17-12-2022 | 17:48
حوار: أماني عزت
لكل زمن آفة وآفة زماننا هي المخدرات، المخدرات في الآونة الأخيرة انتشرت بشكل يثير الرعب على مستقبل شبابنا وأبنائنا المراهقين، ومع ظهور أنواع جديدة أكثر تدميرا وأسرع
إدمانا ،كان البد من إجراء حوار مع الدكتور عبدالرحمن حماد المدير السابق لوحدة علاج الإدمان بمستشفى العباسية للصحة النفسية؛ لنقف من خلاله على أسباب انتشار الإدمان بين فئة المراهقين؟ وما الأنواع الجديدة من المخدرات وتأثيرها ؟ وكيف تكتشف الأسرة مبكرا إدمان الأبناء؟. إلى نص الحوار.
هل هناك فرق بين أسباب الإدمان عند الكبار والمراهقين؟
- عادة أسباب الإدمان تكون أسباب بيولوجية أو أسباب بيئية، الاسباب البيولوجية: تعني أن الأب مدمن فيصبح الإبن مدمنا مثله، والدراسات تقول باحتمالية إدمان الأولاد نتيجة إدمان الأب أو أحد الوالدين، أما الأسباب البيئية: تتمثل في تأثير التصدقاء ووجود ثقافة المخدرات في المجتمع، والاعمال الدرامية التي تروج لثقافة المخدرات والتقبل الاجتماعي للمخدرات ، وكذلك عوامل مثل: الفقر والعنف، وكلها عوامل بيئية سواء في المراهقين أو الكبار.
ما الاسباب وراء إدمان المراهقين؟
- قد يختلف المراهقون في بعض الاشياء عن الكبار، فالمراهق يلجأ للمخدرات كوسيلة للتكيف بمعنى أن المراهق الذي لديه مشاكل سلوكية مثل ال ( اي دي اتش دى ) أو الذي يعاني
من اضطراب المسلك يأخذ مخدرات كوسيلة من وسائل التكيف، أو وجود اضطرابات نفسية مثل: اضطراب القلق أو إدمان أحد الأبوين، تأثير الاصدقاء له دور مهم لأن المراهق يتأثر بأصدقائه أكثر من الطفل.
هذا يعني أن الاسرة لها دور في إدمان أحد أفرادها.. أليس كذلك؟
-نعم, الاسرة لها دور لدينا تعبير اسمه ( الأسر الهشة ) وهى الأسر التي يكون فيها أحد الوالدين مدمنا، فاحتمالية إدمان أحد الأبناء مرتفعة، وهناك سبب آخر وهو التعرض للعنف من الأبوين
مثل: التعرض للضرب أو الطرد من المنزل من أحد التبوين، أو التعرض للحرمان فلا يوجد احتواء عاطفي مع غياب دور الأب والام ، هنا يشعر المراهق بالتجاهل والحرمان العاطفي ولا يوجد من يلبي احتياجاته النفسية، كل هذه العوامل للأسرة دور فيها.
هل هناك أنواع جديدة ظهرت .. وما تأثيرها؟
-بالطبع هناك أنواع جديدة ظهرت، فالمخدرات الحديثة نطلق عليها اسم المخدرات المصنعة، ووصلت لأكثر من تسعمائة أو ألف نوع على مستوى العالم، وهى ظاهرة من 15سنة وزادت في الفترة الماضية ويجمع بينها إنها مصنعة ورخيصة الثمن ومصنوعة في أماكن "تحت بير السلم" ومخاطرها عالية جدا،
المشكلة أن المخدرات المصنعة تنقسم إلى ثلاثة أنواع، النوع الأول: الافيونات المصنعة والنوع الثاني: يسمى شبائه الامفيتامين والنوع الثالث والنوع الثالث: القنبيات المصنعة ويطلق عليه نوع شديد الفاعلية ومخاطره عالية جدا، ألنه يسبب إدمان أسرع لان المادة الفعالة THC عالية وتسبب
اضطرابات ذهنية تسمى نوبات ذهان حادة قد تؤدي إلى اكتئاب أو تؤثر على الوظائف المعرفية، إذن حتى مخدر الحشيش أصبح يسبب مشكلات كثيرة على مستوى العالم.
