الأحد 18 اغسطس 2024

قصص دار الهلال النادرة| «البطلة» قصة قصيرة لـ أحمد عبدالقادر المازني

البطلة

كنوزنا18-8-2024 | 15:13

بيمن خليل

يزخر أرشيف مؤسسة دار الهلال منذ تأسيسها عام 1892م، بالعديد من القصص النادرة، والكنوز الأدبية، المكتوبة على أيدي كتّابًا بارزين، وبعد مرور عقود، قررت بوابة "دار الهلال "، إعادة نشر هذه التحف القصصية النادرة من جديد، والتجول في عوالم سردية مختلفة ومتنوعة، من خلال رحلة استكشافية في أرشيف دار الهلال العريق.

في عددها الصادر في 1  ديسمبر 1939، نشرت مجلة الهلال قصة قصيرة بعنوان "البطلة" للكاتب أحمد عبدالقادر المازني، تدور القصة حول شخصية خالد الذي يحب فتاة بشدة لكنها لا تعلم بحبه أو لا تهتم به، فيقرر إثارة غيرة الفتاة التي يحبها من خلال تمثيل دور العاشقين مع صديقته ميمي، التي توافق على مساعدته وتمثيل دور حبيبته لإثارة غيرة الفتاة الأخرى.

نص القصة:

أحبها وهام بحبها.. أما هي فلم تعرف شيئا عن هذا الحب، فأراد أن يجذبها إليه لا بالعبارات الخلابة ولكن بدور تمثيلي كانت هي ممثلته الأولى التي أيقنت في النهاية أنها المقصودة بالذات وأنها تمثل لنفسها، وهي التي تحبه حبا قويا عنيفا، وأنها سعيدة بهذا الحب.

أحبها بالقلب والروح والعقل وبكل جارحة تنبض في جسمه، رآها ففتن بلطف دلها، وخلب بسحر لحاظها، وهام برشاقة قدها، وامتشاق قوامها، ثم التقى بها المرة بعد المرة فكلف بما تبدي لعينيه، وما تكشف لناظريه، من عفافها وإبائها وكرم نفسها وطيب عنصرها، ومرت الأيام فزادته جنونا بها وبما يحيط من جو وكم من ليلة قضاها أرقا مسهدا، لا يطوف الكرى بعينيه ولا يستقر على وضع، بل يظل فراشه كأنما هو قتاد، أو انتشر فوقه جمر وهاج، وتمر الساعات بعضها في أثر بعض وهو لا يرى لنفسه قبلة ولا دبرة، ولا يجد لمشكلته حلا ولا تدبيرا، ولا يتبين بصيصا من الأمل في الظفر يقلب تلك الغافلة عنه وعن غرامه وهواه.. فإذا ضحك الصبح وانبلج الفجر ثم سطعت الغزالة وضاءة مشرقة متلألئة راح يراها.. يرى طيفها وصورتها في كل ما تقع عليه العين

وكان آونة يراها عابسة وأخرى باسمة وثالثة متجهمة معرضة، ورابعة راضية مقبلة،وقلبه بين العبوس والابتسام وبين التجهم والرضى وبين الإعراض والإقبال، لا يستقر على حال بدوره، يهبط ويعلو وتكاد تقف نبضاته ثم يشتد في خفوقه ووجيبه

كان حبا أثارته نظرة بريئة، وتتابع اللقاء والتطلع إلى طلعتها الملائكية وإلى عينيها الصافيتين البريئتين، وإلى ابتسامتها الخلابة، وتوالى استماعه إلى ضحكاتها الساذجة التي كان يتبين في ثناياها خرير الجداول وحفيف الدوح والأشجار، وهفو النسيم، وانصاته إلى حديثها الخلوب وصوتها العذب الطروب، فزاد افتتانه بها حتى جاء يوم أصبح فيه خالد لا يرى مخلوقا على ظهر الأرض خلاها ولا يفكر في إنسان عداها كان حبا قويا جارفا متقدا نارا، ولكنه لم يكن على رغم هذا يستند إلى أمل بل كان "خالد" مقطوع الرجاء من غرامه قانطا من حبه، يائسَا من هواه

