22-9-2022 | 19:39
بقلم: د. جمال شفيق
بات من المؤكد والثابت علميا ان إلحاق الاطفال بمرحلة رياض الاطفال تساعد وتفيد بدرجة كبيرة في تنمية جوانب
نموهم النفسية والجسمية والعقلية والحركية والادراكية واللغوية، كما تساهم أيضاً في تطوير قدراتهم وميولهم
وبالتالي تحقيق توافقهم الشخصي والاجتماعي.
نظراً لأن الأطفال يلتحقون برياض الاطفال وهم في مرحلة (الطفولة المبكرة) تلك المرحلة النمائية التي تتحدد فيها أسس شخصية الطفل وملامحها.
لذلك: فإن أية خبرات معينة تحدث في هذه المرحلة الباكرة من حياة الطفل يمكن أن تترك بصماتها وآثارها ( الايجابية أو السلبية ) على أحواله وسلوكه وتصرفاته وشخصيته، ليس في هذه المرحلة فقط، وإنما تمتد هذه الآثار مهما كان نوعها طوال فترة حياته.
وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أنه يجب أن نضع في اعتبارنا إن ذهاب الاطفال إلى الروضة يمثل في حد ذاته ( الأزمة النفسية الثالثة) التي تواجه الاطفال، بعد ً (الازمة النفسية الاولى ) وهي (أزمة تعرضهم مسبقا أو صدمة الميلاد )والتي تتحدد في انفصال الجنين عن رحم الأم الذي كان يعيش بداخله ويلبي له جميع مطالبه واحتياجاته الفسيولوجية بصورة مثالية ودقيقة ً، حيث يفاجأ ويصدم عقب الولادة بمواجهة عالم آخر جديد مختلف تماما عما عايشة وتمتع به وتعود عليه لمدة تسعة أشهر في بطن أمه.
أما ( الازمة أو الصدمة الثانية) التي يمر بها الاطفال هي:
(أزمة الفطام )وهي إن الطفل بعد أن كان يعتمد في غذائه على ثدي أمه، واحتضانها له وحنوها عليه أثناء عملية الرضاعة، فأنه وحسب قلة وعيه وفهمه ً ما يربط بين منع وإدراكه في مرحلة الرضاعة، غالبا الثدي عنه وبين منع الحب والعطف والحنان والاهتمام؛ ً بأن يكون فطام الطفل تدريجياً وليس فجأة.
وإذا ما نظرنا إلى (الصدمة الثالثة) التي قد يواجهها الاطفال أثناء فترة حياتهم النمائية فهي صدمة الانفصال عن الاسرة والذهاب إلى الروضة. حيث إن الروضة قد تمثل لمعظم الاطفال في هذه السن الباكرة من عمرهم مكانا جديدا وغريب، وشديد الاتساع إذا ما قورن ببيئة المنزل، لم يخبره ولم يألفه من قبل، يتعامل بداخله مع أشخاص كثيرين غرباء بالنسبة له لا يعرفهم ولا يعرفونه.
وهنا يدرك الطفل ويستشعر مدى النقلة الكبيرة في حياته، لانه أثناء وجوده داخل الأسرة فأن الجميع من: الأب والام والأخوة والأخوات مهتمين به وبخدمته وبتلبية كل مطالبه واحتياجاته
دون أن يطلبها او يسأل عنها، فالكل ملتف حولهيساعده،ويعاونه، يحميه ويدافع عنه حتى في أماكن اللعب والنزهة والترفيه،
ً نيابة عنه لدرجة أنهم يعتذرون شخصيا عندما يصدر عنه أو منه أي خطا أو تصرف أو سلوك غير لائق أو غير مناسب.
