رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

د. ريتشارد تشاسدي: ترامب يواجه معركة معقدة


26-1-2025 | 22:37

د. ريتشارد تشاسدي: ترامب يواجه معركة معقدة

طباعة

في ظل التغيرات الجيوسياسية العالمية، بدأ الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب مهامه في البيت الأبيض وسط تحديات خارجية وداخلية قد تؤثر على قدرته على تنفيذ سياساته وتعهداته الانتخابية. ومن واشنطن، تحدث الدكتور ريتشارد تشاسدي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن والباحث في مركز السلام والصراعات، في لقاء خاص مع مجلة المصور، عن أبرز التحديات التي قد تواجه الولايات المتحدة على الصعيدين الداخلي والخارجي عند عودة ترامب للمكتب البيضاوي وكيف سيؤثر ذلك على سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط؟ وما هي العواقب المحتملة على العلاقات مع القوى الكبرى؟ وهل سيستمر انقسام المجتمع الأمريكي في ظل الظروف الراهنة؟

في رأيك، كيف قد تتغير السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض؟

 

سياسة ترامب في الشرق الأوسط تتمحور حول دعم الحلفاء التقليديين مثل إسرائيل ودول الخليج، مع تقليل الالتزام الأمريكي المباشر بالنزاعات الإقليمية. وفي رأيي، ترامب قد يركز على توسيع نطاق اتفاقيات التطبيع، مع تجاهل الملفات الإنسانية والسياسية الحرجة مثل القضية الفلسطينية. هذا النهج قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية في المنطقة، لكنه في المقابل قد يُعزز التحالفات الإقليمية ضد إيران. في الوقت ذاته قد يتبنى ترامب سياسة تهدف إلى تحقيق مكاسب قصيرة الأجل على حساب الاستقرار طويل الأمد، مما يضع المنطقة في حالة من عدم التوازن الجيوسياسي.

 

كيف ترى تأثير السياسة الخارجية الأمريكية على إيران؟

 

بالنسبة لإيران، فإن الوضع معقد للغاية. إيران يمكن أن تختار بين دعم الإصلاحات أو الاستمرار في سياسات عدائية تجاه الغرب وإسرائيل. وفي الوقت نفسه، يمكنها أن تكون مستعدة للتفاوض حول العلاقات مع الغرب بينما تواصل تطوير قدراتها النووية. إيران قد تكون على بُعد أسابيع فقط من تطوير سلاح نووي إذا قررت ذلك، وهذا أمر يدعو للقلق الشديد. والمشكلة الكبرى هي الفترة الزمنية التي تسبق امتلاك إيران للسلاح النووي، حيث قد يؤدي أي خطأ في الحسابات إلى تصعيد غير قابل للتحكم في المنطقة.

 

هل ترى أن الوضع الحالي يشكل تهديدًا حقيقيًّا للأمن الإقليمي؟

 

نعم، الوضع الحالي يشكل تهديدًا كبيرًا. فتهديد الحرب الإقليمية أصبح أكثر احتمالًا بسبب التصعيد بين إيران وإسرائيل. ولكن الخطر الأكبر هو أن الخطوات العسكرية قد تؤدي إلى تصعيد غير متوقع، وتصبح المنطقة بأسرها على شفا صراع شامل. في الوقت ذاته، هناك خلافات سياسية داخل الولايات المتحدة حول كيفية التعامل مع هذا الملف، وقد يكون من الخطير أن يتخذ ترامب أو أي زعيم آخر قرارات عسكرية تسرع في التصعيد.

 

ما هي سياسة ترامب المحتملة تجاه العلاقات مع الصين، خاصة في سياق التوتر حول تايوان؟

 

التوتر بين الولايات المتحدة والصين كان محورًا رئيسيًّا في فترة ترامب، حيث اتخذ مواقف صارمة تجاه بكين في قضايا التجارة والتكنولوجيا. فطالما استخدم ترامب سياسة المواجهة الاقتصادية كوسيلة لإضعاف النفوذ الصيني عالميًّا. وعند عودته للرئاسة، من المرجح أن يزيد ترامب من دعمه لتايوان، سواء من خلال تعزيز المبيعات العسكرية أو إقامة شراكات اقتصادية وسياسية مباشرة. هذه السياسة قد تزيد من حدة الصراع في المنطقة، خاصة أن الصين تعتبر تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها. هذا النهج قد يؤدي إلى صدام مباشر أو إلى تزايد الانقسام الدولي بين المعسكرين الأمريكي والصيني.

