تواصل مجلة المصوّر رحلتها لرصد وتوثيق الأحداث لتنتقل من مئويتها الأولى، لتعبر إلى قرن ثانٍ، ترصد وتناقش وتبدع دون توقف، تمتلك تاريخًا عظيمًا وحاضرًا ومستقبلًا يمتلئ بالتحديات.. لكن «المصوّر» ستستمر فى صناعة التاريخ كعادتها منذ اليوم الأول للصدور فى أكتوبر 1924، المجلة الأعرق فى الوطن العربى التى وثّقت للتاريخ المصرى والعربى، وناضلت بقضاياها الوطنية والتنويرية، توثيقًا مصورًا ومكتوبًا، قادرة على مواصلة مسيرتها الإبداعية فى مئويتها الثانية.
«النجاح لا يأتى صدفة وما يأتى صدفة لا يمكن أن يستمر، والمصوّر تمثل رحلة من الإبداع المستمر فى الصحافة المصرية»، هكذا بدأت الدكتورة شيرين سلامة، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام، حديثها عن مجلة المصوّر، قبل أن تضيف: «كان (الاختلاف والتميز) لمجلة المصوّر سمتين أساسيتين منذ بداية نشأتها، ففى الوقت الذى كانت جميع الصحف فى عشرينيات القرن الماضى تعتمد على النصوص بشكل أساسى وبعض الصور بشكل استثنائي، اختارت المصوّر أن تكون مختلفة وتكون الصورة هى الأساس فى المحتوى المقدم، متميزة عن جميع صحف عصرها، ومؤكدة على أهمية الصورة الصحفية فى إثراء المحتوى وتوصيل المعنى، وهو ما جعل المجلة التى صدرت فى عام 1924 بداية حقيقية للصحافة المصوّرة فى مصر».
وتستكمل أستاذ الصحافة: «إذا كانت النشأة متميزة، فإن التجربة فى مراحلها المختلفة، كانت أكثر تميزًا، فقد سعت مجلة المصوّر أن تعكس كافة أحداث وقضايا المجتمع المصري، من خلال خطاب صحفى متزن يتسم بالعمق والتحليل، وشاهدة على الأحداث الكبرى فى مصر والوطن العربى ككل، وهو ما أكسبها احترام القراء وولاءهم لها، ولم يكن ذلك بغريب مع وجود قيادات صحفية مميزة على مدار تاريخها الممتد، بداية من مؤسسى المجلة إميل وشكرى زيدان، ثم فكرى أباظة، وعلى أمين، وأحمد بهاء الدين، وصالح جودت، وأمينة السعيد، ومكرم محمد أحمد، لتتعاقب الأجيال من بعدهم.
وتضيف «سلامة»: «لا بدّ أن أذكر هذا التاريخ، وهذا التميز للمجلة لمعرفة دلالة النجاح والاستمرارية حتى اليوم، فالاستمرار مثّل نتيجة حتمية لفكرة مختلفة ومتميزة منذ النشأة، يُضاف لها احترام المجلة للرسالة الصحفية وحق القراء فى المعرفة، فى ظل وجود نخب صحفية قادت مسيرة المجلة بكل اقتدار ومهنية منذ صدورها حتى اليوم، فالدلالة تكمن فى هذه المعادلة التى حققتها وحرصت عليها مجلة المصوّر على مدار أعوامها المائة».
وعن أهمية مجلة المصوّر فى التاريخ الصحفي، تقول د.شيرين سلامة: إنها المجلة الوحيدة فى العالم العربى التى حافظت على صدورها المنتظم على مدار مائة عام، لتعتبر حالة فريدة فى الصحافة العربية ككل، كما أن مجلة المصوّر نقلت الصحافة فى مصر نقلة نوعية من صحافة النص إلى صحافة الصورة، وفى الوقت ذاته استطاعت أن توثّق لتاريخ الوطن من أحداث وقضايا وشخصيات بالصور، مما يجعلها وثيقة تاريخية على درجة كبيرة من الأهمية، واستكتبت المجلة العديد من القامات الفكرية للكتابة فيها، مما يجعل منها كنزًا حقيقيًا للرؤى والتوجهات الفكرية على مدار قرن مضى.