غير أنه عندما يذهب الطفل للروضة ولاول مرة، فإن الأمر يكون مختلفا تماما حيث يقبل الاطفال على بيئة جديدة تحكمها النظم والقواعد والضوابط المختلفة، فهناك نظام الفصل والحصة والكتب وبعض الواجبات المدرسية ( التي تعطى خلسة ) والانضباط والإلتزام بالمواعيد، والتعامل الاجتماعى مع المشرفة والاقران وقد يكون هناك دور أو سلوكيات أو تصرفات من قبل أحد الوالدين أو كليهما أو كل أفراد الأسرة، إذ إن بعض أولياء الأمور وبحكم عاطفتهم وحبهم الشديد والمبالغ فيه للطفل، يريدون دائما رؤية طفلهم أمام أعينهم في كل وقت وفي كل مكان، بل إن البعض من أولياء الأمور قد نجدهم في حالة (شبة هيستيرية) أو حالة من الفزع والرعب والقلق والتوتر والخوف نتيجة أو بسبب أنهم لا يتصورون أو يتخيلون عدم وجود طفلهم (وسط أحضانهم) وهو ما يطلق عليه في علم النفس
(الرعاية أو الحماية الزائدة في التربية).
وبناء على تلك المشاعر والأحاسيس غير العادية وغير الطبيعية وغير السوية، يحيطون أطفالهم بكم هائل من الأوامر والنواهي والارشادات والتحذيرات والتنبيهات من كل المحيطين بهم أو الذين سيتعاملون معهم داخل هذا المجتمع الجديد (الروضة).ًولعلهم ينتهجون تلك الأساليب والسلوكيات ظنا
ً بأن هذا هو الأسلوب الأمثل والمناسب منهم واعتقادا لحماية الطفل وللحفاظ عليه.
ومكمن الخطورة هنا في مثل هذه الأحوال في إن الطفل بطبيعته يحتاج دائما ً إلى الشعور بالأمن والأمانً لأن انتقاله من (حضن أسرته) إلى مجتمع آخر جديد غامض بالنسبة له وغريب، فإنه يؤذيه ويزعجه ويوتره، ذلك أن أي طفل عادى يحتاج لبعض الوقت حتى يستطيع أن يقيم علاقة اجتماعية تفاعلية ناجحة مع (المشرفة أو المعلمة) التي توازي أو ً تقارب بالنسبة له شخصية أمه، فضاا عن إقامة علاقات اجتماعية أخرى مع زمالئه داخل الفصل.
فإذا ما شعر الطفل بالخوف منهم، أو الابتعاد عنهم، أو بعدم القدرة على التفاهم أو التواصل أو التعامل معهم. فإنه في هذه الحالة يفقد الاحساس بالامان وتضرب تفسيته مما ينعكس سلبا على سلوكه وتصرفاته، وقد يعاني من المشكلات التالية:
- التأتأة أو التلعثم في الكلام.
- التبول اللارادى.
- فقدان الشهية للطعام.
- الشعور بالمغص والصداع.
- قد يصاب بالسخونة أو برودة الاطراف.
- وقد يدخل في حالات من البكاء الشديد والصراخ دون وجود سبب معين.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام: إن خوف الوالدين على أطفالهم في الحدود المعقولة أمر عادي وطبيعي، واشتياقهم إليهم وتلهفهم عليهم أثناء فترة وجودهم بالروضة تعتبر أحاسيس ومشاعر طيبة ومقبولة.
إلا أن الخوف الزائد والمبالغ فيه (المرضي) والذي يصدر احيانا عن أولياء الأمور، يكون له أثر سلبي شديد الخطورة على نفسية الاطفال وعلى مدى تقبلهم للروضة، وللأسف الشديد فإن مثل هذه المشاعر الخاصة بعدم تقبل الاطفال للروضة فقد تستمر معهم مدى الحياة، أي في جميع مراحل التعليم التالية.لما كانت مرحلة انتقال الطفل من بيئة الاسرة الامنة إلى بيئة الروضة
الغامضة تحتاج إلى تخطي تلك المرحلة بهدوء وسلام، حتى يستطيع الطفل أن يجتازها دون الوقوع في أزمة أو صدمة نفسية. فأنه يجب على الوالدين قدر الإمكان إتباع الإرشادات النفسية والتربوية التالية:
- يجب أن يعي ويدرك الوالدين إن ذهاب طفلهما إلى الروضة أمر مفرح ومبهج يشرح الصدر، ومعناه ببساطة انه كبر وأصبح على أولى أعتاب سلم العلم الذي سيفتح له أفاق المستقبل والنجاح.
