رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

إمامنا الأكبر د. عبدالحليم محمود.. «أبو المتصوفين»


14-3-2025 | 16:29

.

طباعة
بقلـم: د. هدى درويش

لم يكن شخصية اليوم عالمًا كبقية العلماء لكنه كان عالمًا تقيًّا ورعًا وليًّا، فهو قطب من الأقطاب، فعالمنا الجليل كانت له كرامات وبشريات، لعل أبرزها وأشهرها على الإطلاق رؤيته للرسول وهو يعبر قناة السويس بجيش مصر قبل حرب أكتوبر المجيدة فى عام 1973، فقبل حرب أكتوبر المجيدة رأى (العارف بالله) الإمام الأكبر د.عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الشريف فى هذا الوقت رؤية مبشرة، خاصة أن البلد كان يمر بظروف صعبة، حيث رأى الشيخ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى المنام، وأخذه هو ومعه علماء المسلمين والقوات المسلحة، وعبر النبى قناة السويس فى إشارة منه بنجاح العبور للجيش المصرى.

 

حين استيقظ ذهب على الفور إلى الرئيس محمد أنور السادات، وأخبره بما شهده فى المنام ليرسخ فى عقل السادات أمل النصر والعبور، واقترح عليه أن يتخذ قرار الحرب مطمئنًا إياه بالنصر، وبعدها ذهب مسرعًا إلى منبر الأزهر الشريف، وألقى خطبة قال فيها: إن حربنا مع إسرائيل هى حرب فى سبيل الله، وإن الذين يموتون فيها شهداء ولهم الجنة، ومَن تخلف عنها منافق، وكان للدكتور إبراهيم عوض كتاب بعنوان عبدالحليم محمود.. صوفى من زماننا، وقال إن شيخ الأزهر قبل حرب أكتوبر جاءه النبى فى المنام وهو يعبر قناة السويس ومعه علماء المسلمين والقوات المسلحة، فاستبشر عبدالحليم محمود وأيقن بأن النصر قادم لا محالة، وذكر الدكتور محمود جامع فى كتابه «كيف عرفت السادات؟»، وقال عن واقعة الشيخ عبدالحليم محمود، حيث قال: «لا ننسى الذى بشّرنا بالنصر فى حرب أكتوبر عام 1973 عندما رأى النبى فى المنام وهو يرفع راية الله أكبر».

 

لقد كان للإمام الأكبر الراحل العارف بالله الدكتور عبدالحليم محمود العديد من المواقف فى النهوض بالأزهر الشريف، فقد تسلّم مشيخة الأزهر، وعدد معاهدها على مستوى الجمهورية لم يتخطَّ خمسين معهدًا، فقام بتأسيس وإنشاء العديد من المعاهد الأزهرية، وكان ذلك ضمن خطته لتطوير الأزهر الشريف الذى رأى فى يوم من الأيام أنه يحتضر، حيث كتب فى بدايات حياته العملية مذكرة ورفعها للمسئولين واسمها «الأزهر يحتضر»، فغضب منه المشايخ، لأن مثل هذه الأشياء يحبون علاجها من الداخل، وكان ذلك فى أواخر الخمسينيات والمشايخ حزنوا، فشكَّلوا لجنة تحقيق ليتم التحقيق معه حول ما قاله بأن «الأزهر يحتضر» وانتقاده للأزهر، والتحقيق لم يفضِ إلى شيء، وتأكد أن الإمام الراحل لم يقصد إلا النصح وليس المهانة، ولكن هذا الأمر تسبب فى فجوة بينه وبين بعض القيادات الأزهرية فى ذلك الوقت.

