رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الشيخ نصرالدين طوبار إمام المبتهلين مبكى العيون


14-3-2025 | 21:23

.

طباعة
بقلم: أحمد النبوى

من الروحانيات التى كانت فى رمضان ولها ذكريات مع المسلمين فى كل الدول العربية الابتهالات والأدعية التى كان ينتظرها المستمعون من خلال ميكرفون الإذاعة فى ابتهالات الفجر بصوت الشيخ نصرالدين طوبار والذى ذاع صيته فى العالم بأسره، ويكفيك عزيزى القارئ أن تسمع الشيخ «طوبار» وهو يبتهل قائلاً «يا مؤنسى فى وحدتى؛ يا منقذى فى شدتى؛ يا سامعا لندائى؛ فإذا دجا ليلى وطال ظلامه؛ ناديت يا رب كنت ضيائى؛ سبحانك جل جلالك يا الله».

إنة «أمير أوتار القلوب، إمام المبتهلين، صاحب الصوت الشجي، مبكى العيون» ألقاب كثيرة حظى بها الشيخ نصرالدين طوبار أحد أشهر المبتهلين والمنشدين فى مصر والعالم العربى.

 

ورغم وجود العديد من المبتهلين أصحاب الصوت الندي، سواء من الذين سبقوه أو من جاءوا بعده، إلا أن الشيخ «طوبار» يظل الأكثر تأثيرًا وطرقًا على أوتار قلوب مستمعى وعاشقى الإنشاد الدينى.

 

تأثيرات صوت «طوبار» العذب الممزوج بالشجون الفطري، وأداؤه المميز وطريقته الفريدة فى الإنشاد الديني، لم تصل إلى قلوب المسلمين فى شتى بقاع الأرض فقط، بل امتدت إلى مسامع وقلوب غير المسلمين أيضًا.

 

حيث سافر الشيخ نصرالدين طوبار إلى العديد من الدول العربية والأجنبية، وعندما ابتهل وأنشد فى ألمانيا أطلقوا عليه (الضارب على أوتار القلوب) وعندما ابتهل بالإنشاد فى قاعة «ألبرت هول الملكية بلندن» سأل بعض الصحفيين كيف لرجل بدون أية آلة موسيقية يصنع كل هذا الدفء وكل هذه البهجة وكل هذه السكرة بلا خمر.

 

وأصبح لا يذكر الإنشاد الدينى فى الوطن العربى إلا ويُذكر اسم الشيخ نصرالدين طوبار، وهو الاسم الذى ظهر فى وقت كانت ساحة الإنشاد الدينى والتواشيح تضم العمالقة أمثال الشيوخ على محمود ومحمد الفيومى وطه الفشنى والنقشبندى وغيرهم.

 

ومع ذلك تميز الشيخ «طوبار» بأسلوب مختلف جعل له خصوصيةً وتفردًا عن غيره من المنشدين بحلاوة الصوت وقوته والخشوع فى الأداء، مما جعل للإنشاد الدينى شعبية وجمهورًا كبيرًا يشعر أمام صوته وإنشاده بحالة وجدانية إيمانية تسمو بالنفس وترتقى بها.

 

وكان إذا قرأ القرآن الكريم أبكى المستمعين

 

وصفه الكاتب الصحفى الكبير أحمد رجب قائلاً: كان الشيخ «طوبار» إنسانا موفور الحساسية بالغ الذكاء، أدرك بوعيه الفطرى أن فى القرآن موسيقى ليست كالموسيقى.

 

الشيخ نصرالدين طوبار ولد فى شهر يونيو عام 1920، بمركز المنزلة محافظة الدقهلية وهو من أحفاد حسن طوبار الرجل الوطنى الذى حارب الفرنسيين فى المنزلة، بزغت موهبته مبكرًا منذ نعومة أظافره، بعدما شغف بصوت الشيخ إبراهيم الفران الذى كان يأتى به عمه حسن طوبار لإحياء ليالى رمضان.

 

وأعجب والده الحاج شلبى طوبار، بصوته العذب، وطريقة أدائه، حيث كان يدرك أن الصبى الصغير له صوت جميل كصوت الشيخ الفران. فقام بتحويله من المدرسة الخديوية بالدقهلية إلى المدرسة الأولية التى كانت تهتم بتعليم اللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم، حتى أتم حفظه للقرآن الكريم قبل أن يبلغ عمره 10 سنوات.على يد الشيخ محمد سلطان بالمنزلة واستمع إلى إنشاد الشيخ الفران والشيخ على محمود والشيخ طه الفشنى وكان حريصًا على أن يجلس إلى جوار الراديو فى انتظار المقرئ العظيم الشيخ محمد رفعت.

 

وذاع صوت «طوبار» خلال الحفلات التى كان يحييها فى المناسبات الدينية تطوعا، حتى طالب الأهالى والأقارب والده، وحفزوه للتقديم له فى اختبارات المبتهلين والمنشدين بإذاعة القرآن الكريم.