- يجب على الأسرة ضرورة تهيئة الطفل وإعداده قبل دخول الروضة بوقت كاف بالقصص الجميلة عما يرتبط بالروضة، وبأن ذهابه إليها هو مكافأة وجائزة على حسن أدبه وطاعته داخل الأسرة.
- من المفيد أن يوضح الوالدين للطفل أن الروضة هي فرصة لتلبية بعض احتياجاته التي لا يستطيع تحقيقها داخل المنزل، مثل أنها مكان واسع للألعاب الكثيرة التي لا توجد بالمنزل (كالمرجيحة أو الزحليقة)وأن هناك اطفال من أصدقائه سوف يشاركونه اللعب والمسابقات مع بعضهم البعض.
- إعطاء الطفل مساحة محدودة من التصرف بحرية واستقلال في بعض الأمور البسيطة داخل الأسرة، حتى يستطيع الاعتماد على نفسه، والتصرف السليم في بعض أموره الخاصة.
- عدم المبالغة في تعويد الطفل على الالتصاق بوالديه بشكلدائم ومستمر تمهيداً لانفصاله عنها وذهابه إلى الروضة
- ضرورة التحلي بالهدوء وتوعية الطفل بأسلوب بسيط دون تخويف أو تهويل وتقديم النصح بالمحافظة على أغراضه الخاصة وعدم المساس بأغراض زملاءه الا بعد استئذانهم.
- ترغيب الطفل وحثه على ممارسة سلوك التعاون والمشاركة والمساعدة والتعاطف مع أصدقائه وتبادل الادوار في الاخذ والعطاء لتنمى بداخله مشاعر الحب والانتماء.
- تدريب الطفل وتشجيعه على حب الزي المدرسي والأدوات المدرسية مثل (الحقيبة - القلم - الممحاة – المسطرة - البراية) حتى يألفها ويحبها ويحافظ عليها.
- حث الطفل وتشجيعه على ضرورة المحافظة على الاشياء الموجودة بالفصل من مقاعد وألعاب، وحوائط وغيرها وعدم إتالفها.
- اكتشاف ميول الطفل وقدراته ومهاراته ومواهبه الخاصة والعمل على تنميتها وتطويرها، وتشجيعه وتحفيزه ومكافأته باستمرار.
- يجب على الوالدين مراعاة الانسحاب التدريجي في الاسبوع
الأول من التحاق الطفل بالروضة وعدم تعويده على التواجدمعه طوال اليوم.
- عدم تراخي أو استسلام الوالدين لعدم تقبل الطفل للروضة،وإشعاره بقيمة الروضة وأهميتها ومزاياها، وإن كل الاطفال في مثل سنه يحبون الذهاب للروضة والتمتع بما فيها.
- مراعاة أولياء الأمور لتواجدهم بالروضة قبل ميعاد انصراف أطفالهم بوقت كاف، حتى لا يشعر الطفل بالخوف من عدم حضور أحد الوالدين لاصطحابه إلى المنزل مرة أخرى.
- ينبغي على الوالدين إتباع أسلوب الحوار الهادئ في التفاهم مع الطفل غير المتقبل للروضة واحترام إنسانيته وطفولته وشخصيته وتقبل مشكلته كما يراها هو ويبديها ويبررها، والإنصات إليه بحب واهتمام، والإجابة عن استفساراته بأسلوب منطقي بسيط يناسب قدراته المحدودة.
- يجب أن يراعي الوالدين في حالة عدم تقبل الطفل للروضة عدم التسرع لنقله إلى فصل آخر أو روضة أخرى،ألن ذلك من شانه أن يزيد المشكلة تعقيداًً وتأزما
- يجب الا ينزعج الوالدين في حالة طفلهما غير المتقبل للروضة، والا ينفعلان أو يصرخان في وجه الطفل ويتهمانه بالفشل أو بأنه أقل من الآخرين، حتى لا يفقد الثقة في نفسه وتنتابه مشاعر الدونية والنقص والعجز والانهزامية وكراهية الذات والخجل والانطواءية والانسحاب.