 

كيف يمكن أن تؤثر سياسات ترامب تجاه الحدود مع المكسيك وحقوق المهاجرين على الوضع الداخلي في الولايات المتحدة؟

 

سياسات ترامب تجاه الحدود والهجرة غير الشرعية شكلت حجر الزاوية في ولايته الأولى، حيث ركزت على بناء الجدار الحدودي وتشديد إجراءات اللجوء. هذه السياسات أثارت انقسامات عميقة داخل الولايات المتحدة بين مؤيدين يرون فيها ضرورة لحماية الأمن القومي، ومعارضين يعتبرونها انتهاكًا لحقوق الإنسان. من المتوقع أن يصعد ترامب هذه السياسات، مما يزيد من تعقيد المشهد الداخلي في البلاد. هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تحديات قانونية ودستورية، بالإضافة إلى تعميق الاستقطاب الاجتماعي والسياسي بين مختلف فئات الشعب الأمريكي.

 

ما هي التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تعوق قدرة ترامب على تنفيذ سياساته الداخلية والدولية؟

 

حاليًا يواجه الاقتصاد الأمريكي تحديات متعددة، مثل ارتفاع الدين العام والتضخم والضغوط الناتجة عن سوق العمل. هذه العوامل تشكل عائقًا أمام أي إدارة تسعى لتنفيذ سياسات طموحة، خاصة في ظل انقسام سياسي عميق. هذا بالطبع بالإضافة الى التحديات الاجتماعية المتمثلة في الاستقطاب الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين التي قد تعرقل أيضًا قدرة ترامب على حشد التأييد لسياساته، سواء في الكونجرس أو في الشارع الأمريكي. هذه التحديات قد تؤثر على أولوياته في الداخل والخارج، مما يفرض عليه إعادة النظر في نهجه لتحقيق التوازن بين أهدافه وسياسة الواقع.

 

ماذا عن القضايا الداخلية في الولايات المتحدة وكيف تؤثر على السياسة الخارجية لترامب؟

 

داخل الولايات المتحدة، هناك شعور متزايد بعدم الرضا عن النظام الاقتصادي، خاصة بين الطبقات العاملة والأشخاص من أصول مهاجرة. هؤلاء الناس يشعرون أنهم لا يحصلون على فرص حقيقية بسبب النظام الرأسمالي غير المنظم. ومع هذا، فإن النظام السياسي لا يقدم حلولًا فعالة لمشاكلهم، مما يساهم في زيادة الاستقطاب. نتيجة لذلك، نرى انقسامًا متزايدًا بين اليسار واليمين، حيث لا يمكن لأي منهما التواصل بشكل فعال بسبب الفجوة العميقة في فهم كيفية عمل العالم. وهذا يصعب اتخاذ قرارات حكومية فعالة على المستوى المحلي والدولي وهذا هو التحدي القادم أمام ترامب.

 

هل تلاحظ وجود تحولات جذرية في الكونجرس الأمريكي؟

 

نعم، لقد شهد الكونجرس الأمريكي تغيرات جذرية في السنوات الأخيرة، حيث أصبح الانقسام الحزبي أكثر حدة من أي وقت مضى، في الماضي كان هناك نوع من التعاون بين الجمهوريين والديمقراطيين، وكان هناك احترام متبادل بين الأعضاء رغم اختلافاتهم السياسية. ولكن الآن، أصبحنا نرى أن النقاشات السياسية لا تدور حول أفكار وسياسات بديلة، بل أصبحت تتسم بالصراعات الحادة بين الطرفين، مما يجعل من الصعب تحقيق أي تقدم حقيقي.

 

أدى هذا التحول إلى أن أصبحت السياسات الحزبية أكثر تطرفًا، ما جعل من المستحيل تقريبًا إيجاد حلول وسط بين الأطراف المختلفة. إن تزايد الانقسامات السياسية قد أدى إلى إضعاف قدرة الكونجرس على التعامل مع القضايا الكبرى التي تهم الشعب الأمريكي، مثل الإصلاحات الاجتماعية، وقوانين الضرائب، والضمانات الصحية.

يجب أن نلاحظ أن هذا التحول لم يؤثر فقط على العلاقات بين الجمهوريين والديمقراطيين، بل أيضًا على العلاقة بين الكونجرس والجمهور الأمريكي. إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فقد يزداد عدم الثقة في المؤسسات الحكومية، مما قد يؤدي إلى مزيد من العزوف عن المشاركة في العملية الديمقراطية.

 

التحولات التي نشهدها في الكونجرس الأمريكي هي انعكاس مباشر للتغيرات التي تحدث في المجتمع الأمريكي بشكل عام، وهي تشير إلى أن السياسة الأمريكية تحتاج إلى إعادة تقييم جذري للهيكلية الحزبية الحالية، وأنه من الضروري البحث عن حلول أكثر شمولية وأكثر توافقًا بين الأحزاب للوصول إلى قواسم مشتركة تعمل لصالح الشعب الأمريكي بأسره.

