«الاستماع لوجهة نظر مغايرة».. من هنا كانت أهمية الحوار مع المستشار أيمن عصام، المستشار القانونى لرابطة مستأجرى الإيجار القديم، والذى قدم _ بالفعل _ رؤية أحد أطراف الأزمة المزمنة المعروفة بـ«القانون القديم»، بل وزاد عليها بتوضيح الأخطاء التى شابت مشروع القانون الذى تقدمت به الحكومة خلال الأيام الماضية.
بداية.. حدثنا عن موقف رابطة المستأجرين من التعديلات المقترحة على قانون الإيجار القديم؟
الرابطة تؤكد ضرورة تحقيق التوازن بين المالك والمستأجر، كما أوصت المحكمة الدستورية العليا، ونحن لا نعارض التعديلات التى تهدف إلى تحقيق هذا التوازن، لكننا نرفض أى تعديلات تؤدى إلى إنهاء العلاقة الإيجارية أو رفع القيمة الإيجارية لتتساوى مع القيمة السوقية الحالية، خاصةً أن معظم الوحدات الخاضعة لهذا القانون قديمة، والمستأجرون لديهم مراكز قانونية مستقرة منذ عقود.
ومشروع قانون الإيجارات الجديد الذى تقدمت به الحكومة يمثل تصعيدا غير مبرر فى قيمة الإيجار يفوق حتى مطالب الملاك أنفسهم، ورابطة الملاك طالبت سابقا برفع القيمة الإيجارية إلى 10 أضعاف، لكن المشروع الحكومى يسعى لزيادتها إلى 20 ضعفا وربما أكثر، وهو ما يضعف فرص التوافق المجتمعى ويفتح الباب لأزمة اجتماعية كبيرة تتحمل نتائجها كل الأطراف، أى أن الضرر يقع على أطراف النزاع وليس طرفا دون غيره.
وماذا عن حكم المحكمة الدستورية الأخير بشأن قانون الإيجار القديم؟
الحكم الأخير للمحكمة الدستورية العليا لم يتعرض لفكرة إنهاء العلاقة الإيجارية، بل طالب بإعداد حالة من التوازن بين المستأجر والمؤجر، وحكم بعدم دستورية تثبيت القيمة الإيجارية، وهذا يعنى أن العلاقة الإيجارية هنا مستمرة، لكن يجب تعديل القيمة الإيجارية بشكل يحقق العدالة للطرفين دون أن يكون هناك استغلال لاحتياج المستأجر للعين، وقد طالبت رئيس الوزراء على الهواء مباشرة بتحويل المسئولين عن إعداد هذا المشروع للتحقيق، بسبب ما أصفه بـالمبالغة فى الصياغة والانحياز لرأس المال، وأرى أن القانون بصيغته الحالية لا يخدم إلا فئة محدودة من أصحاب رأس الأموال؛ أى لن يستفيد منه كل أصحاب العقارات القديمة والملاك بل فئة معينة فقط.
هل تعتقد أن رفع القيمة الإيجارية وفق القيمة السوقية الحالية مقبول؟
لا، نحن نعتبر أن رفع القيمة الإيجارية لتتساوى مع القيمة السوقية الحالية أمر غير منطقي، خاصةً أن معظم هذه الوحدات قديمة، والمستأجرون دفعوا ما يعادل قيمة انتفاعهم بالوحدات على مدار السنوات الماضية، ولدينا هنا مراكز قانونية وحقوق مادية راسخة، ولا يمكن إلغاؤها ببساطة دون مراعاة الجوانب الاجتماعية والقانونية.
وأجد أن تمرير القانون فى صورته التى تابعناها جميعا يعنى طرد وتشريد نحو 20 مليون مواطن، بالإضافة إلى رفضنا كل أشكال الدمج بين النشاط التجارى والسكنى ليتضمنهما قانون واحد، لأن لكل من الشقين طبيعة قانونية واقتصادية مختلفة فى ظل كثير من المتغيرات الاقتصادية التى تجتاح العالم كله.

هل هناك مطالب لكم ستقدمونها للبرلمان عند مناقشة تعديلات قانون الإيجار القديم؟
نطالب البرلمان بضرورة مراعاة حالة التضخم فى العالم وما يحيط بالبلاد من أوضاع اقتصادية واجتماعية، وأن تكون الزيادات فى القيمة الإيجارية تدريجية، مع الحفاظ على استقرار المراكز القانونية القديمة للمالك والمستأجر، كما نؤكد على ضرورة أن تكون التعديلات متوافقة مع أحكام المحكمة الدستورية، التى تمنح حق الامتداد القانونى للمستأجرين فى حالات معينة.