كيف تعرف الأسرة أن لديها مدمنا في البيت؟
-ينبغي الأخذ في الاعتبار أن هناك بعض العوامل والظروف التي تجعل من هذه المشكلة مشكلة مهمة أو ملحة، مثل المشاكل الاسرية (سفر الأب– انفصال الوالدين )... والخصائص الاجتماعية والديموغرافية والفقر، والإسكان وظروف المعيشة ووجود أصدقاء متعاطين، ولكن هناك بعض العلامات التي تدل على اتجاه المراهق للادمان منها:
- تغيير في السلوك، حيث يكون هذا التغيير غير معتاد وغير مألوف وعادة ما يعطي المراهق أعذارا غير مقنعة عن هذا التغيير، وعند مواجهته يغضب أو ينهي الحوار بطريقة غير لطيفة.
- تغيير مستمر في الاصدقاء، هذا التغيير في الاصدقاء قد يكون مفاجئا أو متدرجا، وفي الغالب الاصدقاء الجدد غير مألوفين في الأسرة أو غير مقبولين من طرف الأسرة.
- عادة ما يظهر المراهق في بداية تعاطيه للمخدرات انسحاب من الروابط الاسرية المعتادة والروتين والأنشطة العائلية مثل: الفسح والاجتماعات العائلية أو العشاء العائلي ويفضل أن يكون في غرفته معظم الوقت وغير متجاوب مع الوالدين والأخوة.
- هناك ما يسمى بـ Drug seeking behaviour هذا السلوك له علاقة بالبحث عن المخدر ويتسم بالاندفاعية والتهور،واللامبالاة والمعنويات الضعيفة بالإضافة إلى ادعاء حاجته للمال للدروس أو لشراء الملابس.
- بعض الأدوية أو المخدرات التي قد يستخدمها المراهق هي مؤثرات عقلية وقد تسبب أنواعا كثيرة من السلوك غير المعهود،
بمعنى ظهور ردود فعل مستفزة وغير متزنة أو غير متناسبة مع الموقف، ويصبح دراماتيكيا في أفعاله، عصبي المزاج عنيفا مع إخوته وأسرته.
- من الاعراض التي تظهر مبكرا أيضا المشاكل الدراسية وإثارة المشاكل داخل الفصل والمدرسة أو التهجم على مدرسيه، والاهمال في المظهر بعد ما كان يعتني بثيابه ومظهره بدأ يهمل في ذلك، وأيضا فقدان بعض التشياء والاموال من البيت بسبب عدم كفاية مصروفه المعتاد للإنفاق على المخدرات، أيضا تغيرات مفاجئة تظهر على الجسم مثل: انخفاض مفاجئ غير مبرر في الوزن أو زيادة في الوزن، أو رائحة كريهة تنبعث من الفم أو ارتداء أكمام في عز الحر يعتبر علامة على تعاطي المخدرات بالحقن، فيحاول إخفاء آثار الحقن.
- بعضهم يظهر عليه أعراض اكتئاب واضطرابات مزاجية ونوبات من البكاء أو الضحك غير المتناسب مع المواقف، وهناك تغييرات في المظهر الخارجي تدل بشكل كبير على تعاطي المخدرات، ومميزة لكل مادة مخدرات فمثال: احمرار العينين أو عينيه مدممة واتساع حدقة العين.
- كما أن المراهق الذي يبدأ في تعاطي المخدرات قد يبدو عليه النعاس دائما أو كثرة التثاؤب أو تظهر عليه آثار الإعياء بسهولة أو بعد بذل مجهود بسيط، مثل صعود السلم بالإضافة إلى حيازة المراهق لبعض الادوات التي يطلق عليها أدوات التعاطي مثل: ورق القصدير، ميزان صغير، موس، سرنجات أو لمبة كهرباء.
