رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«محطة الزهراء» مرجع توثيق الأنساب الخيول الأصيلة.. إحياء «الكنز الخالد»


16-5-2025 | 14:03

الخيل العربي الاصيل

طباعة
تقرير : سناء الطاهر

الحصان العربى الأصيل نتاج آلاف السنين من التربية الانتقائية التى مارسها بُدو الجزيرة العربية فى أعماق الصحراء.. ولّد هذا الصقل الجينى حيوانًا يمتلك قدرة تحمُّل فريدة، وسرعة لافتة، وذكاءً حادًّا، وجمالًا طبيعيًّا يبدو كأنه أناقة خالدة منحوتة بيد فنّان، فتشكّل رأسه الصغير المائل نحو القمة، وصدغاه المنحنيان عند العيون الواسعتين اللامعتين، وأنفه المقوس بخفة، وذيله المرتفع بفخر، كل ذلك دليل على نقاء الدم وسمو الإرث.

المزيج من الجمال والقوة رفع الحصان العربى الأصيل إلى مصاف الأغلى فى العالم، فتسابق عليه المربون والأثرياء من الخليج وأوروبا وأمريكا، باعتمادهم على نقاء السلالة التى لا تقبل المزج العشوائى.

 

هنا برز اسم الدكتور يوسف عبدالقادر، الطبيب البيطرى السابق لمحطة الزهراء والمتخصص فى أسنان الخيل، كونه أحد المهتمين والمربين للخيول، وقضى سنوات فى متابعة آلاف خيول هذه السلالة بمصر، تسمع منه، كيف أن لكل خاصيةٍ بيولوجية فى جسد الحصان قصة بقاء فى الصحراء، فهو يملك ما يقارب 23 فقرة ظهرية تجعل ظهره قصيرًا نسبيًّا لزيادة المرونة، و14 فقرة ذيلية ترفع ذيله عاليًا لتعبّر عن شموخ لا ينتهي.

 

عظامه الدقيقة وخطفته المتمشية تمنحانه جسدًا انسيابيًا لا تضاهى.. الأهم من ذلك، وفق ما يشرح الطبيب المتخصص، أن جيناته تحتوى على طفراتٍ تعده لتحمّل الجوع والعطش والحرارة الشديدة لعدة أيام، مع قدرةٍ فائقة على استرجاع نشاطه بوقتٍ قصير بعد قطيعة طويلة.

 

اليوم، يتحدث البدو وعشاق الفروسية عن الحصان العربى كأنه «صنديد الصحراء»، إذ لطالما رافقهم فى رحلاتهم الطويلة، وقادهم فى حروبهم المبكرة.. وعندما دخل المسلمون مصر فى القرن السابع الميلادى، وجدوا أرض النيل حاضنةً لفصولٍ جديدةٍ من الفروسية.. ليل القاهرة كان يضيء بمعسكرات الفسطاط، حيث كان الفرس تزيّنها الزينة والريش بألوانٍ زاهية استعدادًا للمعارك والمعارض السنوية، حتى صارت مصر بمثابة بوابةً لجمال الخيل العربى، إلى بلاد الشام والمغرب الإسلامى.

 

ومع أن القدماء اهتموا بالفروسية، إلا أن الإطار المؤسسى لحفظ السلالة جاء متأخرًا فى مصر، حين تأسست محطة الزهراء عام 1928، فيما اختيرت عين شمس فى القاهرة لتكون مقرًّا لهذه المحطة التى تحوّلت مع الوقت إلى مرجعيةٍ عالمية لتوثيق أنساب الخيول العربية وتسجيلها، فهى تمتدّ اليوم على أكثر من ستين فدانًا، وتضمُّ ما يزيد على 400 رأسٍ من أنقى السلالات: (الصقلاوى والكحيلان والهدبان والعبيان وغيرها).. والطريف أن الزهراء، رغم طابعها الحكومي، تحتفظ بعلاقاتٍ وثيقة مع كبار المربين من القطاع الخاص، الذين لا يترددون فى إرسال خيولهم إليها لإجراء فحوصات الحمض النووي، التى تضمن أن النسل خالٍ من أى تلوّث جينى.

