الأربعاء 1 مايو 2024

‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬ممدوح‭ ‬سعد‭:‬ تصالح‭ ‬مع‭ ‬نفسك‭ ‬فى‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم

تصالح مع نفسك فى الشهر الكريم

9-3-2024 | 09:56

دعاء نافع
هلال‭ ‬رمضان‭ ‬بالنسبه‭ ‬لنا‭ ‬صيام‭ ‬وقيام‭ ‬وصلاه‭ ‬تراويح‭ ‬وقراءه‭ ‬قرأن‭ ‬شهر‭ ‬مختلف،‭ ‬له‭ ‬فرحه‭ ‬وراحه‭ ‬روحيه‭ ‬بداخلنا،‭ ‬ولكن‭ ‬التصالح‭ ‬والتسامح‭ ‬النفسي‭ ‬للصائم‭ ‬مع‭ ‬نفسه‭ ‬وغيره‭ ‬أهم‭ ‬اهداف‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭.‬ كيف‭ ‬نصل‭ ‬لهذا‭ ‬الهدف‭ ‬ليكون‭ ‬رمضان‭ ‬بعد‭ ‬عن‭ ‬متاعبنا‭ ‬النفسيه‭ ‬وأقبال‭ ‬ايجابي‭ ‬لحياتنا‭ ‬علي‭ ‬مدار‭ ‬العام؟‭! ‬ ‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬ممدوح‭ ‬سعد‭ ‬أمين‭ ‬الفتوى‭ ‬بدار‭ ‬الإفتاء‭ ‬المصرية‭.‬بداية‭ ‬ما‭ ‬الهدف‭ ‬النفسي‭ ‬من‭ ‬الصيام؟ ‭ ‬الصوم‭ ‬عبادة‭ ‬من‭ ‬العبادات‭ ‬الجليلة،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬أحد‭ ‬أركان‭ ‬الإسلام؛‭ ‬ففي‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف‭ ‬الذي‭ ‬رواه‭ ‬البخاري‭ ‬يقول‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭:‬‭ ‬‮«‬بني‭ ‬الإسلام‭ ‬على‭ ‬خمس‭: ‬شهادة‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬إله‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬وأن‭ ‬محمدًا‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬وإقامة‭ ‬الصلاة،‭ ‬وإيتاء‭ ‬الزكاة،‭ ‬والحج،‭ ‬وصوم‭ ‬رمضان‮»‬‭.‬ والصوم‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬عبادة‭ ‬في‭ ‬نفسه،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬العبادة‭ ‬لها‭ ‬مقاصد‭ ‬وحكم‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إنها‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬تبتغي‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬التقوى؛‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬﴿يَا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬كُتِبَ‭ ‬عَلَيْكُمُ‭ ‬الصِّيَامُ‭ ‬كَمَا‭ ‬كُتِبَ‭ ‬عَلَى‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬مِنْ‭ ‬قَبْلِكُمْ‭ ‬لَعَلَّكُمْ‭ ‬تَتَّقُونَ﴾‭[‬البقرة‭: ‬183‭]‬،‭ ‬ومن‭ ‬مظاهر‭ ‬التقوى‭: ‬مراقبة‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬السر‭ ‬والعلن؛‭ ‬فيترك‭ ‬الشهوات‭ ‬والملذات‭ ‬لعلمه‭ ‬بأن‭ ‬الله‭ ‬وحده‭ ‬هو‭ ‬المطلع‭ ‬عليه،‭ ‬ومنها‭: ‬تربية‭ ‬النفس‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬المشاق،‭ ‬وتدريبها‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬محاسن‭ ‬الأخلاق؛‭ ‬لعلم‭ ‬الصائم‭ ‬بأنه‭ ‬إذا‭ ‬لوث‭ ‬صيامه‭ ‬بالأخلاق‭ ‬الرديئة‭ ‬فإنه‭ ‬ينقص‭ ‬ثوابه‭ ‬ويعرض‭ ‬صومه‭ ‬لعدم‭ ‬القبول؛‭ ‬وفي‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف‭: ‬‮«‬مَنْ‭ ‬لم‭ ‬يَدَع‭ ‬قولَ‭ ‬الزُّور‭ ‬والعمل‭ ‬به،‭ ‬فليس‭ ‬لله‭ ‬حاجة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يَدَعَ‭ ‬طعامَه‭ ‬وشرابَه»؛‭ [‬رواه‭ ‬البخاري‭].