قرن من الزمان مضى على مولدها، وهى لا تزال عفية صامدة، قادرة على التحدى.. لتبقى خير شاهدة على تاريخ خير أمة.. إنها «المصور» العبرة فى سيرتها أنها كانت تتنفس حرية تستمد مقوماتها من واقع صنعه أبناء وطن، يعشق الحرية، ومستعد دوما لحمايتها، والحفاظ عليها، والذود عنها بكل غالٍ وثمين.
فى احتفالية مئويتها الأولى، فاجأت قراءها ومتابعيها على مختلف المستويات المهنية، والأكاديمية، بعدد تذكارى غير مألوف، ضم بين صفحاته التى تجاوزت ما يزيد على 460 صفحة من قطع المجلة ذاتها، ليظل المدد متواصلا، ويبقى الشكل والمضمون متناغما.
عبر صفحات هذا العدد، لخصت «المصور» فى صياغات تحريرية رائعة، تعكس تميزا لجهازها التحريرى، وفى ثوب إخراجى بديع، يعكس تميزا آخر لهذا الجهاز تحريريا وفنيا. بل تستطيع أن تضيف لتكون منصفا، أن تقول: إن قيادة المجلة، جندت كل قواها ومقومات بنائها، ليتحمل كل قطاع مسئوليته، التحرير والإخراج والإدارة والمطابع وكل الإمكانات التكنولوجية، المتاحة، ليقدم وبحق- عددا تاريخيا، تتوقف أمامه المدارس الأكاديمية المختلفة لتقومه، مسجلة بكل إنصاف أنه عدد للتاريخ.
أعود إلى مجلتنا «المصور» عند مولدها لأقول: إنها ولدت وكأنها رفعت شعار.. بحق صحافة لا تعرف الخطوط الحمراء وطننا مصر.. شعبنا المصرى.. أمتنا العربية والإسلامية هى الخطوط الحمراء التى نقف عندها، لنحفظ لها أمنها وسيادتها، واستقرارها.. ولتحقيق ذلك لا نعترف بأية خطوط حمراء.
ولدت وتمضى مسيرتها فى تناغم وطنى، توعية، وتنويرا، داعمة لكل توجه صحيح يراعى مصلحة الوطن، محذرة بكل وضوح من أى انحراف عن الصواب، منبهة لأى خطر قد يحيق بالوطن، واضعة فى اعتبارها أن الحق أحق أن يتبع.
حين ترجع إلى مواقفها، ومعالجاتها، تكتشف أن «المصور» – أبدا- لم تلعب دور المتفرج، أو المشاهد، بل اختارت موقعها وموقفها شريكا، منبرا صحفيا حرا، ملتزما بقضايا الوطن والأمة، تمثل طرازا صحفيا له لون خاص، ورؤية خاصة، مصرية الأصل، والهوى، عربية الغاية، إسلامية العقيدة فى صفائها ونقائها، واستنارتها.
نقّب فى صفحاتها عن تاريخ مصر، ودور مصر عربيا وإفريقيا وإسلاميا ودوليا، لتجد أنصع الصفحات، شاهدة على عظمة هذا الوطن، الذى هيأته الأقدار ليكون لأمته سندا وظهيرا، إذا داهمته الأخطار، وأحاط بها المتآمرون، راجع معى ما كتبه الذين قدموا شهاداتهم لـ «المصور»، أنها فى نظر المتابعين والمتخصصين أيقونة الصحافة العربية، هى ديوان الحياة المعاصرة، هى قلب الوطن النابض.. هى منْ عاصرت تاريخ نضال شعب يواجه التحديات.. على صفحاتها يسجل التاريخ بالتوثيق الدم الفلسطينى الذى لا يزال ينزف حتى اليوم.. قالتها منذ زمن «الفلسطينيون جديرون بحياة استقلالية».. أتراها كانت تقرأ مستقبلا، أم تتنبأ بغيب.. ليس الأمر كذلك، إنما كان هناك فكر، وكانت هناك رؤية لقامات فكرية وصحفية، قادرة على قراءة واقع، ومراجعة تاريخ، لاستشراف مستقبل.
لم يكن هناك «ترامب».. وإنما كان هناك فكر المؤامرة التى لم تمت فى عقل مدبريها، وهناك أيضا كانت رؤية حملة أمانة الكلمة فى «المصور»، تنبه وتحذر وتكشف أبعاد المؤامرة.. وتؤكد عظمة دور مصر.. الذى شاءت الأقدار أن تكون أهلا لحمل أمانة الحفاظ على فلسطين وطنا وشعبا.. وأرضا وتاريخا، رافضة أن تتخلى عنها، أو تتركها عرضة لضياع قضيتها، أو تصفيتها.
ولدت «المصور» لتقود مسيرتها قامات فكرية وثقافية عملاقة، بداية من مؤسسيها، مرورا بفكرى أباظة، أحمد بهاء الدين، أمينة السعيد أول امرأة ترأس تحريرها، صبرى أبو المجد، مكرم محمد أحمد، عبد القادر شهيب، حمدى رزق، عزت بدوى، غالى محمد، أحمد أيوب، ويحمل رايتها الآن هذا الشاب الواعد عبد اللطيف حامد، ومعه فريق واعد متناغم.. إنها شجرة، ثمراتها يانعة، نافعة، شعارها المصداقية، الوطنية، الولاء للوطن، سيدنا وسيدها وتاج رأسنا، قارئنا الذى من أجله نكتب، وبه نعيش، ونستمد بقاءنا أحياء، نواجه كل العواصف بما فيها العاصفة التكنولوجية الكبرى، التى تضيف تحديات يظن الكثيرون أن المطبوع لا قبل له بها، لكن تظل «المصور» صامدة، باقية. شامخة، تؤمن برسالتها ودورها، تسجل بأحرف من نور، خير شهادة على أن الحرية التى تمنح للصحافة، إنما تمنح لتسجل هذه الصحافة، أنصع صفحات، لأنصع تاريخ، إنها صفحات من أجل مصر.. بتاريخها بثوراتها، بتضحياتها، بقاماتها، بشعبها الأبى.. الذى لا يرضى بغير الاستقلال الكامل لوطنه الحر بديلا.. وعاشت مصرنا حرة، عزيزة، مرفوعة هاماتها، مصونة كرامتها، رافضة لأى تدخل فى سيادتها لأنها مصر المحفوظة بأمر ربها.. القائمة على قوة إرادتها، مستندة إلى تاريخ حقيقى، شهوده لا يعرفون التزييف، أو التضليل، لأنهم يوثقون شهاداتهم بالكلمة والصورة التى لا تكذب، ولذلك «تبقى المصور شاهدة على التاريخ وعبر تاريخها «صوّرتنا، فأحسنت تصويرنا».