السبت 27 ابريل 2024

كل شيء عن القسطرة القلبية


كل شيء عن القسطرة القلبية

2-12-2022 | 11:28

د. جميلة نصر رئيس قسم القلب بجامعة قناة السويس وأمين عام جمعية القلب المصرية ورئيس شعبة الوقاية بها وممثل قارة أفريقيا فى الجمعية العالمية
شهدت السنوات القليلة الماضية تصاعداً كبيراً فى إجراء قسطرة الشرايين التاجية حول العالم، حيث إن أكثر من ١٨ مليون إنسان معرضين للوفاة كل عام بسبب الإصابة بأمراض القلب، لذلك عكف الأطباء على الاهتمام بكيفية تشخيص وعلاج أمراض الشرايين التاجية المغذّية للقلب، بالإضافة لمضاعفاتها الطارئة مثل جلطات شرايين القلب الجزئية والكلية. ووفقاً لتصريحات منظمة الصحة العالمية فأمراض شرايين القلب التاجية هى السبب الأبرز للوفاة عالميًا، حيث بلغ عدد ضحاياها أكثر من 9 ملايين إنسان عام 2019 وهو أكثر من ضعف عدد وفيات وباء (كورونا) العالمى فى أكثر من عامٍ ونصف، أما فى الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة المنظومة الصحية الأقوى والأحدث عالميًا فتقتل أمراض شرايين القلب التاجية أكثر من 650 ألف أمريكى سنوياً، لتكون بذلك مسئولة وحدها عن ربع إجمالى الوفيات هناك، بينما تُقدَّر الخسائر المادية السنوية نتيجة تلك الأمراض ومضاعفاتها بنحو 220 مليار دولار. وتلك الطفرة فى إجراء عمليات القسطرة القلبية ليست مُستَغربة بالنظر إلى الانتشار الكبير المُطَّرد للإصابة بأمراض شرايين القلب لدى شرائح عمرية مختلفة نتيجة الزيادة المتصاعدة فى عوامل الخطر المُسببة لتلك الأمراض مثل التدخين والسكر وارتفاع الضغط واختلال دهون الدم وغياب النشاط البدنى وزيادة أنماط الحياة الضاغطة عصبيًا وجسدياً. وقد أسهمت القسطرة القلبية التداخلية فى شرايين القلب على مدار عقود فى إنقاذ حياة مئات الآلاف من المصابين بجلطات الشرايين الحادة الكلية والجزئية، وكذلك فى تخفيف أعراض من يعانون من القصور المزمن فى شرايين القلب. وفى السنوات الأخيرة شهدت مصر طفرة كبيرة فى قسطرة الشرايين القلبية، ولا تخلو محافظة مصرية من وجود مركز واحد على الأقل لقسطرة القلب الطارئة وغير الطارئة. والقسطرة القلبية تتضمن أولًا الولوج إلى الدورة الدموية الشريانية عبر شريان طرفى والأشهر الشريان الفخذى أو الشريان الكعبرى فى الساعد، ووضع ما يُعرَف بغلاف القسطرة sheath وهو أشبه بكانيولا كبيرة، عبرها تُدفع القساطر الأسطوانية المُصمَّمة بشكلٍ يناسب فتحات الشرايين التاجية من الأورطي، فتُصوِّر مسار الدم داخل تلك الشرايين عبر حقن صبغة خاصة، وبذلك نكون قد أتممنا القسطرة القلبية التشخيصية. وفى حال أظهرت القسطرة التشخيصية وجود ضيق شديد أو تجلط، ننتقل إلى القسطرة العلاجية PCI، حيث تُستبدَل القساطر التشخيصية بقساطر أوسع مجهزة للتدخل العلاجي، ويُولَج عبرها إلى داخل الشريان ما يسمى بالسلك المُرشد، وهو أنواع عديدة بخصائص ومزايا مختلفة، ويكون بمثابة قضبان السكة الحديدية، وعليه تُدخَل باقى الأدوات المهمة مثل البالونات التى توسع الشرايين، وأخيرًا الدعامة التى تُوضع فى الموضع التالف من الشريان لإزالة الانسداد بشكلٍ تام، وتقليل فرص تكرار حدوث التجلط. وهنا يراودنا سؤال هام وهو: متى يجب إجراء قسطرة الشرايين القلبية؟ تكمن الإجابة فى أنه يمكن تقسيم القسطرة القلبية من حيث وجوب إجرائها إلى نوعيْن: القسطرة الطارئة، وغير الطارئة. وتكون القسطرة الطارئة فى حالات جلطة الشرايين الحادة مثل الجلطة الكاملة التى تسد أحد الشرايين بشكل تام، ويُستدَل عليها من وصف ألم الصدر الشديد الذى يعانى منه المريض، ومن تغييرات مُعينة فى رسم القلب الكهربائى أو فى الموجات الصوتية على عضلة القلب، وكذلك من ارتفاع تركيز إنزيمات القلب العاجلة. أمّا الحالات غير الطارئة: فعندما تعجز الأدوية المكثفة تحت إشراف الطبيب عن السيطرة على أعراض ومضاعفات القصور المزمن بالشرايين، فيكون الحل الأخير هو تصوير الشرايين بالقسطرة وعلاجها