«المحافظة على الاستمرارية تأتى من خلال المحافظة على القيم المهنية الأصيلة التى اعتمدتها الصحيفة على مدار تاريخها الطويل».. هكذا ترى د. شيرين، كيف يمكن لمجلة المصوّر الاستمرارية فى مئويتها الثانية، وعليها مواكبة التطورات التقنية الحديثة فى التحرير والإخراج الصحفي، بما يكفل لها دومًا الصدارة فى العصر الحالي، وتطوير الموقع الإلكترونى بالشكل الملائم، وبما يكفل لها التواصل بشكل فاعل مع الأجيال الجديدة، والسعى الدائم لمعرفة هموم الناس الحقيقية ومشاكلهم ومعالجتها بكل شفافية، ومعالجة القضايا الوطنية الملحة من خلال رؤى متعددة، وتسهم فى توجيه صُناع القرار لما فيه صالح وخير هذا الوطن، وهو ما يستلزم مناخًا من الحرية يحمى الصحافة والإعلام والإبداع بشكل عام، على أن يتم تجديد الدماء الصحفية، والاستفادة من طاقات وأفكار الشباب، بما يسهم فى التجديد والابتكار بشكل دائم.
من جانبه، يقول الدكتور حسام إلهامى، الأكاديمى والباحث الإعلامى: إن استمرار مجلة المصوّر أكثر من مائة عام يعكس المكانة التاريخية والثقافية تمثلها كوسيلة مصورة للواقع المصرى والعربى فى فترة طويلة وممتدة، حفلت بالعديد من التحولات، بما يعكس هذا التاريخ الطويل.
ويواصل «إلهامى»، قائلًا: المجلة لديها القدرة على التطور والتكيّف والاستجابة لمختلف التحديات السياسية والاقتصادية ومواكبة التحولات الثقافية والأزمات الاقتصادية، التى شهدتها تلك الفترات، والتى لم تكن بالهينة، فى ظل تغير الأنظمة الحاكمة المتعاقبة.
بدوره، يقول الدكتور عثمان فكرى، أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام جامعة القاهرة: إن 100 عام من إصدار محترم وقوى مثل مجلة المصوّر له دلالات عديدة، أهمها القدرة على النجاح والاستمرارية من جيل إلى جيل.
ويضيف أن قرنًا زمنيًا من الأحداث والتقلبات السياسية والاقتصادية، اختفت فيها العديد من الإصدارات وظهرت إصدارات جديدة، وما زالت المصوّر قادرة على الصمود والبقاء فى السوق الصحفى كواحدة من المجلات السياسية الرائدة.
ويؤكد أن الحفاظ على النجاح فى هذا التوقيت مسألة صعبة للغاية فى ظل المنافسة الشرسة الموجودة فى سوق الميديا بشكل عام، وفى ظل التطورات التكنولوجية التى أحدثت هزة كبيرة فى الصحافة الورقية، ووضعت أمامها العديد من التحديات.
«متطلبات الاستمرارية فى المئوية الثانية متعددة»، كما يرى الدكتور عثمان، يتصدرها الحفاظ على المهنية، وتقديم وجبة صحفية دسمة ومختلفة، تليق بإصدار أسبوعى ينتظره القارئ، على أن يتضمن مزيدًا من الجرأة فى طرح موضوعات مسكوت عنها، ويُستكمل بتطوير شكل المجلة لتصبح أقل فى أبعادها، وتحسين جودة الورق والألوان المستخدمة، والاهتمام بالشكل البصري.
وهذا ما يتطلب، كما أوضح «فكرى»، توظيف مجموعة شابة ملمّة بالتكنولوجيا، لتتولى مهمة موقع إلكترونى محدّث يوميا تحت نفس الاسم، يكون على صلة يومية على مدار الساعة بين المصوّر وقُرائها، ويكون وسيلة دعائية للإصدار الورقى الأسبوعي.