وقد طرحت بالفعل مبادرة فى محاولة رشيقة للخروج من الأزمة، وهى ببساطة تقوم على تمليك الوحدات للمستأجرين بمقدم وتقسيط بقية المبلغ على 20 عاما أسوة بالنظريات الحكومية فى الاستثمار العقارى المتبعة منذ سنوات بالفعل، وهذا الحل من شأنه أن يحقق التوازن المطلوب بين حقوق الملاك واستقرار المستأجرين، ويحافظ على السلم الاجتماعى دون الإخلال بالشق النفسى لكثير من الطرفين، كما يساعد كليهما على المضى قدما والحفاظ على حقوق الجهات المعنية والحكومة فى نفس الوقت.
كيف تابعت الشائعات والمعلومات المغلوطة التى جرى تداولها منذ الإعلان عن مشروع القانون؟
بالفعل، كانت هناك شائعات تتحدث عن رفع الإيجارات إلى 5000 جنيه أو طرد المستأجرين، وهذه شائعات غير صحيحة، لأن المحكمة الدستورية لم تتحدث عن إنهاء العلاقة الإيجارية، بل إن الأمور تتجه نحو تعديل القيمة الإيجارية لتحقيق التوازن، كما أن أى قانون يصدر يجب أن يكون متوافقا مع أحكام المحكمة الدستورية، وإلا سيكون معرضا للطعن بعدم الدستورية، وهو أمر حتمى فى ظل وقوع الضرر على طرف دون غيره أو العمل لصالح فئة دون غيرها، فلا يوجد قانون يغفل طرفا على حساب طرف طالما له الحق، والقانون عمله فى المجتمع التنظيم والعدل بين كل الأطراف فى مختلف المجالات، ونقول للمواطنين إن المواد المتداولة حاليا هى مقترحات من الحكومة، وليست نصوصا نهائية معتمدة، والمواد التى تتحدث عن فترة انتقالية أو تحديد حد أدنى للإيجار هى مجرد مقترحات حكومية.
ما القيمة الإيجارية العادلة فى رأيك؟
يجب أن يستند الحديث هنا إلى ما ورد فى أحكام المحكمة الدستورية نفسها، وتحديدا فى الصفحة 11 من أحد أحكامها، والتى أكدت على تحديد نطاق المستفيدين من الامتداد القانونى وضرورة تحريك الأجرة بعيدًا عن الغلاء أو الشطط، ونحن لا نرفض تحريك القيمة الإيجارية ولكن نرفض القفزات غير المنطقية، خاصة فى ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، فحين تم تطبيق قانون رقم 10 لسنة 2022 الخاص بالأشخاص الاعتبارية، فُرضت زيادة بمقدار 5 أضعاف و15 فى المائة زيادة سنوية، هذا كان مع كيانات كبرى لها ميزانيات ضخمة، أما حين نتحدث عن مستأجرين طبيعيين من متوسطى أو محدودى الدخل، فلابد من مراعاة العدالة الاجتماعية، وعدم التمييز، كما نص الدستور المصرى ولهذا، فإننا نرفض تطبيق نفس النسبة والآلية على كل الطبقات دون مراعاة للسلم الاجتماعي.
وعلينا أيضا ألا نغفل أن معظم المبانى الخاضعة لقانون الإيجار القديم قديمة، وليست حديثة فلا هى خاضعة لمعايير السوق الحالية، ولا ينبغى اعتبار هذه الوحدات خاضعة لتقييم القيمة السوقية الحديثة، والمستأجر دفع ما يعادل قيمة انتفاعه بالوحدة على مدار السنوات الماضية، ولديه حقوق قانونية تحميه من أى ارتفاع غير منطقى فى قيمة الإيجار.
من ناحيتكم.. هل تمتلكون رؤية مستقبلية لحل أزمة الإيجار القديم فى مصر؟
نرى أن الحل يكمن فى تحقيق التوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين، من خلال تعديل تدريجى للقيمة الإيجارية، مع الحفاظ على استقرار العلاقة الإيجارية، وعدم الإضرار بالمستأجرين الذين استقروا فى هذه الوحدات لعقود طويلة، كما نؤكد على ضرورة أن تكون التعديلات متوافقة مع أحكام المحكمة الدستورية، وأن تراعى الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية.