكر في الدم، واضطراب إفراز الهرمونات في الغدة الدرقية أو الكظرية.
وتبدأ الوقاية من داخل كل شخص ومن طريقة تعاملنا مع ضغوط الحياة. وهنا يقدم الخبراء مجموعة من النصائح الفعالة:
- المصارحة والتعبير عن المشاعر: ينصح بعدم كبت الغضب أو الحزن، لأن الكبت النفسي يؤدي إلى تراكم الطاقة السلبية داخل الجسم، مما ينعكس في شكل أمراض عضوية.
- ممارسة الرياضة بانتظام: فالرياضة لا تقتصر على تقوية العضلات، بل تساعد أيضا على إفراز هرمونات السعادة مثل السيروتونين والدوبامين، مما يحسن المزاج ويقوي المناعة.
- النوم الكافي وتنظيم الروتين اليومي: قلة النوم تؤثر على المزاج والمناعة والتركيز، لذا ينصح بالنوم من 7 إلى 8 ساعات يوميا.
- العلاقات الاجتماعية الإيجابية: تشير الدراسات إلى أن التواصل الاجتماعي والدعم النفسي من الأسرة والأصدقاء يخفف من التوتر ويقي من الأمراض النفسية والجسدية على حد سواء.
- طلب المساعدة المتخصصة: إذا شعر الإنسان بأنه لا يستطيع التحكم في قلقه أو حزنه، يجب ألا يتردد في استشارة الطبيب النفسي، فالعلاج المبكر يحمي من مضاعفات عضوية خطيرة لاحقًا.