الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، صرح مؤخرا باستعداد الشركات المصرية للمساهمة فى إعادة إعمار السودان من أجل تحقيق التعافى المبكر للبلد الشقيق، وفى نفس الوقت هناك خطة لإعادة إعمار غزة، وفى قلب هذا الجهد، تنبض الصناعات المعدنية المصرية كقلب فولاذى، يضخ حديد التسليح، ألواح الصلب، المواسير المعدنية، والمبانى الخرسانية الجاهزة، ليكون الأساس الصلب لمدينة تنبعث من رمادها.
تتجلى خبرات الشركات المصرية فى إعادة الإعمار عبر الخبرات الواسعة التى تمتلكها منها على سبيل المثال، صناعة مواد البناء، الخبرات الهندسية والفنية، إدارة المشاريع، ومكتسبات عدة جاءت عبر مشروعات قومية نفذتها مصر بالداخل والخارج.
محمد حنفى، المدير التنفيذى لغرفة الصناعات المعدنية، أكد أن مشاركة القطاع الخاص المصرى فى جهود إعادة إعمار غزة ستعتمد على المناقصات الدولية التى ستطرحها الشركات العالمية المكلفة بتنفيذ المشروع، مشيرًا إلى أن التنافسية ستلعب دورًا أساسيًا فى تحديد حجم مشاركة الشركات المصرية.
وأوضح «حنفى»، أن مصر تمتلك ميزة تنافسية واضحة تتمثل فى القرب الجغرافى والخبرة الواسعة لشركاتها العاملة فى الصناعات المعدنية، مما يعزز فرصها فى تقديم مواد البناء الأساسية اللازمة لمشروعات إعادة الإعمار، وتُعد الصناعات المعدنية المصرية عنصرًا أساسيًا فى إعادة الإعمار، حيث توفر المصانع المصرية مجموعة متنوعة من المنتجات التى تشمل ألواح الصلب المجلفن التى تستخدم فى تجهيز البنية التحتية والمبانى والأسقف المؤقتة، والأسلاك المعدنية والشبكات الحديدية التى تدعم عمليات الإنشاءات المختلفة وتعزز من متانة المبانى، والأنابيب والمواسير المعدنية التى تستخدم فى شبكات المياه والصرف الصحى ما يسهم فى إعادة تأهيل المرافق الأساسية، وحديد التسليح الذى يُعد عنصرًا رئيسيًا فى بناء الهياكل الخرسانية للمبانى السكنية، إضافة إلى الألومنيوم الذى يستخدم فى التشطيبات المعمارية والهياكل الخفيفة .
وأشار «حنفى» إلى أن «المواد المعدنية اللازمة لإعادة الإعمار متوفرة بكميات كافية، ولن تؤثر على السوق المحلى سواء من حيث الأسعار أو توافر المنتجات، إذ تمتلك المصانع المصرية فائضًا كبيرًا من الخامات وقدرة إنتاجية عالية، ما يتيح لها تلبية الاحتياجات المحلية والدولية دون أى نقص أو ارتفاع فى الأسعار »، مضيفًا أن «غرفة الصناعات المعدنية ستلعب دورًا رئيسيًا فى تنظيم الاتفاقيات بين الشركات المصرية ونظيراتها العالمية لتعزيز فرص التعاون، والتنسيق مع الحكومة المصرية لضمان توفير المواد الخام دون التأثير على الأسواق المحلية، وإدارة عمليات التصدير والإنتاج بما يحقق التوازن بين الطلب المحلى والدولى» .
وأكد أن مصر تمتلك 35 مصنعًا للحديد والصلب بطاقة إنتاجية تصل إلى 15 مليون طن سنويًا، فى حين أن السوق المحلية لا تستوعب سوى 7 فى المائة من هذه الطاقة، مما يجعل زيادة الإنتاج فرصة مثالية لخفض التكلفة عبر توزيع النفقات الثابتة على وحدات إنتاجية أكبر، لافتا إلى أن المصانع المصرية مستعدة لرفع طاقتها الإنتاجية فور بدء تنفيذ خطة إعادة الإعمار سواء فى غزة أو فى دول الجوار خاصة السودان، مما يعزز من مكانة مصر الإقليمية فى قطاع البناء والتشييد ويفتح آفاقًا جديدة أمام الشركات الوطنية فى الأسواق الخارجية .

