بعد سنوات طويلة من الجدل والمطالبات، عاد ملف «الإيجار القديم» إلى واجهة الاهتمام التشريعى، مع إعلان حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، تقديم مشروع قانون جديد لمجلس النواب، يهدف إلى معالجة آثار القوانين الاستثنائية التى حكمت العلاقة بين المالك والمستأجر لعقود طويلة.
التحرك الحكومى فى ملف «الإيجار القديم» يأتى استجابة لحكم المحكمة الدستورية العُليا الصادر فى 9 نوفمبر 2024، والذى ألزم المشرّع بتوفيق الأوضاع قبل نهاية دور الانعقاد البرلمانى الحالي، ويُعد الحكم بمثابة إنذار دستورى بضرورة إنهاء التشوّه التشريعى الذى عانت منه العلاقة الإيجارية لعشرات السنين، لا سيما أن هذه القوانين عطّلت أحد أهم عناصر الملكية العقارية، وهو حق التصرف والانتفاع.
«المصور» من جانبها، التقت الدكتور أحمد البحيرى، المستشار القانونى لجمعية المضارين من قانون الإيجار القديم، الذى عبّر عن ترحيبه الحذر بالمشروع الجديد، معتبرًا إياه خطوة إيجابية طال انتظارها.
بداية.. هل تعتقد أن مشروع القانون الجديد سيحسم مشكلة الإيجار القديم؟
بالطبع، المشروع الجديد يحمل الكثير من الوعود بإصلاح الخلل الذى طالما عانت منه العلاقة بين المالك والمستأجر. لكن يجب أن أكون واقعيًا، هناك بعض التحديات التى تجب معالجتها لضمان التوازن المطلوب، منذ أكثر من 60 عامًا، فرضت القوانين القديمة واقعًا غير عادل على الملاك، وأدت إلى إهدار كبير فى الموارد، فحتى الآن، أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية وتجارية تظل خاضعة لتلك القوانين.
ما أبرز ملامح المشروع التى ترون أنها إيجابية؟
من بين أبرز الجوانب الإيجابية فى مشروع القانون، أنه يسعى أولًا إلى إنهاء العمل بالقوانين الاستثنائية الحالية، كما تم الحديث عن زيادة القيمة الإيجارية للوحدات السكنية وغير السكنية، وهو الأمر الذى يُعد خطوة أولى نحو تصحيح الاختلال القائم. بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا النص المقترح لتوفير سكن بديل للفئات غير القادرة، وهذا جزء إنسانى لا يمكن تجاهله، فهو يعكس وعى الحكومة بالتحديات الاجتماعية التى يمكن أن تترتب على هذا التغيير.
كيف ترى المدة الانتقالية التى حددها القانون والتى تمتد إلى خمس سنوات؟
فى الحقيقة، هذه المدة طويلة جدًا، ولا أعتقد أنها مبررة، من وجهة نظري، فترة الثلاث سنوات ستكون كافية لتوفيق الأوضاع بين المُلاك والمستأجرين، بل قد تكون فترة طويلة جدًا إذا ما نظرنا إلى الظروف الحالية، وإذا كان القانون قد ألزم المشرّع بتوفيق الأوضاع قبل نهاية دور الانعقاد الحالي، فلا أعتقد أن خمس سنوات ستكون فترة منطقية، يجب أن يكون هناك جدول زمنى محدد لضبط القيمة الإيجارية تدريجيًا، مع ضمان أن يتم ذلك بطريقة تراعى حقوق الملاك والمستأجرين على حد سواء.
هل القيم الإيجارية التى تم تحديدها فى مشروع القانون منصفة؟
للأسف، القيم المقترحة لا تعكس الواقع السوقى بشكل كافٍ. فى بعض الحالات، تم تحديد الزيادة الإيجارية بنسبة 20 ضعفًا، وهو شيء غير عادل، ويجب أن يكون هناك حد أدنى للقيمة الشهرية، بحيث تكون 1000 جنيه فى المدن الكبرى و500 جنيه فى القرى، على أن نصل إلى القيمة السوقية خلال فترة انتقالية قصيرة. ما تم تحديده حاليًا لا يغطى حتى تكاليف الصيانة الأساسية.
هل يساهم القانون الجديد فى تصحيح العلاقة بين المُلاك والمستأجرين فى العقارات التجارية والمهنية؟
هذه واحدة من النقاط الأكثر تعقيدًا. التمييز بين الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين فى الإيجارات التجارية والمهنية غير منطقى تمامًا. على سبيل المثال، نجد أن أصحاب المحال التجارية والمكاتب المهنية مثل الصيادلة والمحامين لا يزالون يحصلون على امتيازات غير عادلة، وهى امتيازات كانت محصورة بالملاك فقط. مما يعزز هذا الخلل، هو أن بعض هذه المحال تُؤجر من الباطن بأسعار خيالية، فى حين أن المالك الأصلى يحصل على مبلغ زهيد لا يكفى حتى لسداد فاتورة المياه، ولهذا لا يمكن أن نساوى بين مالك عقار محدود الدخل، وبين تاجر يحقق أرباحًا ضخمة ويدفع إيجارًا رمزيًا.