وأقبلت ربة الدار وأعلنت مدعويها أن المائدة قد أعدت، وأن من أكل على ضرسه نفع نفسه، ثم أطلقتها ضحكة مجلجلة وتقدمت الجميع وجاءت جلسة خالد بين صديقه "حسين" وبين الفتاة "ميمي" فراح يحادث هذه وذاك أحاديثه الشهية حتى إذا أصبح الحديث عاما "دوليا" لزم خالد الصمت وراح يتناول طعامه في سكون وقال له حسين فجأة:

- ألم يحن الوقت يا خالد لتحدثني عن حبك

فاربد وجه خالد وقال بعد صمت:

- دعني من حديث الحب يا حسين في هذه اللحظة

وكانت ميمي قد سمعت ما دار بينهما فضحكت وقالت:

- لم أكن أعرف أن خالدا يحب، أما الآن فإني تواقة إلى استماع قصته

وصمت خالد لحظة ثم أبرقت عيناه فجأة وقال لهما:

- سأحدثكما بقصتي ولكن بعد تناول الطعام

وانتبذ خالد مكانا قصيا عن القوم بعد انتهاء الطعام وطفق يدخن في صمت وعينه تختلس النظرات إلى أفراد المدعوين

ودخلت ميمي الغرفة وراحت تدير عليها في الحاضرين حتى استقرت على خالد في جلسته البعيدة المنزوية فهرعت نحوه وفي طريقها إليه اجتذبت حسينا من ذراعه وقالت له:

- هيا بنا تستمع إلى قصة خالد

ثم قالت حين جلست إلى جانب خالد جلسة المستمع المصغي:

- والآن فلتسمعنا قصتك الممتعة

فراح يرنو إليها في صمت ثم قال أخيرا:

- وبم أحدثكما.. ليس لدي ما أفضي به إليكما سوى أن هناك فتاة أحبها، استغفر الله فإني لم أحسن التعبير عما يختلج في قلبي، و"الحب" ليست اللفظة التي تصف ما يجول في صدري نحوها من عاطفة مضطرمة، أنا هائم بها، أقدسها وأعبدها، أعبدها من دون الله لقد كفرت بكل شيء في الحياة واتخذت حبها دينا إلى جانب ديني

فاربد وجه ميمي وقالت:

- أتحبها إلى هذا الحد يا خالد.. وهي

فبسم بسمة حزينة وقال:

- برغم هذا الحب الذي يكاد يجرفني إلى حدود الأبدية فإني يائس قانط، بل ملء قلبي اليأس والقنوط، لا من حبها وحده بل من نظرة عطف واحدة بسيطة يمكن أن تجود بها على شقي مسكين.

- ألا تعلم هي بأمر هذا الحب

- ومن أين لي أن أعرف ذلك.. قد تكون عالمة به وقد تكون جاهلة به، وكل ما أعلمه أنها لا تحفل بي ولا تكترث بشأني، و تمر بي فلا تراني كأني خلقت من الهواء، وتجحظ عيناي من طول تطلعي إليها ويثب قلبي من صدري ويصيح بها أن اعطفي بنظرة واحدة، وتطل روحي من عيني وتبتهل إليها أن اشفقي، وتظل هي في سمائها، لا السماء الأولى بل السابعة، لا ترى هذا المخلوق الآدمي الذي يتعبدها في صمت وسكون وكانت ميمي تستمع إليه وهي ترنو إلى وجهه بعينين قد اختلج الإشفاق والعطف في نظرتهما ثم قالت:

- ألم تقم بمحاولة ما يا خالد

- محاولة.. وما جدواها يا سيدتي.. أنها ليست فوق ظهر هذه الأرض، أنها في عليائها، لقد فعلت المستحيل وايم الله وفشلت في كل محاولة قمت بها ولكن..