«رؤية فريدة وسابقة لعصرها فى إنشاء محتوى إعلامى لمجلة مصورة»، هكذا يرى «إلهامي»، مجلة المصوّر، التى تلبى شغف الجمهور فى الاطلاع على الأحداث والزوايا الفريدة عبر اللقطة المصوّرة قبل ظهور التلفزيون والإنترنت بعقود طويلة فى تنبؤ سابق لعصره بأن الصورة سيكون لها الشأن الأكبر فى جذب الجماهير، بالإضافة إلى أنها حفلت بالكثير من المبدعين الذين قدموا هذه الأحداث المصوّرة برؤية إبداعية كانت دائما سابقة لعصرها.
كما يشدد على ضرورة إحداث تغيرات تقنية تتمثل فى إطلاق منصات رقمية حديثة، يواكبه تنوع فى أشكال المحتوى، تتضمن استخدام مقاطع الفيديو والإنفوجرافيك والبودكاست البث المباشر، وإطلاق تطبيق للتصفح على الهاتف ونشر المحتوى التفاعلى على وسائل التواصل الاجتماعى وإشراك الجمهور فى محتوى تفاعلي.. وعلى مستوى المحتوى ينبغى أن تنطلق المرحلة القادمة من عمر المجلة من فهم عميق لطبيعة الجمهور الحالي، كونه جمهورًا ملتصقًا بالشاشات، وأكثر ما يشاهد من صور ومقاطع فيديو غريبة وصادقة أحيانًا، صار من الصعب جدا إثارة دهشته وجذبه لمستوى محتلف.
«دلالات عدة لاستمرارية المصوّر فى الصدور على مدار 100 عام»، كما يقول الدكتور أحمد عادل، أستاذ الصحافة بكلية التربية النوعية بجامعة المنصورة، مضيفًا أن ذلك يدل على قدرة المجلة بالتكيف مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وعلى وجود جمهور واسع ومتنوع يتابع المطبوعة، مما يعكس قدرة «المصوّر» على تلبية احتياجات قُرائها على اختلافات أعمارهم وانتماءاتهم السياسية والثقافية، كما تعكس استمرارية المجلة تأثيرها فى الثقافة العربية وتاريخ الصحافة، بعد أن أصبحت جزءًا من الذاكرة الجماعية المصرية والعربية، لافتًا إلى أن المجلة نجحت فى مواكبة التطورات التكنولوجية فى صناعة الإعلام.
ويضيف «عادل»، أن أهمية مجلة «المصوّر» فى التاريخ الصحفى، ترجع إلى أنها أولى المجلات التى استخدمت الصور بشكل مكثف، مما ساهم فى تطوير الصحافة المصوّرة، ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم العربى، فالمصوّر ساهمت بالتوثيق المكتوب والمرئى فى تغطية الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية فى مصر والعالم، وكانت سببًا فى رفع الوعى الاجتماعى والثقافى عبر مقالاتها، وموضوعاتها الواقعية، والتى تلامس المجالات المتنوعة فى المجتمع المصرى والدولي، مما أثّر فى تشكيل الرأى العام المحلى والعربى، ومصدرًا تاريخيًا مهمًا لتوثيق الأحداث والمعالم الثقافية عبر العقود.
ولاستكمال مسيرتها خلال المئوية الثانية، يرى أستاذ الصحافة بجامعة المنصورة، ضرورة العمل على التحديث المستمر للمحتوى ليتناسب مع اهتمامات الجمهور المعاصر، مثل تناول القضايا الاجتماعية والبيئية، على أن يتم تعزيز وجودها على المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعى لجذب جمهور جديد، وتحسين التفاعل مع القُراء من خلال استطلاعات الرأى والمشاركة فى النقاشات، على أن يتم تقديم محتوى مرئى عالى الجودة، ومواضيع متنوعة تشمل الفنون، والثقافة، والرياضة، والعلوم لجذب فئات مختلفة من القُراء الجدد.
وفى نفس الإطار، تقول الدكتور نرمين صابر، مدرس الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة: إن المصوّر إحدى المجلات التى صدرت بشكل دورى على مدار 100 عام، لكن ما يميّزها، أنها تقدم مادة صحفية مختلفة، فتم استخدام طريقة مختلفة فى تقديم الموضوعات الصحفية، مما دفع القارئ للانجذاب لهذا الإصدار الأسبوعى طول الوقت، وهو ما ساعد على استمراريتها.
