رأت مجلة "بولتيكو" الأوروبية أنه على الرغم من إبرام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتفاقًا اقتصاديًا جديدًا مع أوكرانيا يهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية والمساعدة في إعادة إعمار البلاد، إلا أنه لم يُحدث أي تحول في موقف روسيا من خطة السلام الأمريكية، في وقت تواجه فيه واشنطن خيارات صعبة بشأن كيفية التعامل مع تصلب الموقف الروسي.
وأشارت المجلة الأوروبية إلى أن الاتفاق، الذي أُعلن عنه رسميًا الأسبوع الماضي، ينص على إنشاء صندوق استثماري مشترك بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، يتيح لواشنطن حقوقًا تفضيلية في استخراج المعادن الحيوية داخل الأراضي الأوكرانية.. كما يمنح الولايات المتحدة حصة من العائدات تصل إلى 50% من التراخيص المستقبلية للتنقيب عن النفط والغاز والمعادن.
ورغم أن الاتفاق لا يتضمن سدادًا مباشرًا للمساعدات الدفاعية الأمريكية السابقة، والبالغة 120 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فإنه يعزز المصالح الاقتصادية الأمريكية في أوكرانيا ويُنظر إليه على أنه ركيزة لإعادة الإعمار بعد الحرب.. غير أن محللين ومسؤولين سابقين اعتبروا أن هذا الاتفاق ليس كافيًا لتغيير مسار الحرب أو فرض تسوية سياسية.
وقال ريتشارد هاس، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية: "الاتفاق يمثل تطورًا إيجابيًا، لكنه لا يُعد نقطة تحول في محادثات السلام.. ما تحتاجه أوكرانيا هو التزام أمريكي عسكري واستخباراتي طويل الأمد".
ويأتي هذا التطور في سياق سياسي حساس، فالرئيس الأمريكي ترامب، الذي تخطى مؤخرًا حاجز الـ100 يوم من ولايته الثانية دون تحقيق أي تقدم في ملف السلام بين روسيا وأوكرانيا، يواجه انتقادات متزايدة لعدم قدرته على كبح العدوان الروسي.. ومنذ توليه المنصب مجددًا، التقى مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أربع مرات دون تحقيق أي اختراق. والخطة الأمريكية المقترحة لتجميد الصراع على خطوط القتال الحالية، والتي تمنح موسكو مكاسب ميدانية كبيرة، قوبلت برفض متكرر من بوتين.
ورغم القصف الروسي المكثف للعاصمة الأوكرانية كييف مؤخرًا، لم يُظهر ترامب حتى الآن استعدادًا لاتخاذ خطوات أكثر صرامة ضد موسكو، مثل فرض عقوبات إضافية أو تعزيز الدعم العسكري لكييف. ووفقًا لمصادر مطلعة داخل البيت الأبيض، لا يزال هناك غياب للاتفاق حول الخطوات التالية، وسط تردد من ترامب في زيادة الضغوط المباشرة على الكرملين.
وفي هذا الإطار، يقترح السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام مشروع قانون لفرض عقوبات جديدة على روسيا وفرض رسوم جمركية بنسبة 500% على الدول التي تشتري النفط والغاز والألمنيوم الروسي.. وقد لاقى المقترح دعمًا واسعًا في مجلس الشيوخ، ويُتوقع أن يكون قادرًا على تجاوز الفيتو الرئاسي في حال عرضه للتصويت.
من جهتها، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن الاتفاق مع أوكرانيا "يُظهر أن الرئيس هو صانع الصفقات الأول"، مضيفة أن "الصفقة تؤكد التزام الإدارة بتحقيق سلام دائم في المنطقة".
أما وزير الخزانة سكوت بيسنت، الذي قاد المفاوضات حول الاتفاق، فرأى أنه يمثل ورقة ضغط جديدة على موسكو. وأضاف خلال مقابلة مع شبكة فوكس بزنس الإخبارية أن "الرئيس منح زيلينسكي الآن يدًا أقوى على طاولة المفاوضات"، معتبرًا أن الشراكة الاقتصادية المتقدمة ستثبت لروسيا أن الولايات المتحدة ملتزمة بمستقبل أوكرانيا.
ومع ذلك، فإن المسار السياسي لا يزال معقدًا. إذ إن استمرار القصف الروسي وتصلب موقف موسكو يضعفان أي فرص فورية للتقدم في مفاوضات السلام.
وأشار مسؤول في البيت الأبيض إلى أن "الموقف الروسي في العلن أكثر تشددًا مما يُقال في الجلسات المغلقة"، لكنه أقر بأن "الزخم نحو التهدئة لا يزال غائبًا".
وبينما يواصل ترامب استعراض الاتفاق كنجاح اقتصادي وسياسي، فإن قدرته على تحويله إلى ورقة ضغط حقيقية على روسيا لا تزال موضع شك، في ظل غياب قرارات ملموسة لتغيير ميزان القوة على الأرض.