 

وتقدم الشيخ نصرالدين طوبار لاختبارات الإذاعة، ولكن لسوء الحظ رسب فى الاختبارات 6 مرات متتالية، حتى ضجر لكن إصرار من حوله لاقتناعهم بصوته دفعه إلى الدخول لاختبارات أصوات القرآن الكريم والإنشاد الدينى حتى أجازته اللجنة والتى كان من بين أعضائها التى تولت امتحانه محمد حسن الشجاعى ومحمود حسن إسماعيل، وللعلم فهؤلاء قامات عملاقة جدًا فى مجالهم، فالشجاعى موسيقار كبير جدًا وله ألحان كثيرة وإسماعيل شاعر كبير من العمالقة - وانضم الشيخ «طوبار» إلى الإذاعة مبتهلًا فى عام 1956.

 

استطاع أن يحافظ إمام المبتهلين فى عصره على أعداد المعجبين من جمهوره، بل كانت تزيد أضعافًا مضاعفة، مع كل حفل أو مناسبة يشدو وينشد فيها بتمجيد الله ومدح النبى صلى الله عليه وسلم.

 

وارتبط الشعب العربى بنصرالدين طوبار، فقد كان يملك إحساسًا وخشوعًا يتسلل إلى قلوب مستمعيه، وقد أبدع فى مقامات الصبا، والنهاوند والحجاز. ومن أشهر من سمع عنه من مقام الصبا آذانه الشهير.

 

وفى لقاء نادر للشيخ طوبار قال فيه إن محمد حسن الشجاعى نصحه بدراسة الموسيقى وهى نفس نصيحة الفنان محمد عبدالوهاب أيضًا بعدما التقى به فى وفاة والدته، وقال له عبدالوهاب إنه يسمع ابتهالاته فى الإذاعة وطلب من الشاعر محمود حسن إسماعيل أن يكتب له شعرًا دينيًا.

 

وأكد أيضا أن عبدالوهاب قدمه يومها إلى أم كلثوم التى جاءت ليلتها العزاء، وعمل الشيح بنصيحة الشجاعى وعبدالوهاب ودخل معهد الموسيقى وأمضى ثلاث سنوات فى القسم الحر بالمعهد وكانت الدراسة بالمصروفات ولكنه تعلم مجانًا لأنه كان الأول طوال السنوات الثلاث حتى تخرج.

 

كما تحدث عن أنه يجيد العزف على العود وأن أم كلثوم تهزه فى ألحان زكريا أحمد والسنباطى.

 

وقد انعكست دراسته للموسيقى بشكل كبير على أدائه وإحساسه بالنص الشعرى الذى يبتهله وينشده، وقدرته على تجسيد المعانى، واختيار المقامات الموسيقية الملائمة لها، فكان فى الحزن الشديد يقرأ من مقام «الصبا»، وفى حالة الوجد يقرأ من مقام «النهاوند»، أو «البيان» أو «الحجاز»، وفقًا للمعانى، واتساقا مع الحالة المزاجية.

 

وقدم الشيخ نصرالدين طوبار أكثر من 200 ابتهال للإذاعة

 

وصال وجال فى جميع الساحات بالمساجد والمناسبات الدينية والثقافية بابتهالاته التى كان أبرزها: «يا مالك الملك»، و«مجيب السائلين»، و«جل المنادي»، و«السيدة فاطمة الزهراء»، و«غريب»، و«يا من ملكت قلوبنا»، و«يا بارئ الكون»، و«من ذا الذى بجماله حلاك»، و«سبحانك يا غافر الذنوب»، و«إليك خشوعي»، و«طه البشير»، و«لولا الحبيب»، و«كل القلوب إلى الحبيب تميل»، و«يا ليلة القدر»، و«رمضان أشرق» وغيرها.

 

ولم يتوقف صوت الشيخ نصرالدين طوبار على التواشيح والابتهالات الدينية، فقد كان من أوائل من ابتهل للجنود المصريين وأبطالنا فى حرب أكتوبر 1973، حيث أنشد ابتهال «سبح بحمدك الصائمون»، وكذلك الابتهال «انصر بفضلك يا مهيمن جيشنا»، وتلقى إشادة كبيرة من الرئيس الراحل أنورالسادات على هذين الابتهالين

 

وتم تعيينه قارئًا للقرآن الكريم، ومنشدًا دينيًا بمسجد الخازندار بحى شبرا، واختير مشرفًا وقائدًا لفرقة الإنشاد الدينى بأكاديمية الفنون عام 1980.

 

وهذه الفرقة التى تم تأسيسها للحفاظ على هذا الفن الإسلامى الرفيع وتطويره وحمايته من المؤثرات السلبية.

 

ولم ينقطع مدد الشيخ طوبار، رحمه الله، من القراءة والابتهال بالإذاعة والتلفزيون المصري، حتى رحلت روحه الطاهرة إلى ربها فى 6 من نوفمبر عام 1986.