وتابعت: المجلة اشتغلت على الجانب المصوّر، وهو ما لا يزال موجودًا حتى الآن مع التطور الهائل فى المجال التكنولوجي، والاعتماد على الصورة، كونها التى تجذب المشاهد والجمهور، وهو ما تنبهت له المصوّر منذ 100 عام، فى وقت كانت الصحف الأخرى لا تستخدم الصور، التى تشرح موضوعا أو تغطى حدثا أو تناقش فكرة محددة، وهو أمر مختلف ومميز عن بقية المطبوعات الموجودة، ولا تزال قادرة على مواكبة التطورات الرقمية لتبقى موجودة خلال حقب زمنية مختلفة، بنفس التميز والاختلاف فى منظور الاعتماد على الصور فى تغطية الأحداث، والآن تتسابق وسائل الإعلام كافة، فى استخدام الجانب المرئى بأشكاله المتنوعة، من أجل جذب مزيد من القراء، وهو ما فعلته المصوّر منذ 100 عام.
«للحفاظ على استمرارية الصدور لا بدّ من اللجوء إلى المنصات الإلكترونية»، كما تقول د. نرمين صابر، مع ضرورة اللجوء إلى الطرق التكنولوجية الحديثة عبر منصة قوية قادرة على منافسة باقى المنصات الأخرى، خاصة أنها تمتلك أرشيفا ضخما من الصور التى تتنافس عليه وسائل الإعلام، فيمكنها عبر التعامل مع التكنولوجيا إلى جذب مزيد من القراء الجدد، خاصة الشباب، وأن تحافظ على مجدها مرة أخرى وتستمر فترات زمنية قادمة، على أن تدمج بين الصور وبين الوسائط المتعددة، سواء الصوت أو الفيديو، لإنتاج الموضوعات الصحفية بشكل أكبر، مستغلة إمكانياتها وخبراتها فى التغطية الصحفية المصوّرة.
تقول الدكتورة سحر مصطفى الشاذلى، أستاذ مساعد الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة: إن المصوّر أثبتت وجودها على مر السنوات فى ظل المنافسات الشرسة سواء من الإعلام المرئى أو الإعلام الرقمى، فوجود المصوّر فى الساحة الصحفية يمثل حيزًا كبيرًا فى القضايا التى تمس المجتمع، واعتمادها على الصورة الصحفية والملفات الصحفية فى معالجة القضايا، وهو ما يمثل نقطة تميز لها عن وسائل الإعلام سواء فى فترة ظهورها 1924 واهتمامها بالصورة الصحفية، وهو ما جعلها صمدت فى المنافسة الشرسة التى واجهتها وقدرتها على المنافسة عبر الملفات المتميزة للقضايا التى تمس المجتمع، وهو ما تسبب فى ربط القراء بها، وهو دليل على نجاح المصوّر فى الاستمرارية.
وعن متطلبات البقاء فى المئوية الثانية فى ظل المنافسة مع الإعلام الرقمى عليها الاهتمام بالموقع الإلكترونى للمجلة، على أن يتم التسويق للمجلة بشكل مكثف عبر كافة المنصات الإلكترونية ونشر مقتطفات بشكل مختصر عن أهم الملفات والقضايا والموضوعات التى تناقشها كل عدد. وترى أن المصوّر سبقت وسائل الإعلام كافة فى تقديم المعالجة المرئية بشكل صامت قبل ظهور الصحافة التلفزيونية، وعليها أن تستغل ذلك فى منافستها مع الإعلام الرقمى، عبر تقديم التقارير المصوّرة، واستحداث فيديوهات يتم نشرها، وأن تُحسن إدارة استغلال الأرشيف، وطرح تطبيق للمجلة. وعُقدت اتفاقيات مع المؤسسات والهيئات المصرية والعربية لعرض كنوز المصوّر من صور وأعداد، وهو تطوير كبير يمكنه مساعدة المجلة، ليس فقط الصمود ولكن حجز مكان متميز على الساحة الصحفية.