تأخذ الفحوصات جزءًا مهمًا من عمل الزهراء: تُجمع منها عينات دم أو شعر عند ولادة كل مهر جديد، وتُرسل إلى معامل متخصصة لتحليل الـDNA، ثم تُظهر هذه التحاليل النسب بدقةٍ قصوى، ما يحفظ حرمة السلالة ويمنع المزج غير المرخص به.

 

الطبيب البيطرى قال إنَّ هذا الأسلوب العلمى ساهم فى رفع مستوى ثقة المشترين العالميين، فالعميل لم يعد يعتمد على الورق وحده، بل على تقريرٍ جينى يثبت نقاء السلالة.

 

الرعاية اليومية تُدار وفق بروتوكول صارم: أعلافٌ مختارة من الشعير والبرسيم، مكملات فيتامينية معدنية تدعم نمو العظام والعضلات، وحمامات رملية لطرد الطفيليات وتحفيز الدورة الدموية.. الإسطبلات مبنية على أسسٍ صحية تمنع انتشار الرطوبة، وتتخلّلها مخارج تهوية تضمن تجديد الهواء.

 

وأوضح «عبد القادر» أن السوق المحلى ينقسم بين مرابطٍ خاصةٍ ومراكزٍ حكوميةٍ، ولكن محطة الزهراء تبقى القلب النابض لهذه الصناعة فى مصر.. كما يتواصل العمل الأكاديمى فى جامعات القاهرة والإسكندرية لدراسة أنماط التغذية البديلة، وتأثيرها على الأداء الرياضى للخيول.

 

فى نفس هذا الإطار، أضاف المهندس على العميرى، وهو أحد مربى الخيول العربية فى مصر والمهتمين بها، قائلًا: «إن مصر بها عدد من مرابط الخيل، التى تجمع بين الأصالة والحداثة، وتعتمد على أحدث نظم تتبع GPS لتأمين مسارات الخيول أثناء التدريب، مضيفًا أن هذه المرابط وضعت مخططات لمزارع نموذجيةً للخيول الراقية، حيث يمكن لكل فارسٍ مراقبة حصانه عن بُعد، والتأكد من حصوله على التغذية والرعاية المطلوبة».

 

وقال «العميري»: «بينما يكون المتفرج مأخوذًا بجمال هذه المخلوقات، يظل التحدى الأكبر هو الحفاظ على هذه القيمة الأصيلة وسط ضغوط الاقتصاد الحديث»، موضحًا أن هناك الكثير من التحديات، فأراضٍ مناسبة لرعى الخيول أصبحت نادرةً وقيمةً، والتكاليف الطبية والصحية زادت، ورغم ذلك، بدأت الحكومة فى إطلاق مبادراتٍ لتبسيط إجراءات تراخيص المزارع وتشجيع الاستثمار فى القطاع، مع تقديم قرضٍ ميسّر للمربين الجدد عبر بنوك زراعية متخصصة، بهدف دمج الشباب فى صناعةٍ تحمل فى صهيلها، صدى عديد الحضارات والبطولات.

 

وأشار إلى عشقه للفروسية، ويصفها بأنها متنفس فى مصر، يتوارث مربو الخيول العربية الأصيلة من جيلٍ إلى جيلٍ، خبراتٍ وتقنياتٍ تُعزز من نقاء السلالة وتضمن استمرارها.

 

تقنيات طبية

 

بدورها، تقول الدكتور ريهام مرسى، الطبيبة البيطرية، إنه منذ أوائل الألفية الثالثة، أخذ مربّو الخيول خطوةً كبيرةً إلى الأمام، باعتماد تحليل الحمض النووى (DNA) كأداةٍ مركزيةٍ فى توثيق أنساب الخيل.. «فقبل أن يصبح هذا التحليل متوفرًا على نطاقٍ واسع، كان الاعتماد منصبًا على الأوراق القديمة وسجلات الملاك، طواها الزمن أحيانًا أو عُرضت للتلاعب أحيانًا أخرى»، ومع إدخال تحاليل DNA، صار ممكِنًا للمربى أن يتحقق من كل سلالة وأبٍ وأمٍ وجدٍ وجدّةٍ حتى 64 جيلًا، فيكشف إذا ما وُجد أى مزج مع خيولٍ غير عربيةٍ أصيلة.