- ولكن ماذا؟

- هناك محاولة لم أقم بها لأني لم أجد الذي يستطيع أن يعاونني فيها

فأبرقت عينا ميمي وقالت:

وما هي.. حدثنا عنها فقد نستطيع معاونتك فيها

- إن الطبيعة البشرية لا تتغير ولقد عرف الناس منذ الأول أن الغيرة هي أقوى سلاح للاخضاع فلو أتيح لي أن أجد فتاة جميلة تتطوع لتمثيل دور الحب والغرام معي لاستطعت أن أثير الغيرة في قلبها ولتمكنت من إثارة الحب في ذلك الفؤاد الصلد، ولكني لا أجد من تقوم بهذا الدور الإنساني النبيل وبتلك المهمة الشريفة التي تسعد بها قلبا طال عذابه وطال الصمت بين ثلاثتهم، وكان خالد يختلس النظر إلى ميمي عسى أن يتبين على صفحة وجهها ما يختلج في قلبها وهو يرجو الله أن تقبل تمثيل هذا الدور معه، ورفعت میمي رأسها فجأة ثم قالت:

- خالد.. إن هذه الفكرة تروق لي وأود أن أضطلع بهذه المهمة فهل لديك اعتراض

- اعتراض ؟

- نعم.. فأنك تنشد فتاة بالغة من الجمال مبلغا يمكن أن يثير غيرة هذه الفتاة، ولا أظن أني قد بلغت..

- كفى فلك أن تطمئني من هذه الناحية

ثم ضحك وقال:

- ولكن الذي أخشاه أن تنسيني التي أحبها فلا أجد من يعاونني على إثارة غيرتك ومد يده إليها وقال جادًا:

- ميمي، هذا نبل منك وجميل لن أنساه ما حييت وحسبي إن فشلت مهمتي أن أكون قد ظفرت منك بكل هذا العطف الذي بدا منك

وضحك حسين وقال:

- وأنا شاهد على هذا التعاقد وتلك المؤامرة وما أعجبها من مؤامرة

وشرعا في تمثيل دورهما من اليوم التالي فكانا يلتقيان في كل يوم ويذهبان إما إلى دور السينما أو إلى مسرح من المسارح أو إلى منتزه من المنتزهات أو إلى مكان قصى بعيد، وخالد هو المرشد والدليل إلى المكان الذي ستكون فيه فتاته وكانت ميمي تسائله في كل مرة:

- أين هي.. أود أن أراها

- كلا فليس من حسن الرأي أن تريها ومن الخير أن تمثلي دورك وأنت لا تعرفينها حتى لا يشوب تمثيل دورك ما يفسده عليك، على إني أعدك اني سأريكها في النهاية وكان خالد شابا دمث الأخلاق، خفيف الروح نبيل الإحساس، رقيق العاطفة، وكان إلى جانب هذا وذلك شهي الحديث واسع الحيلة، عظيم الثقافة والاطلاع فكانت ميمي لا تشبع من أحاديثه ولا ترتوي من نكاته المستملحة ولا تسأم جلساته الممتعة بل أصبحت بعد انقضاء بضعة أيام تحس من نفسها باللهفة الشديدة إلى ساعة اللقاء بخالد ولم تقلقها هذه اللهفة بل وجدت فيها أمرا طبيعيا فقد رأت في خالد شابا فاتنا في حديثه وأخلاقه فلا عجب أن هي تلهفت إلى لقائه وأحبت البقاء إلى جانبه، ولكن العجيب أن تكون هناك فتاة تتدلل إلى هذا الحد على مثل هذا الشاب، وطالما كانت ميمي في وحدتها تسائل نفسها، تكون هذه الفتاة لا تحب خالدا.. لو أن تلك الفتاة قد عرفته كما عرفته ميمي واستمتعت بجلساته وأحاديثه الشهية لهامت بحبه وكلفت بغرامه ولكن أكبر الظن أن جهلها به هو علة هذا النفور وقال لها خالد يوما:

- "ميمي .. هيا بنا إلى سينما.."

- أهي ذاهبة إلى هناك

- نعم

- ولكن كيف تقف على أخبارها بمثل هذه الدقة

فضحك وقال: هذا سر "المهنة"

وهما بدخول صالة السينما فإذا به يقف فجأة، وقد اشتدت نظرات عينيه فقالت له:

- ماذا ؟

- اسمعي.. أحسب أن قد حانت الفرصة الذهبية التي لم تحن من قبل، وأعني بها تمثيل دورنا على مسمع ومرأى منها، تحت أنفها تماما، ولكن حذار من الالتفات إلى الوراء أو إلى اليمين أو الشمال وليكن تمثيلنا طبيعيا.. تمثيل عاشقين غافلين عن خلق الله طرا، يعتقدان أنهما في واحة وسط صحراء لا يدب فيها إنسان وسأناجيك بغرامي وأبثك هواي وأمثل معك دور العاشق المفتون الذي جن حبا بك، فاحتسي دورك  ومثلي معي دور العاشقة المفتونة بحب صاحبها، فقالت في صوت خافت وهي واجفة القلب خافقة الفؤاد:

- حسنا:

وجلسا في مكانهما ودار بينهما حديث عادي في بادئ الأمر حتى إذا اطفئت الأنوار أتيحت له الفرصة التي يترقبها العشاق فمد ذراعه وأحاط بها كتفيها ومال نحوها وقال:

- ميمي

- نعم.. يا حبيبي

- إني سعيد بحبك، هانئ بغرامك، فخور بقلبك، لا تسعني الدنيا من فرط سعادتي

- بربك لا تقصر حديثك عن نفسك، وليكن عن كلينا فإني مثلك أكاد حين ألتقي بك، وحين أذكر حبك في وحدتي.. أكاد أطير من فرط سعادتي وهنائي

- بودي لو أنك لا تضنين عليّ بتقبيل هذا الثغر الجميل الذي يسعدني بمثل هذه الأحاديث الشهية

- أنا أضن عليك يا خالد.. الحقيقة أن بك نهما عظيما تقبلني مائة قبلة في اليوم ثم تتهمني بالضن

- إني أنکر

- إذن لابد من تسجيل كل قبلة

- وكيف.. على أسطوانة

-کلا.. بل بإيصال

وكانا غافلين أتم الغفلة عن كل ما يحيط بهما وعن الرواية التي تمثل أمام ناظريهما ولا يشعران بمن حولهما فقد تفانيا في تمثيل دورهما إلى حد جعل ميمي تحس أنها في حلم تناجي فيه حبيبها، حبيب قلبها لا حبيب قلب فتاة أخرى

وقال خالد: "إليك إيصالا بعشر قبلات"

- الآن.. بودي أيها الحبيب، ولكن دع التقبيل حتى نصبح بعزلة عن الناس

وكان يوما في صحراء الأهرام جالسين في السيارة وقد انزوى خالد في ركن السيارة وميمي مستندة برأسها على كتفه وعلى ذراعه الممددة حولها ترنو بعينيها إلى السماء وترى الكواكب تشق ظلمات الليل وقد انتثرت حول قمم الهرم

وكانت تعلم أنها تمثل دور العاشقة مجرد تمثيل، وإن حبيبة خالد على كثب منها في إحدى السيارات المحيطة بهما، ولكنها على الرغم من هذا اليقين كانت تشعر بحسرة تخالط هذا السرور وتلك اللذة، والحسرة من أنها ممثلة لا أكثر وأن خالد ليس حبيبها ولكنه حبيب تلك الفتاة المتكبرة، وطاف بذهنها خاطر لو أنها كانت مكان تلك الفتاة لكانت بخالد وبحبه أسعد خلق الله جميعا ولعرفت كيف تسعد قلبه وتمتع فؤاده وتنبله من دنياه ومن حبها وغرامها ومن قلبها ما لم ينله غيره ثم وجف قلبها فجأة

سيأتي يوم وإن عاجلا وإن آجلا تخضع فيه تلك الفتاة للغرام، فتدني خالدا منها وتنتزعه من ميمي وتتم الرواية فصولا وينتهي تمثيل دورها وتعود إلى دارها فتقبع فيه وتحرم من خالد ومن أحاديثه ومن كل متعة استمتعت بها إلى جانبه، ورفعت أنظارها إليه وقالت في خوف ظاهر: "خالد"

- نعم يا....

وصمت فجأة فقالت: ألم يدن بعد يوم هنائك

فتنهد وقال: "أحسبه قد دنا یا میمي"

فشعرت في تلك اللحظة أن قلبها يهبط من صدرها ويغوص في أمعائها وابتردت أطرافها ولصقت به عن غير وعي منها، وكانت سيارة مقبلة نحوهما ترسل ضوءها الكشاف صوبهم.

