الأربعاء 1 مايو 2024

جميل راتب.. جدو أبو الفضل من جرسون فى مقهى لورانس العرب

جميل راتب

فن19-9-2021 | 18:28

محمد أبو زيد

صوت رخيم، وعينان حادتان وابتسامة لا تفارق وجهه، ملامح يعرف كيف يطوعها لصالحه، مزج بين أدوار الخير والشر، فنان استثنائي، حمل موهبة كبيرة لم تكن يوما محض صدفة، وهب عمره للفن حتى النفس الأخير، أتقن العديد من اللغات، ووقف على خشبة المسارح العالمية، عاش راهبا في محراب الفن، لا يعنيه حجم الدور بقدر ما يعنيه إتقانه، هو "أبو الفضل جاد الله عويس" الأب الطيب في "يوميات ونيس" وتاجر المخدرات "سليم البهظ" الذي يفرض سيطرته على سوق "الكيف" مستشهداً بجملته الشهيرة "ﺍﻟﻜﻴﻒ ﺷﻬﻮﺓ، ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺓ هي اللى ﺑﺘﺸﺪ ﺍﻟﻘﺮﺵ ﻣﻦ ﺟﻴﻮﺏ ﺍﻟﻨﺎﺱ"، في "لورنس العرب" فرض موهبته علي أعتى نجوم السينما العالمية "بيتر أوتول"و"أليك جينيس" و"أنتوني كوين" الذي ارتبط معه بصداقة وطيدة، وفي "البداية" تجده "نبيه بيه الأربوطلي"، والدكتور "مفيد أبو الغار" الذي يدخل في صراع مع "فضة المعداوي" على الفيلا في "الرايا البيضا" والوزير "رشدي الخيال" في طيور الظلام، هو المعلم والخواجة ورجل الأعمال وصاحب كل الشخصيات الفنان جميل راتب.

ولد جميل راتب في 18 أغسطس 1926 لأسرة أرستقراطية، لأب مصري شارك في ثورة 1919 ضد الإحتلال الإنجليزي، وأم صعيدية هي ابنة شقيق هدى شعراوي، التحق بمدرسة الحقوق الفرنسية وبعدها سافر إلي باريس لإكمال دراسة السياسة والحقوق حتي يلتحق بالسلك الدبلوماسي، لكن نداهة الفن خطفته وترك الدراسة بعد يوم واحد والتحق بأحد المعاهد التمثيلية الخاصة في فرنسا، وما إن علمت أسرته حتى قررت أن تقطع عنه المصروف.

لم ييأس ابن العائلة الأرستقراطية وأصر علي تحقيق حلمه، ولتوفير مصاريف معيشته، عمل مترجماً وكومبارس، و"جرسون" في إحدى المقاهي، و"شيال" في سوق الخضار، وبدأ يتحسس طريقه إلي الشهرة، اشترك فى فرق مسرحية متواضعة، وبعدها اشترك في فرق مهمة وقدم معها أدواراً رئيسية منها 5 مسرحيات لـ "شيكسبير" وعدد من كبار الكتاب الفرنسيين.

عمل في أدواراً مهمة في التليفزيون الفرنسي، وكان عضواً في فرقة أصلها من فرقة "الكوميدي فرانسيس" 1952 وقدم معها عدد من الأدوار المهمة، في تلك الوقت أراد سليمان بك نجيب مدير عام الأوبرا المصرية أن يأتي جميل راتب مع الفرقة إلي مصر لتقديم عروضها وطلب منهم حضور راتب مع الفرقة التي كانت تقدم عروضها في سوريا ولبنان وعدد من البلدان العربية.

وكانت بداية راتب مع السينما الفرنسية في فيلم Trapeze وبعده جاءت الفرصة له لـيشترك في فيلم "لورنس العرب" مع عمر الشريف، وأنتوني كوين وفتح له السينما الفرنسية ذراعيها، وقدم نحو 7 أفلام فرنسية أبرزها "مغامرة شانزليزيه، بانكو في بانغوك، الذئاب الصغيرة".

أثناء قضاءه إجازة في مصر قدم دور البطولة في فيلم "ابن الشرق" وعرض عليه الفنان كرم مطاوع دور رئيسي في مسرحية "دنيا البيانولا" وفتحت له الباب للعمل في التليفزيون والسينما في مصر في الوقت الذي كان يعمل به ما بين فرنسا ومصر، وبدأت رحلته من استوديوهات باريس إلي استديو مصر وقدمه المخرج صلاح أبو سيف في فيلم "الكداب" 1975 وقدم بعده عدد من الأفلام.