بالدعامات إن أمكن، إذ قد يكون القصور بالشرايين بالغ التعقيد فيصعُب علاجه بالقسطرة والدعامات، ويكون لزامًا أخذ مشورة جرّاحى القلب لإجراء جراحة تركيب الوصلات الشريانية CABG لتخطى الأجزاء التالفة فى الشريان. وتُجرى قسطرة الشرايين القلبية فى غرفة عمليات خاصة تُعرَف بمعمل القسطرة cath lab، ملحق بها غرفة تحكم مزودة بشاشات تنقل صورة الشرايين وتسجلها، وتضم الغرفة سريرًا يسهل تحريكه بواسطة فنى القسطرة صعودًا وهبوطًا ويمينًا ويسارًا، وأنبوبة الأشعة الدوَّارة القادرة على الدوران فى مختلف الاتجاهات، وذلك لإتاحة تصوير شرايين القلب من كافة الزوايا، لإعطاء صورة أفضل عنها. ويقومُ طبيب واحد فقط بعمل القسطرة يعاونه بشكلٍ مباشر طبيب آخر ومُمرض، ويرتدى هؤلاء زى العمليات المُعقَّم والقفازات المعقمة لمنع انتقال أى عدوى، بينما يوجد فى الغرفة عدد آخر من الممرضين للمساعدة فى إعطاء المريض أدوية أثناء القسطرة، أو المشاركة فى الإنعاش القلبى الرئوى إن تطلَّب الأمر ذلك… إلخ. كما أنه يجب على جميع الموجودين داخل غرفة القسطرة ارتداء بدلة الحماية من الإشعاع المبطنة بمادة الرصاص (وتكون حوائط غرفة القسطرة مبطنة بالرصاص أيضًا لمنع خروج الإشعاع). كما يُطلَب من المريض الامتناع عن الطعام وليس الشراب لأن المياه جيدة لتلافى مشاكل الصبغة لـ 4 ساعات فحسب قبل القسطرة، حيث إن الزيادة فى الصيام عن هذا ليست مطلوبة وقد تضر. وكذلك يُطلَب بشكل روتينى من المريض تحليل وظائف الكلى قبل إجراء القسطرة، وذلك لأن الصبغة المستخدمة فى القسطرة قد تُسبِّب اعتلالاً كلوياً إذا كان هناك مرض مزمن فى الكلى، وكذلك يُطلب تحليل صورة الدم الكاملة لاستبعاد وجود أنيميا شديدة بالدم، وتحليل الفيروسات الكبدية والإيدز. ويُعقم مكان الدخول فى جسم المريض جيداً والذى يكون إمّا أعلى الفخذ (المنطقة الأربية) للنفاذ إلى الشريان الفخذي، أو فى نهاية الساعد فى حالة اختيار الشريان الكعبري، ولا يُخدَّر المريض فى غالبية الحالات باستثناء المخدر الموضعى فى منطقة النفاذ إلى الشرايين لتقليل إحساس الألم المحلى مع ثقب إبرة الدخول للجلد. ولا تستغرق القسطرة التشخيصية فى معظم الحالات سوى ربع ساعة فقط أو أقل، إلا إذا كان المريض يعانى من عيب خلقى فى مدخل الشريان يحتاج إلى قساطر خاصة، أما القسطرة العلاجية فلا قواعد زمنية لها، فقد تستغرق دقائق قليلة فى الحالات السلسة أو تصل إلى ساعات طويلة فى حالات السدة المزمنة المتكلسة CTO بالشرايين، خاصة تلك التى تستدعى تقنية الملاحة العكسية. ولا شك أن قسطرة الشرايين التاجية قد أحدثت نقلة هائلة فى مجال علاج قصور الشرايين وعصمت الملايين من الاضطرار لإجراء جراحات تركيب الوصلات الشريانية التى تتضمن فى أكثر الحالات شق عظم الصدر وتوصيل الجسم بالمضخة القلبية الخارجية، مما يعرض المريض لمخاطر جراحية لا يُستهانُ بها، لكن رغم ذلك فالقسطرة لا تخلو من بعض المضاعفات، وإن كان معظمها قليلا أو نادر الحدوث مثل: - نزيف وتجمع دموى فى موضع الولوج إلى الشريان، مما قد يؤدى إلى الإصابة بأنيميا حادة فى حالة النزيف الشديد. - اختلالات فى ضربات القلب أثناء العمل داخل الشرايين قد تصل فى بعض الحالات إلى توقف عضلة القلب والحاجة للإنعاش القلبى الرئوى CPR. - تشقُّق أو انثقاب جدار الشرايين التاجية أثناء العمل داخل الشريان أثناء إمرار السلك المرشد أو نفخ البالونات المُوسِّعة ونفخ الدعامات، مما قد يؤدى إلى تسرب الدم إلى الغشاء التامورى المحيط بالقلب وحدوث ما يُسمى الانصباب التاموري، والذى قد يسبب هبوطاً فورياً فى الدورة الدموية نتيجة اختناق عضلة القلب بالدماء المحيطة بها، مما يستدعى سحب تلك الدماء فوراً بالتزامن مع سد الثقب الشريانى بنوع خاص من الدعامات المُصمتة. - الإصابة بجلطة بالمخ. - الاعتلال الكلوى نتيجة الصبغة CIN فى وجود عوامل الخطر لذلك مثل ضعف عضلة القلب أو القصور الكلوى المزمن أو السكر المزمن… إلخ.