‬ فإذا‭ ‬تدرب‭ ‬المسلم‭ ‬مدة‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬على‭ ‬جهاد‭ ‬النفس‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬اكتساب‭ ‬الفضائل‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬الرذائل‭ ‬والتعالي‭ ‬عن‭ ‬الشهوات‭ ‬استطاع‭ ‬حينئذ‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬هذا‭ ‬التخلق‭ ‬الحميد‭ ‬سمة‭ ‬عامة‭ ‬لخلقه‭ ‬باقي‭ ‬العام‭.‬ وإذا‭ ‬كان‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بمعاناة‭ ‬غيره‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كابدها،‭ ‬فإنه‭ ‬إن‭ ‬ذاق‭ ‬طعم‭ ‬الجوع‭ ‬شعر‭ ‬بالفقراء‭ ‬وأهل‭ ‬الابتلاء،‭ ‬فأشفق‭ ‬عليهم‭ ‬وأحسن‭ ‬إليهم‭ ‬ما‭ ‬أمكنه‭ ‬ذلك‭.‬ وهكذا‭ ‬فالصوم‭ ‬وسيلة‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬الشرعية‭ ‬للارتقاء‭ ‬بالنفس‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬مساوئ‭ ‬البشرية‭ ‬إلى‭ ‬درك‭ ‬الروحانية‭.‬ كيف‭ ‬نصل‭ ‬للصفاء‭ ‬الروحي‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم؟ كل‭ ‬عبادة‭ ‬لها‭ ‬صورة‭ ‬وشكل‭ ‬ولها‭ ‬لب‭ ‬وروح،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬شكل‭ ‬الصيام‭ ‬وهيئته‭ ‬الظاهرة‭ ‬هي‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬المفطرات،‭ ‬فإن‭ ‬روحه‭ ‬ولبه‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الأخلاق‭ ‬الذميمة‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره،‭ ‬ويذكر‭ ‬الإمام‭ ‬أبو‭ ‬حامد‭ ‬الغزالي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬أن‭ ‬الصوم‭ ‬له‭ ‬مراتب‭ ‬ثلاث؛‭ ‬مرتبة‭ ‬صوم‭ ‬العوام،‭ ‬ومرتبة‭ ‬صوم‭ ‬الخواص،‭ ‬ومرتبة‭ ‬صوم‭ ‬خواص‭ ‬الخواص‭.‬ أما‭ ‬صوم‭ ‬العوام‭: ‬فهو‭ ‬الإمساك‭ ‬عن‭ ‬شهوتي‭ ‬البطن‭ ‬والفرج،‭ ‬وصاحب‭ ‬هذا‭ ‬الصوم‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬صومه‭ ‬إلا‭ ‬الجوع‭ ‬والعطش‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف‭ ‬في‭ ‬سنن‭ ‬ابن‭ ‬ماجه‭ ‬من‭ ‬قوله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬رب‭ ‬صائم‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬صيامه‭ ‬إلا‭ ‬الجوع‮»‬‭.‬ وأما‭ ‬صوم‭ ‬الخواص‭: ‬فهو‭ ‬إمساك‭ ‬الجوارح‭ ‬كلها‭ ‬عن‭ ‬الفضول،‭ ‬وهو‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يشغل‭ ‬العبد‭ ‬عن‭ ‬الوصول،‭ ‬وحاصله‭: ‬حفظ‭ ‬الجوارح‭ ‬الظاهرة‭ ‬والباطنة‭ ‬عن‭ ‬الاشتغال‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يعني،‭ ‬وأما‭ ‬صوم‭ ‬خواص‭ ‬الخواص‭: ‬فهو‭ ‬حفظ‭ ‬القلب‭ ‬عن‭ ‬الالتفات‭ ‬لغير‭ ‬الرب‭.‬ فتحقق‭ ‬الصفاء‭ ‬الروحي‭ ‬يكون‭ ‬بقدر‭ ‬ترقي‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬مراتب‭ ‬الإحسان‭ ‬في‭ ‬الصوم‭.‬ كيف‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬تصالح‭ ‬نفسي‭ ‬تحقق‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬لباقي‭ ‬العام؟ التعامل‭ ‬مع‭ ‬رمضان‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬محطة‭ ‬مؤقتة‭ ‬لصلاح‭ ‬الحال‭ ‬والقرب‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يعود‭ ‬الإنسان‭ ‬لسابق‭ ‬عاداته‭ ‬الذميمة‭ ‬وأخلاقه‭ ‬الرذيلة‭ ‬خروج‭ ‬بالشهر‭ ‬عن‭ ‬حكمته‭ ‬واعوجاج‭ ‬عن‭ ‬مقاصده،‭ ‬بخلاف‭ ‬ما‭ ‬لو‭ ‬تعامل‭ ‬معه‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬محطة‭ ‬للترقي‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬الرذائل‭ ‬واكتساب‭ ‬الفضائل‭ ‬فيصعد‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬مرتبة‭ ‬أعلى‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬قبله‭ ‬في‭ ‬العبادة‭ ‬والإقبال‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬والإحسان‭ ‬في‭ ‬معاملة‭ ‬نفسه‭ ‬ومعاملة‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬ومعاملة‭ ‬ربه‭.‬ تنمية‭ ‬الهدف‭ ‬الروحي‭ ‬من‭ ‬الصيام‭ ‬للأطفال‭ ‬والشباب‭ ‬ليس‭ ‬سهلا‭..‬كيف‭ ‬نصنع‭ ‬داخلهم‭ ‬التسامح‭ ‬والتوازن‭ ‬النفسي‭ ‬من‭ ‬الصيام؟ التدريب‭ ‬على‭ ‬العبادات‭ ‬منذ‭ ‬النشأة‭ ‬وسن‭ ‬الصبا‭ ‬يحببها‭ ‬إلى‭ ‬النفس‭ ‬ويعودها‭ ‬عليها،‭ ‬ولذلك‭ ‬أمر‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بتعويد‭ ‬الصغار‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أمره‭ ‬الآباء‭ ‬أن‭ ‬يأمروا‭ ‬أولادهم‭ ‬بالصلاة‭ ‬لسبع‭ ‬سنوات،‭ ‬وليس‭ ‬المقصود‭ ‬هو‭ ‬خصوص‭ ‬الصلاة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يشاركها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سائر‭ ‬العبادات‭ ‬الواجبة،‭ ‬فيأمر‭ ‬ولي‭ ‬الأمر‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬ولايته‭ ‬ورعايته‭ ‬ويعودهم‭ ‬عليها‭ ‬بالتحبب‭ ‬والملاطفة‭ ‬والترغيب‭ ‬فيعتادونها‭ ‬ولا‭ ‬تصعب‭ ‬عليهم،‭ ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬دورهم‭ ‬كقدوات‭ ‬صالحة‭ ‬للنشء‭ ‬يتعلمون‭ ‬منهم‭ ‬بالفعل‭ ‬قبل‭ ‬القول،‭ ‬ويبينون‭ ‬لهم‭ ‬الحكم‭ ‬والفوائد‭ ‬والعوائد‭ ‬من‭ ‬العبادة‭ ‬فيقومون‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬استحضارهم‭ ‬لذلك‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬بالعبادة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬صوري‭ ‬غير‭ ‬مفهوم‭ ‬المغزى‭ ‬ولا‭ ‬معروف‭ ‬الحكمة‭.‬ الصيام‭ ‬علاج‭ ‬للروح‭ ‬كيف‭ ‬يحدث‭ ‬هذا؟ الإنسان‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬جسد‭ ‬وروح،‭ ‬الجسد‭ ‬منشؤه‭ ‬الطين‭ ‬والروح‭ ‬مسكنها‭ ‬السماء،‭ ‬فكلما‭ ‬تلبس‭ ‬الإنسان‭ ‬بالشهوات‭ ‬كلما‭ ‬كانت‭ ‬السيطرة‭ ‬الأعلى‭ ‬للجسد‭ ‬الطيني‭ ‬فثقلت‭ ‬الروح،‭ ‬وكلما‭ ‬ترفع‭ ‬عن‭ ‬الشهوات‭ ‬كانت‭ ‬السطوة‭ ‬للروح‭ ‬وكان‭ ‬صاحبها‭ ‬روحانيا‭ ‬صافي‭ ‬النفس‭ ‬مستكين‭ ‬الفؤاد‭ ‬يشعر‭ ‬بالأنس‭ ‬بالله‭ ‬ويستشعر‭ ‬الهدوء‭ ‬الباطني،‭ ‬والصوم‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬مما‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬الجانب‭ ‬الطيني‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الروحاني‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالروح‭ ‬وتسكينها،‭ ‬ولذلك‭ ‬قال‭ ‬بعض‭ ‬الصوفية‭ ‬تعليقا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬رواه‭ ‬مسلم‭ ‬من‭ ‬قول‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الشيطان‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬مجرى‭ ‬الدم‮»‬‭: ‬“فضيقوا‭ ‬مجاريه‭ ‬بالجوع‭ ‬والعطش”‭.‬