 

نشأ عبدالحليم محمود نشأة دينية، حيث وُلد فى الثانى عشر من مايو 1910، بعزبة أبو أحمد قرية السلام مركز بلبيس بمحافظة الشرقية، فى أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى، وكان أبوه ممن تعلم فى الأزهر لكنه لم يكمل دراسته فيه، حفظ الإمام الأكبر الراحل الدكتور عبدالحليم محمود القرآن الكريم ثم التحق بالأزهر سنة 1923، وتدرج فى مراحل التعليم المختلفة حتى حصل على العالمية سنة 1932، وسافر بعدها إلى فرنسا على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي، فى رحلة امتدت ثمانى سنوات بين عامَى 1932-1940، حصل خلالها على الدكتوراه فى جامعة السوربون، وقد أشرف المستشرق الفرنسى الشهير «لويس ماسينيون» على أطروحته عن إمام السائرين الفقيه الصوفى «الحارث بن أسد بن عبد الله المحاسبى البصري»، وبعد عودته عمل مدرسًا لعلم النفس بكلية اللغة العربية بكليات الأزهر، ثم عميدًا لكلية أصول الدين سنة 1964، وعضوًا ثم أمينًا عامًا لمجمع البحوث الإسلامية فنهض به وأعاد تنظيمه، ثم عُيِّن وكيلًا للأزهر سنة 1970 ثم وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر.

 

لقد كان للشيخ الإمام الكثير من المواقف التى تؤكد حبه للأزهر الشريف، وكان له العديد من الجولات التى تبرز علمه، وكراماته، فقد كان صوفيًّا، محبًّا، وكان تقيًّا ورعًا لم يطمح ولم يسعَ لمنصب، بل كان الجميع يأتيه، ولم يخشَ فى الحق يومًا من الأيام لومة لائم، ومواقفه مع الرئيس السادات شاهدة على ذلك، خاصة فيما يتعلق بالأزهر الشريف ومكانته، ففى السابع والعشرين من مارس 1973، صدر قرار بتعيينه شيخًا للأزهر، وعندما بدأ الشيخ يشرع فى القيام بمهام منصبة والاستعانة بالله على أعبائها ويؤدى دوره كما أراد الله له، وقدم الإمام الراحل استقالته لرئيس الجمهورية على الفور، معتبرا أن هذا القرار يقلل من قدر المنصب الجليل ويعوقه عن أداء رسالته الروحية فى مصر والعالم العربى والإسلامي، حتى أصدر الرئيس الأسبق أنور السادات وأصدر قرارًا، جاء فيه: أن شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأى فى كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه فى كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية فى الأزهر، كما تضمن القرار أن يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه فى الأسبقية قبل الوزراء مباشرة، وانتهت الأزمة وعاد الشيخ إلى منصبه.

 

وكان عبدالحليم محمود من المرتبطين بآل البيت، ومن المتصوفة الزهاد لذلك لُقِّب بـ«أبى المتصوفين»، فوصلت شهرة الإمام الآفاق، ووصل نفوذه إلى درجة غير مسبوقة، حتى إن الملوك والرؤساء سارعوا لتلبية دعوته، ودُعى لإلقاء محاضرة بمبنى الأمم المتحدة فى مدينة نيويورك عام 1977، وله أكثر من ستين مؤلفًا فى التصوف والفلسفة، بعضها بالفرنسية، أثرى بها المكتبة الإسلامية لعل من أشهرها: «أوروبا والإسلام»، و«التوحيد الخالص» أو «الإسلام والعقل»، و«أسرار العبادات فى الإسلام»، و«التفكير الفلسفى فى الإسلام»، و«القرآن والنبي»، و«المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي»، كما كتب فى العديد من المجلات الثقافية، بل تولَّى ترجمة قصة خيال علمى عن الفرنسية من رواية «وازن الأرواح» التى ألَّفها أندريه موروا عام 1946، فترك إرثًا علميًّا ضخمًا، حيث بلغت مؤلفاته نحو 100 كتاب تأليفًا وتحقيقًا وترجمةً، وقد ألَّف عديدًا من الكتب فى التصوف والسيرة النبوية، وله أيضًا عدة مؤلفات فى الأخلاق والفلسفة الإسلامية واليونانية.