من جانبه قال المهندس داكر عبد اللاه، عضو شعبة الاستثمار العقارى باتحاد الغرف التجارية، عضو لجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال المصريين، إن «شركات المقاولات المصرية تمتلك من الخبرة والكفاءة ما يجعلها قادرة على إحداث تغيير حقيقى فى عمليات إعادة الإعمار سواء فى قطاع غزة أو فى دول الجوار التى تحتاج إلى مشروعات إعادة البناء نتيجة الصراعات العسكرية والأهلية»، موضحا أن «عدد شركات المقاولات المصرية يتجاوز 32 ألف شركة، أثبتت نجاحها فى تنفيذ مشروعات البنية التحتية داخل مصر وخارجها، وهناك شهادات دولية تثبت كفاءتها فى تطوير البنية التحتية بالعديد من الدول العربية والإفريقية مما يجعلها مؤهلة للتوسع عالميًا».
وشدد «داكر»، على ضرورة دعم القطاع المصرفى فى تمويل مشروعات الإعمار من خلال تسهيل حركة الأموال وافتتاح فروع للبنوك المصرية فى الخارج الأمر الذى يسهم فى تعزيز قدرة الشركات على تنفيذ المشروعات بكفاءة، كما أكد أهمية تعزيز دور شركات التأمين لحماية العمالة والمعدات وضمان سير عمليات التشييد فى مختلف البيئات بشكل آمن وسلس.
وأشار إلى أن «مصر تمتلك قطاعا قويا فى صناعة مواد البناء حيث توفر شركات الإسمنت والحديد والصلب حلولا متكاملة لدعم مشروعات إعادة الإعمار بما يضمن سرعة التنفيذ وجودة البناء»، داعيًا إلى الاستفادة من الاتفاقيات الدولية لتوسيع نطاق مشاركة الشركات المصرية فى مشروعات الإعمار مع ضرورة توفير بيانات دقيقة حول احتياجات عمليات إعادة الإعمار فى غزة ودول الجوار لضمان مشاركة فعالة فى المشروعات، ومؤكدا أن الشركات المصرية مستعدة لبدء العمل فور تلقى التوجيهات السياسية والتنفيذية سواء من قبل وزارة الإسكان أو الشركات الكبرى المكلفة بإعادة الإعمار مشددا على أهمية تنسيق الجهود بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص لضمان نجاح المشروعات وتحقيق التنمية المستدامة فى المناطق المتضررة .
تتكون خطة إعادة إعمار غزة من ثلاث مراحل رئيسية تمتد حتى عام 2030، بتكلفة إجمالية تقدر بـ 53 مليار دولار، وتهدف إلى إعادة تأهيل البنية التحتية، توفير الإسكان، وتعزيز التنمية الاقتصادية، كما تشمل مصادر التمويل الأمم المتحدة، المؤسسات التمويلية الدولية، الدول المانحة، الصناديق الاستثمارية، البنوك التنموية، والاستثمار الأجنبى المباشر، مع إنشاء صندوق ائتمانى دولى لضمان الشفافية، فيما تعتزم الحكومة المصرية تنظيم مؤتمر وزارى فى القاهرة بالتعاون مع السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة لحشد الدعم وتسريع تنفيذ الخطة.
فحسبما أكد استشارى التخطيط العمرانى وعضو فريق إعمار غزة، المهندس شادى الزينى، فإن الخبرات المصرية فى التخطيط العمرانى فى مرحلة متقدمة ونمتلك إمكانيات حقيقية للوصول لتنفيذ المخطط المصرى فى أقل مدة زمنية ممكنة، منوها إلى أن البيانات التى حصلنا عليها كانت بالتعاون مع الأجهزة المعنية بالمعلومات والبيانات، لنتمكن من تصنيف المراحل الثلاث للمخطط، وتضمنت عدد المناطق الأكثر تضررا و المناطق التراثية والمناطق الشاغرة، ومناطق الملكية القائمة، و المناطق المدمرة بالكامل، و مناطق الأحداث الدامية والتى لها ذكريات مرعبة مع الصراع والقضية الفلسطينية، حتى نتمكن من تنفيذ نصب تذكارية للحفاظ على الذاكرة الوطنية، لافتا إلى أن المخطط تضمن ثلاث مراحل رئيسية تمتد على خمس سنوات .
المرحلة الأولى ستكون التعافى المبكر على ستة أشهر تبدأ ببناء نماذج الكرفانات والخيام، نماذج مصنوعة من الحاويات البحرية لتجمعها بشكل مؤقت للسكن بطول 12 مترا فى عرض 3.5 متر تستوعب أسرة من 6 أفراد.