 

وحول هذه التقنية، تُشير «د. ريهام»، أنها لا تُسهم فى حفظ النقاء فحسب، بل تساعد أيضًا على اكتشاف أى طفراتٍ وراثيةٍ محتملة فى وقتٍ مبكر، مما يعزز من الوقاية الصحية، ويُقلل من الأخطار على كامل السلالة.

 

وتنوه بأن محطة الزهراء، بها مختبرٌ صغيرٌ ، ولكنه مجهزٌ بأحدث أدوات التحليل الجينى لتلبية احتياجات المربين، حيث يتم أخذ عينات شعرٍ أو دم من المهر فور ولادته، ثم تُرسل إلى معاملٍ دوليةٍ معتمدة لترسل تقريرًا مفصّلًا خلال أيامٍ عن توافق نسبه مع والديه وأنساب السلالة، ثم يُضاف هذا التقرير إلى نظامٍ معلوماتى رقمي؛ هو بمثابة سجلِّ ولادةٍ إلكترونيٍّ، ما يُسهل متابعة كل حصانٍ ومساره الوراثى من ولادته حتى وفاته.. واليوم، تحرص غالبية المزارع الخاصة على إرسال خيولها إلى الزهراء لإجراء هذه الفحوصات، حتى لو تجرّأ بعضهم على التزاوج خارج دائرة النقاء.

تربية الخيول

 

أما الجانب الاجتماعى، فيبرز فى طموحٍ يجعل مهنة تربية الخيول وجهةً مميزةً للشباب؛ فمع انحدار بعض المهن التقليدية، اتجه جيل الألفية الثالثة إلى الاعتماد على التكنولوجيا، فأدخلوا تطبيقاتٍ إلكترونيةً لتسجيل بيانات المهر، وتتبعه عبر GPS فى الرحلات، وحتى لتسويق الصور ومقاطع الفيديو للحصان، سواء للبيع أو المشاركة فى المعارض.. هذا الابتكار الرقمى جعل المهنة أكثر جاذبيةً، وأضفى بُعدًا عالميًا على مربّى الخيول المصريين.

 

وحول هذا التحول تقول ريهام مرسى: «إن المربى يستطيع متابعة حالة الخيل صحيًا عبر تطبيقٍ على هاتفه، يتلقى تنبيهات عن مواعيد التطعيم، وفحوصات الدم، وحتى مسافات الجرى اليومية.. كما يمكنه الترويج لخيله عبر بث مباشرٍ من مزرعته إلى مشترين فى دبى وباريس ولوس أنجلوس، وقد لاحظت أن الصورة الجيدة والشرح المفصّل يجذبان اهتمام المشترين أكثر من أى إعلانٍ تقليدى».

 

دعم حكومى

 

من جهةٍ أخرى، يسهم دعم الحكومة والمؤسسات الدولية فى إبراز الجهود الوطنية، فقد أعلنت وزارة الزراعة عن منحٍ سنويةٍ للمشروعات الصغيرة الرامية إلى تطوير مزارع الخيول العربية، وتقديم تسهيلاتٍ فى الحصول على الأراضى والتراخيص. ومن جانبٍ آخر، دشّنت السفارة الفرنسية فى القاهرة برنامجًا لتبادل خبراء الفروسية، حيث يقضى مربّون مصريون أسابيع فى إسطبلاتٍ أوروبيةٍ، ويتلقون تدريبًا متقدمًا، بينما يستقبل مربّون فرنسيون نظراءهم لاستعراض منظومة الزهراء فى الحفاظ على نقاء السلالة.

 

أما على الصعيد التجارى، فيحظى الحصان العربى بقيمةٍ استثماريةٍ عاليةٍ، فعائلةٌ مصريةٌ رائدةٌ فى استيراد الأعلاف الفاخرة افتتحت ناديًا للخيول يمتاز بتقنيات الرى بالتنقيط الآلى للحقل، الذى ترعاه الخيول لضمان جودة العشب.. كما تعاونت مع شركات التأمين لتوفير بوليصاتٍ صحيةٍ للخيول، شبيهةٍ بتلك المتوفرة للبشر، تغطى العلاج البيطرى وضرر الإسطبل.. هذه الابتكارات عززت من ثقة المستثمرين، ورسمت صورة لمس

تقبلٍ مستدام لقطاع الخيول العربية فى مصر.

 

الاكثر قراءة