من وجهة نظرك.. ما الحلول العملية التى يمكن اللجوء إليها لتجاوز هذه الإشكاليات؟
الحل يكمن فى توحيد المعاملة القانونية لجميع العقود غير السكنية، سواء كانت لأشخاص طبيعيين أو اعتباريين، ويجب تحديد موعد نهائى لانتهاء تلك العقود بحلول 2027، فالنشاط التجارى أو المهنى يتيح لصاحبه تحقيق دخل مستمر، مما يجعله قادرًا على توفيق أوضاعه سواء بشراء العقار أو تأجيره وفق أسعار السوق العادية، وأعتقد أن تحرير هذه العقود سيعيد التوازن إلى السوق العقاري، ويتيح فرصًا للمستثمرين الجدد، خاصة الشباب، لاستئجار محال بأسعار عادلة، بدلًا من استحواذ الشركات الكبرى أو الأفراد على محال بأسعار زهيدة.

تحدثنا عن الإيجابيات.. ما أبرز السلبيات التى تعتقد أن القانون الجديد قد لا يعالجها بشكل كافٍ؟
من أبرز السلبيات التى أراها هى استمرار بعض العقود الاستثنائية غير المبررة لفترة طويلة، خصوصًا فيما يتعلق بالإيجارات التجارية. كما أن تحديد القيمة الإيجارية لم تصل إلى المعدلات السوقية العادلة، وهو ما يُعتبر مشكلة كبرى للمُلاك. ومع كل هذه النقاط، لا بدّ أن أؤكد أن هذه خطوة إيجابية نحو إصلاح الوضع القائم، ولكن تحتاج إلى مزيد من المناقشات المجتمعية للوصول إلى الصيغة النهائية التى تضمن تحقيق العدالة للطرفين.
هل لديك أى رسائل توجهها للمشرّع فى هذه المرحلة؟
نعم، رسالتى إلى المشرّع واضحة: نحن لسنا ضد حماية المستأجرين، ولكننا نطالب بحقوق الملاك، نطالب بإنصافنا ووضع حد للظلم الذى لحق بنا طوال هذه السنوات، ونتمنى أن يضع المشرّع مصلحة الجميع فى الحسبان، وأن يكون هناك حوار موسع قبل إصدار أى تشريعات نهائية. نحن على استعداد لتقديم أفكار ومقترحات قد تساهم فى الوصول إلى حلول متوازنة تضمن مصلحة الملاك والمستأجرين معًا.
برأيك.. إلى أى مدى تظن أن تطبيق القانون سيؤدى إلى زيادة الاستثمارات فى السوق العقارى؟
من المؤكد أن تطبيق القانون الجديد سيعزز السوق العقاري، ويُعيد إليه التوازن. المشكلة فى الوقت الحالى تكمن فى أن الكثير من الملاك يعزفون عن تجديد أو صيانة العقارات القديمة بسبب الإيجارات المتدنية التى يتلقونها، بل إن بعضهم اضطر للبيع أو التنازل عن ممتلكاتهم، لذا، بمجرد تطبيق القانون، سنشهد تحسنًا كبيرًا فى حالة العقارات، وسيتجه المُلاك للاستثمار فيها مجددًا.
ماذا عن الآثار السلبية أو الجانبية المحتمل حدوثها حال الموافقة وتطبيق القانون؟
أحد الآثار الجانبية التى يجب أخذها فى الحسبان هو احتمال حدوث موجة من الزيادة فى الإيجارات، خاصة فى المناطق الحضرية، ولهذا سيكون من المهم مراقبة هذه الزيادة بعناية، حتى لا تضر بالسكان ذوى الدخل المحدود، ويجب أن يكون هناك إطار تنظيمى لضمان أن يتم تطبيق الزيادة الإيجارية بطريقة لا تُحمل المواطنين فوق طاقتهم.
وما الرسائل التى توجهها للمواطنين والمشرّعين على حد سواء؟
رسالتى للمواطنين هى أن الوضع الحالى لا يمكن أن يستمر، وأن هناك فرصًا حقيقية لتصحيح العلاقة بين المالك والمستأجر. أما رسالتى للمشرّعين، فهى أن هذه القضية ليست قضية قانونية فحسب، بل هى قضية اجتماعية واقتصادية تؤثر فى ملايين الأسر المصرية. نحن فى مرحلة فارقة، وكلما تم التعجيل بإصلاح الوضع، كانت العوائد
أفضل على المستويين الاجتماعى والاقتصادي.