بالتوازى مع تطهير محور صلاح الدين ووضع الإسكان المؤقت مع إزالة الركام باتجاه الشاطئ وتجميعه فى مناطق للفرز وإعادة استخدامه فى المشروعات المتعلقة بإعادة الإعمار ورصف الطرق فضلا عن بناء منطقة مكتسبة فى عرض البحر، بداية المخطط تعتمد على تجهيز سكن مؤقت لسكان القطاع تستوعب 1.5 مليون نسمة حتى يتمكنوا من ممارسة حياتهم بشكل طبيعى خلال فترة إعادة الإعمار .
استشارى التخطيط العمرانى، أضاف أن الخطة رصدت قرابة 60 ألف مسكن أصابهم الدمار بشكل نسبى ويمكن إعادة تأهيلهم بشكل سريع وعاجل بعد تقييم وضعها الهندسى، لعودة سكانها مرة أخرى وبشكل عاجل، مؤكدا أن المخطط وضع مصادر للتمويل بشكل ذاتى عبر القروض الميسرة والجهود الذاتية.
«الزينى»، أوضح أن المرحلة الأولى تمتد على 24 شهراً بتكلفة تصل إلى 20 مليار دولار وتتضمن توظيف الركام واستغلاله فى المناطق المكتسبة لشواطئ غزة حتى يتم استثمارها لتنفيذ مناطق خدمية فى تواز لشارع الرشيد المعروف بقطاع غزة، وخلال تلك المرحلة سيتم تنفيذ 200 ألف وحدة سكنية كاملة التشطيب مع تنفيذ المرافق العامة من مدارس ومستشفيات وخدمات ترفيهية لخدمتها تستوعب قرابة 1.6 ألف نسمة خلال الفترة الزمنية، بالإضافة إلى استصلاح 20 ألف فدان من الأراضى الزراعية التى تم تدميرها لتكون سلة المحاصيل الزراعية للسكان فور إعادة الإعمار مع توفير فرص العمل الدائمة، وضمان استمرار الأنشطة الاقتصادية التى توفر فرص عمل لسكان القطاع، بالإضافة إلى توفير ميناء للصيد، يتضمن الخدمات المتكاملة لصيد الأسماك، مع بناء ميناء تجارى فى رفح الفلسطينية يتم ربطها ببناء منطقة صناعية لوجستية على مساحة 600 فدان لضمان إضافة قيمة مضافة لقطاع الزراعة والصيد، تخدم التصدير والاستهلاك الداخلى.
وأشار إلى أن المرحلة الثانية مدتها 30 شهراً تنتهى فى 2030 تقريبا تضمن استكمال أعمال المرافق الأساسية مع إنشاء 200 ألف وحدة سكنية جديدة مضافة إلى الوحدات الأولى تستوعب 3 ملايين مواطن تقريباً، بذلك تكون المرحلة الثانية استكملت بناء 460 ألف وحدة سكنية وفقا للمخطط المصرى، وهى أخذت فى اعتبارها الزيادة السكانية حتى عام 2030 .

بدوره، أكد الاستشارى المعمارى، أحمد عادل، أن مخطط إعادة الإعمار النهائى اعتمد على رمز شجرة الزيتون لتوصيل خدمات القطاع بالمناطق السكانية، بالإضافة إلى خدمات القرى السياحية، على مساحة 2000 فدان وتضم مجموعة من الفنادق والقرى السياحية، بالإضافة إلى مجموعة خدمات مختلفة قائمة بالحى الحكومى، منها جامعة إقليمية ومركز مؤتمرات دولى ومطار دولى فى مدينة رفح ومنطقة الإدارة المركزية ومنطقة الطاقة المتجددة والميناء السياحى التجارى المجمع لكل الخدمات فى تجاه الشاطئ وتضم خمس كليات رئيسية و6 مستشفيات مركزية بطاقات استيعابية مختلفة و15 سوقا تجارية منها 5 أسواق تجارية متعددة، 50 جامعا و15 مركزا شرطيا، 126 مجمعا تعليميا متكاملا، 200 مسجد محلى، 10 كنائس، 208 أسواق محلية، 5 مجمعات للخدمات الأمنية، 120 مركزا صحيا تخصصيا، مع إضافة مسار نقل يربط جوانب الخدمات مع المناطق الحضارية به طرق وخط سير ترام ومحطات للترام بنقاط مختلفة سطحية مربوطة بالميناء والمناطق اللوجستية لنقل الركاب مربوطة كلها بشارع الرشيد بجانب خزانات المياه والكهرباء وشبكة الاتصالات.