نقطة فارقة في مشواره الفني كانت في فيلم "الصعود إلى الهاوية" 1978 للمخرج كمال الشيخ عندما قدم دور ضابط الموساد "أدمون" وفي نفس العام شارك مع عادل إمام في مسلسل "أحلام الفتي الطائر" لتمنحه سيدة الشاشة العربية البطولة أمامها في فيلم "ولا عزاء للسيدات" 1979 في دور لا يقل عن دور عزت العلايلي.

فترة الثمانينات قدم "راتب" العديد من الأفلام أبرزها "شعبان تحت الصفر، حب في الزنزانة، اللعنة، كيدهن عظيم، الوداع يا بونابرت" بينما تألق في فيلم "الكيف" مع محمود عبد العزيز في دور تاجر المخدرات "البهظ بيه"، ومع أحمد زكي في 3 أفلام مهمة "البرئ، البداية، الدرجة الثالثة".

في تلك الفترة دخل "راتب" قلوب مشاهدي التليفزيون في عدة مسلسلات مهمة أبرزها "رحلة المليون"و "سنبل بعد المليون"مع محمد صبحي، بينما يظل دور "مفيد أبو الغار" في "الرايا البيضا" مع سناء جميل واحد من أجمل أدواره على الشاشة الصغيرة، ومن وقت لآخر كان يأخذه الحنين للسينما الفرنسية فشارك في فيلم "نجمة الشمال" 1982.

فترة التسعينات قدم للتليفزيون "ضمير أبلة حكمت" و"يوميات ونيس" بأجزاءه الخمسة في دور "أبو الفضل" الأب الطيب والجد الذي يربي أحفاده على الأخلاق، وقدم دور "الخواجة جيوفاني" في "زيزينيا" بينما في السينما قدم أهم فيلمين له في التسعينيات "طيور الظلام" و"عفاريت الأسفلت".

لم تنقطع نجومية "راتب" وقدم في السينما التونسية وقدم عدة أفلام أبرزها "كش ملك" مع شريهان، وأتقن اللغة التونسية من أجل فيلم "شيشخان" والعديد من الأفلام في السينما المغربية.

فترة الألفية شارك في السينما علي استحياء في عدة أفلام للشباب، منها "تيمور وشفيقة" مع أحمد السقا، "رحلة حب" مع محمد فؤاد "جنينة الأسماك"، "الأولة فى الغرام" مع هاني سلامة، ومع محمود عبد العزيز في "الساحر"، و"ليلة البيبي دول" وهو آخر أفلامه.

وفي الدراما قدم في أواخر مشواره عدة مسلسلات أبرزها "عائش في الغيبوبة، فارس بلا جواد، حد السكين،الأصدقاء، شمس"، وكانت آخر أعماله دراميًا عندما ظهر ضيف شرف في "بالحجم العائلي" مع يحيي الفخراني، وما بين التليفزيون والمسرح والسينما تخطت أعماله الـ 170 عملاً فنياً.

تزوج جميل راتب سيدة فرنسية تدعى "مونيكا مونتيفير" كانت ممثلة ثم تركت التمثيل وعملت منتجة ومديرة لمسرح الشانزليزيه، ولم ينجب منها، وكان يقول لها أنه ظلمها معه لأنه يعتبر الفن هو كل حياته، وبرر عدم الإنجاب بأن عمله في الفن ليس مستمرا ولا يحب أن يكون لديه عائلة غير مستقرة.

في أواخر أيامه عاني "راتب" من مرض الشيخوخة وكان دائم الجلوس على الكرسي المتحرك لضعف جسده وعدم قدرته علي المشي بسهولة أو الوقوف لمدة طويلة، ليرحل عن عالمنا في 19 سبتمبر 2018، عن عمر يناهز 92 عاماً، وكانت وصيته الأخيرة ألا يقام له عزاء، رحل جميل راتب وبقي فنه ورحلة كفاحه وأعماله شاهدة على موهبته وحبه للفن الذي أخلص له حتي النفس الأخير.

Dr.Randa
Dr.Radwa