أكثر من حدث سيكون له تأثيره المباشر فى وقف إطلاق النار فى غزة ووقف والتوصل إلى هدنة جديدة تُفضى إلى إنهاء الحرب البشعة ضد أهل القطاع والتى دخلت مؤخرًا مرحلة خطيرة هى مرحلة التنفيذ المتسارع لخطة حكومةَ نتنياهو لإفراغ القطاع من سكانه وطردهم خارج أراضيه تحت لافته الهجرة الطوعية.. وأهم هذه الأحداث عودة ويتكوف المبعوث الأمريكى إلى المنطقة مجددًا لتحريك أو بالأصح إحياء مباحثات التوصل إلى هدنة جديدة، وزيارةَ نتنياهو لواشنطن ولقائه فى البيت الأبيض مع ترامب مجددًا.
فإن زيارة نتنياهو لواشنطن ولقاءه مع ترامب سيترتب عليه قرارًا أمريكيًا إسرائيليًا مشتركًا حول استمرار الأعمال العسكرية، خاصة البرية الإسرائيلية فى غزة والتى تستهدف تقطيع أوصال القطاع وإنشاء منطقة عازلة واسعة تساوى مساحتها ثلث مساحة القطاع كله تخلو من السكان وتسيطر عليها قوات الاحتلال.. وعلينا أن نتذكر أن خرق إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار والعودة إلى القتال مجددًا تم بعد توافق أمريكى إسرائيلى اعترفت به واشنطن وتل أبيب فى ذات الوقت.. وكان الاتفاق بينهما حول ما سمى بالتفاوض تحت النار، أى ممارسة الضغط عسكريًا على حماس والمدنيين أيضا لكى تتراجع وتقديم تنازلات وتقبل بالمقترحات الإسرائيلية للإفراجَ عن المحتجزين الإسرائيليين فى غزة.. ولكن حكومة نتنياهو تمادت أبعد لتحويل عودتها للقتال تستهدف تنفيذ خطة لتهجير أهل غزة بعد تحويل البقاء على أرضها أمرًا مستحيلاً فى ظل الاستهداف المباشر للمدنيين وطواقم الإسعاف وإحكام الحصار عليهم وحرمانهم من المساعدات الغذائية. وإذا كانت واشنطن غضت الطرف عن ذلك ووافقت عليه وسمحت به خلال الفترة الماضية فإنها قد لا تستطيع أمام الضغوط العربية والأوربية أن تستمر فى غض البصر عن ذلك، وربما تحتاج لوقفة تهدئة فى الأيام المقبلة. وهذا ما سيكون محلاً للبحث بين نتنياهو وترامب خلال زيارته المرتقبة لواشنطن، خاصة أن الزيارة المقررة للرئيس الأمريكى الخليجية التى ستشمل السعودية والإمارات وقطر تقترب، وبالطبع سيكون وقف إطلاق النار فى غزة بندًا مهمًا على جدول أعمال ترامب فى هذه الدول الثلاث.

وهنا تأتى الزيارة المرتقبة التى قرر أن يقوم بها ويتكوف مبعوث ترامب للمنطقة.. فهذه الزيارة تعنى تحريكًا جديدًا لمباحثات الهدنة فى غزة ولو كانت هدنة مؤقتة.. فإذا تلقى نتنياهو من ترامب تعليمات بضرورة التوصل إلى صفقة جديدة للإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين فى غزة سوف يسهل ذلك عمل ويتكوف فى المنطقة وسيكون فى مقدوره إحياء المقترحات السابقة له أو لمصر للتوصل لهذه الصفقة، خاصة أن حماس أعلنت استعدادها للتجاوب مع أية مقترحات فى هذا الشأن وقبلت مقترحات مصرية بالفعل فى هذا الصدد، بينما طرحت حكومة نتنياهو مقترحات ومطالب جديدة تتعلق بتنازل حماس عن ممارسة أى دور ادارى فى غزة وتسليم سلاحها والإفراج عن كل المحتجزين الإسرائيليين مقابل عودة تدفق المساعدات إلى الفلسطينيين فى القطاع.
وهناك تقديرات يطرحها البعض تشير إلى أن ترامب مهتم بالتوصل إلى صفقة تتيح وقفًا لإطلاق النار فى غزة والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين فى القطاع قبل زيارته الخليجية، ولذلك يعود ويتكوف إلى المنطقة كما أعلن هو مؤخرًا، كما أعلن ترامب بنفسه أنه سيلتقى بنتنياهو فى البيت الأبيض منتصف هذا الأسبوع، وهو الإعلان الذى قيل إن نتنياهو شخصيًا فوجئ به لأنه اتسم بأنه نوع من الاستدعاء، ولذلك اضطر أن يذهب إلى واشنطن مباشرة من بودابست التى كان يزورها الأيام الماضية رغم أنه مطلوب إلقاء القبض عليه من المحكمة الجنائية الدولية.
وإذا كانت زيارة نتنياهو تتم بناء على طلب أو استدعاء ترامب فهذا معناه أن الرئيس الأمريكى يريد توجيه رسالة مباشرة ومهمة لرئيس حكومة دولة الاحتلال.. ومتابعة الأمور والتطورات التى تشهدها المنطقة تشى بأن هذه الرسالة لن تخرج عن إطار أمرين وربما كليهما معًا.. الأول ضرورة حسم أمر العدوان الإسرائيلى المتجدد ضد قطاع غزة قبل زيارة ترامب العربية، حتى لا يعكر صفو هذه الزيارة ويعطل ما يستهدفه منها.. أما الأمر الثانى فهو يتعلق بإيران وتحديدًا. بالضغوط التى تتعرض لها الآن أمريكيا للانخراط فى مباحثات تتعلق بمشروعها النووى، وهل يمكن أن تصل هذه الضغوط إلى توجيه ضربة عسكرية لها تريدها إسرائيل تستهدف منشآتها النووية، وهو ما منعتها عنه من قبل إدارة بايدن حتى لا تتفاقم الأمور فى المنطقة لدرجة يصعب السيطرة عليها.
على أية حال يمكننا القول إن أمر وقف إطلاق النار فى غزة أُعيد طرحه بقوة هذه الأيام.