 

في رأيك، كيف يمكن للولايات المتحدة معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن الفجوات المتزايدة بين الطبقات الغنية والفقيرة، وكيف يمكن أن تسهم السياسات الإصلاحية في تعزيز العدالة الاجتماعية وتقليل الاستقطاب الاجتماعي والسياسي في البلاد؟

 

الطبقات الاجتماعية في الولايات المتحدة تواجه تحديات جمة، حيث يشهد المجتمع الأمريكي زيادة كبيرة في التفاوتات الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء. يبدو أن النظام السياسي الأمريكي أصبح أكثر ميلاً لصالح الطبقات الثرية، حيث إن الأغنياء يتحكمون في معظم الأنشطة الاقتصادية والسياسية، بينما تزداد الطبقات المتوسطة والفقراء تهميشًا.

 

هذه الديناميكيات تساهم بشكل كبير في تفاقم الاستقطاب الاجتماعي والسياسي، حيث يظهر أن الأثرياء في الولايات المتحدة قادرون على التأثير على السياسات الحكومية بشكل مباشر لتحقيق مصالحهم الخاصة.

في المقابل، أصبح الفقراء والمواطنون ذوو الدخل المنخفض في وضع أكثر صعوبة، حيث يواجهون صعوبة في الحصول على التعليم الجيد، والرعاية الصحية المناسبة، والفرص الاقتصادية المتاحة للأثرياء. السياسات الحكومية التي تتجاهل احتياجات هذه الفئات ، فقد تكون السبب الرئيسي لتزايد مشاعر الاستياء والغضب، حيث بدأ الكثير من الأمريكيين يشعرون أنهم غير مرئيين بالنسبة للطبقات الحاكمة.

 

إن هذا الانقسام الطبقي في الولايات المتحدة يهدد بشكل جاد استقرار البلاد على المدى الطويل. فمع تفاقم التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، سيكون من الصعب إيجاد حلول فعالة لحل الأزمات التي تواجه المجتمع الأمريكي. من أجل معالجة هذا الوضع، تحتاج الولايات المتحدة إلى تبني سياسات إصلاحية تركز على تعزيز العدالة الاجتماعية، وتوفير الفرص للجميع، بغض النظر عن خلفيتهم الاقتصادية أو الاجتماعية.

 

واخيرًا، ما التحديات التي سيواجهها ترامب في المستقبل، سواء على الصعيدين الداخلي أو الخارجي؟

 

ترامب سيواجه تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجى، الصعيد الداخلي، ستظل قضايا الانقسام السياسي والاجتماعي من أكبر التحديات. المجتمع الأمريكي يواجه انقسامات حادة حول القضايا الاجتماعية والسياسية، بما في ذلك العرق، الهجرة، والصحة العامة. من المرجح أن يكون من الصعب على ترامب توحيد المجتمع الأمريكي في ظل تلك الانقسامات المستمرة. فهو كان يشتهر بأسلوبه الاستقطابي الذي يعزز من الانقسام بين الطبقات الاجتماعية والسياسية، وهو أمر سيشكل تحديًا كبيرًا عند عودته إلى البيت الأبيض.

 

بالإضافة إلى ذلك، يواجه ترامب قضايا قانونية معقدة تشمل التحقيقات القضائية ضده، والتي قد تؤثر على قدرته على قيادة البلاد. مع استمرار هذه التحقيقات، سيكون عليه التعامل مع الانتقادات والملاحقات القانونية التي قد تضعف مصداقيته وتقوض سلطته السياسية. تلك القضايا القانونية قد تكون محورية في تحديد مسار حملته الانتخابية وقدرتها على إقناع الناخبين الأمريكيين بتجديد الثقة فيه.

 

أما على الصعيد الخارجي، فقد يجد ترامب صعوبة في إعادة بناء العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة بعد فترة حكمه السابقة، التي تميزت بتوترات مع حلفاء تقليديين مثل الاتحاد الأوروبي وكندا. العلاقات مع الصين وروسيا ستكون أيضًا محورية. مع تصاعد التنافس بين القوى الكبرى، فإن الطريقة التي سيختارها ترامب للتعامل مع هذه الدول ستكون تحديًا حقيقيًّا. إذا استمر في سياسات المواجهة الصريحة أو فرض العقوبات، فقد تؤدي هذه السياسات إلى تفاقم التوترات العالمية. إضافة إلى ذلك، سيواجه تحديات فيما يتعلق بالقضايا العالمية مثل التغير المناخي، حيث كان ترامب يشكك في أهمية معالجة هذه القضية، وهو موقف قد يجعله في مواجهة مع الحكومات والمنظمات الدولية التي تدعو إلى إجراءات أكثر صرامة بشأن حماية البيئة. سيتطلب منه الأمر التكيف مع الضغوط العالمية المتزايدة لمكافحة التغير المناخي وتعزيز الاستدامة.

 

بالمجمل، سيجد ترامب نفسه أمام معركة معقدة تتطلب توازناً بين سياسة داخلية مضطربة وتحدي

ات خارجية تتطلب استراتيجيات دبلوماسية معقدة ومتوازنة.