فابتسم خالد وقال :

ميمي.. إن سيارتها قادمة بضوئها الكشاف تريد أن ترى به ماذا تفعل فدعيني أقبلك قبلة غرامية محرقة فإنها الخطوة الفعالة و... الأخيرة وأدنى وجهها من وجهه دون أن يتلقى منها جوابا، ثم أطبق بفمه على ثغرها، وهي في ذهول عظيم، وظلت الشفاه ملتصقة في قبلة طويلة معسولة حارة شهية، حتى مرت السيارة بهما وقطعت مسافة خلفهما، وهما لا يزالان في غفلة عن الدنيا، ورفع خالد رأسه، أما ميمي فظلت مغمضة الجفنين وقد تكشفت لها الحقيقة، فراعتها، ووجف لها قلبها وكاد يقف عن الخفقان

في غضون تلك القبلة لم يخالجها ريب البتة في أنها تحب خالدا من أعمق أعماق قلبها، وأنها تهواه هوى متقدا جارفا، وأن ما كانت تشعر به من الاغتباط والسرور والسعادة حين الالتقاء به والذهاب معه إلى كل مكان لم يكن إلا بدافع الحب الذي غمض عليها وخالته ميلا وإعجابا، وهالها هذا الغرام العقيم وأي عقم شر من عقم هذا الغرام الجنوني؟ أنها لتعلم علم اليقين أن خالدا قد وهب كل قلبه وروحه وعقله لتلك الفتاة الأخرى، وأنها لتعلم إلى جانب هذا أن خالدا مثال الإخلاص والوفاء في حبه، وأنه إذا أحب فإلى يوم يموت، وإذا أخلص فإلى نهاية الأجل، فأي أمل لها وقلبه لتلك الفتاة الأخرى؟

وعلى الرغم منها تحدرت العبرات على وجنتيها، ورأى خالد العبرات وهو يتفرس في وجهها، وخيل إليه أنها بكت لأنه قبلها فقال في لهفة:

- ميمي إني أعتذر إليك

فلم تجب بل ظلت العبرات تهمي وتسح على الوجنتين، فاشتد في احتضانها وقال:

- میمي، حیاتي، روحي.. بربك اغتفري لي ورنت هذه الكلمات في أذنيها رنين الأجراس، وتفتحت لها عيناها تفتح الدهشة والذهول، فانفلتت العبرات المحتبسة مرة واحدة، وخيل إليه أن بكاءها يشتد ويزيد فقال في حنان عظيم

- هل أبكاك مني شيء يا روح القلب؟ هل أنا علة بكائك يا حبيبتي؟

وإذ ذاك فتحت فاها وقالت: "حبيبتك؟ وتلك الفتاة الأخرى؟ "

وكان قد نمى دوره فقال: "أية فتاة يا منية الروح؟"

- خالد! خالد!

- نعم يا معبودة الفؤاد!

فقالت في لهفة وهي تزداد التصاقا به:

- هل حسبتني الفتاة الأخرى التي تحبها؟

- ما حسبتك يوما فتاة أخرى، بل ظللت على الدوام معبودة قلبي، وروح فؤادي

ثم شردت نظرته إلى الأمام وقال: لقد أحببتك بالقلب والروح منذ أن وقعت أنظاري عليك ورحت أعبدك في صمت وسكون، وخيل إليك أنك تمثلين معي دور العاشقة، أما أنا فقد كنت أقوم بدوري الذي ملأ كل أيام حياتي، وملأ كل لحظة من لحظاتي، كنت أنت تمثلين، أما أنا فقد أرسلت نفسي على سجيتها، بل لقد كنت أكبح جماح هذه النفس حتى لا تحترقين بجواها، وتصطلين بنارها، كنت أحبس أنفاسي في دائرة التمثيل المحدودة، وكنت أتكتم لوعتي وتنهداتي وتأوهاتي حتى لا تنم عن حبي وغرامي، وحتى يطول أمد التمثيل فأنعم بالقرب منك وبلقائك و...

فهبت من مكانها، واعتدلت في جلستها وأمسكت بيده وقالت:

- خالد، أحقًا أنا بطلة حبك.

- أنت! أنت حياتي وروحي يا ميمي، أنت مطمع الفؤاد، ومنى النفس فتهالكت عليه وقالت:

- خالد! خالد! أنا سعيدة.. أنا سعيدة.. يا لسعادتي وهنائي!

موضوعات ذات صلة