هل الاكتشاف المبكر للمدمن يساعد في علاجه؟
- يعد التكتشاف المبكر نوعا من أنواع الوقاية لأن مع التكتشاف المبكر الخسائر تكون أقل وإمكانية حل المشكلة أسهل، ولكن تلجأ الناس عادة إلى العلتطاج في المراحل المتأخرة عندما يفقد السيطرة على الإبن أو يحدث فشل في التعليم أو حدوث اضطرابات نفسية أو مشاكل قانونية؛ ولذلك الاكتشاف المبكر يساعد على حل المشكلة بشكل أسرع وعلى العكس كلما تأخر الاكتشاف كان الحل أصعب.
هناك تطور كبير في علاج جميع الامراض، فهل اختلفت الأدوية وطرق علاج الإدمان عن ذي قبل؟
- من فترة أثيرت ضجة حول إجراء عملية جراحية لعلاج الإدمان، بخصوص هذا النوع من الجراحات سواء لعلتج الاكتئاب أو الإدمان أو أي نوع من الاضطرابات النفسية، هذه العملية هي أول جراحة من نوعها لزرع جهاز متناهي الصغر في الدماغ كمنظم للمخ؛ يشبه جهاز "منظم ضربات القلب" والهدف من الجراحة كان التقليل من الرغبة القهرية في تناول المخدر ومن ثم التقليل من معدلات الانتكاسة لدى المرضى متعددي التنتكاسات، ولكن هذا النوع من العلاج مازال مبكرا جدا الحكم عليه، ولم يتم إجراء إلا عملية واحدة في شهر نوفمبر
الماضي وفيه مخاطر كثيرة، وإلى الآن لا يوجد جديد في علاج الإدمان، غيرالعلاجات القائمة على الدليل العلمي مثل: العلاجات السلوكية والعلتجات التحفيزية وعلاج الاثنى عشر، بالإضافة للأدوية ذات الفاعلية، وما زالت هذه العلاجات هي الفعالة وهى التي يتم استخدامها من قبل المتخصصين ولا توجد علاجات نهائية تقضي على مرض الإدمان أو تذهبه بالكلية، وليس أمام المعالج والشاب المدمن والأسرة إلا التعاون في سبيل تطوير خطة علاجية ملائمة لاحتياجات ومشاكل الشاب المدمن، وفي حالة حدوث انتكاسة أو انتكاسات متعددة لا قدر الله يتم تقييم خطة العلاج وتطويرها وتلافي أية أخطاء سابقة وأنصح بالعلاج طويل المدة، أو ما يشبه المجتمعات العلاجية وتعتمد على العلاج من12 18 -شهرا؛ أملا في حدوث تغيير في تركيبة الدماغ والتعود على نمط حياة جديد والتعود على سلوكيات صحية بعيدة عن المخدرات.
أخيرا هل يمكن أن يتعافى مريض الإدمان بشكل تام ؟
-أنا أحب مصطلح " الشفاء من الإدمان" على الرغم من بعض الادبيات العلاجية(NA ) التي تزعم أنه لا يمكن الشفاء من مرض الإدمان، ولكن يمكن محاصرته، فالشفاء من الادمان ليس أمرا ممكنا فحسب وإنما هو واحدة من أكبر نجاحات المدمن على الإطلاق وأكثرها إثارة، الشفاء من الإدمان يمكن أن يفتح للمدمن أساليب حياة أكثر إشباعا من المخدرات والتي توفر ذلك الوهم للمدمنين، كثير جدا أسمع من الشباب بعد التعافي " انا مكنتش عايش" ،"مكنتش بحس "،"أنا اتولدت من جديد وعندي مشاعر وأحاسيس وبحب وبكره وبفرح وبزعل زي كل البشر وفي الآخر مش باخد مخدرات".
الشفاء من الإدمان معناه استرداد المدمن المعنى من الحياة، والهدف من الشفاء الفرصة التي تتهيأ للمدمن كي يتعرف ويصلح جوانب حياته التي أغفلها من زمن، ويتعلم المدمن
كيف يحترم نفسه ويكرم ذاته، ولا يورد نفسه موارد الذل والإهانة.