أيام تمر، وأخرى تجيء.. عام يودعنا ونودعه، وعام يستقبلنا ونستقبله.. هذه الحياة. استمرار وتجديد.. حركة وتغيير.. ولعل هذا سر حلاوتها وخلودها.. فما أقسى حياتنا لو كانت تسير على وتيرة واحدة، وما أكثر آلامنا لو ظل كل ما حولنا ساكنا، هادئا، لا تأتيه الحركة من قريب أو بعيد. ولكن هذا الاستمرار والحركة والتجدد لا يحمل لكل منا كل ما يشتهيه ويأمل فيه، ويطمح إليه.. هذه بديهية يدركها الجميع، ولكنها هي الأخرى تحمل معنى كبيراً خالداً من معاني حياتنا.. فلو تصورنا أن كل شيء فيها مريح، وسهل وفى متناول أيدينا دون تعب أو كلل، لضاعت من حياتنا معالم مهمة تمنحها إطارها العظيم الكبير، واختفت معانيها التي تعطي للحياة مذاقها المحبب والخاص.. وأقصد بهذه المعالم: العمل والأمل فى المستقبل، والرغبة فى التطور، والتزود بالعلم، وإثراء الحياة بالفنون والآداب.. وغير ذلك كثير.. ومن هنا فإن ÒلذةÓ الحياة فى حركتها واستمرارها وتجددها، وفى معاناتها أيضا. إن كلا منا مطالب بأن يبذل فى حياته أقصى ما يستطيع، حتى يحقق لنفسه ولأسرته ولمجتمعه ما يأمل فيه.. ولكن فى هذه ÒالرحلةÓ قد يحالفه الحظ، وقد يخونه أيضا.. قد تتسع أمامه الأبواب، وقد تغلق كلها أو بعضها.. قد يأتيه المال، وتعرض عنه الصحة.. قد ينجح فى زاوية، وقد لا يرزق بولد.. وقد.. وقد.. فالمهم، أن يؤدي الإنسان ما عليه فى الحياة. إن كل ما يحدث بعد ذلك هو من صنع القدر.. ومن تصاريفه التي لا يتحكم فيها أحد. ولكن هذا لا يعني الاستسلام واليأس والقنوط. إنما يجب أن يكون فى أيدينا سلاح عام هو: الأمل .. فيه يمكن أن نواصل المسيرة، ونجدد، ونطور، ونتقدم.. أقول لكم هذا، ونحن نودع عاماً مضى، ونستقبل عاماً يأتي. نودع عاماً بكل ما فيه من أحداث، حلوها ومرها، أفراحها وأحزانها، راحتها وعناءها، قوتها وضعفها، فالحصيلة النهائية لكل هذه الأحداث أننا مازلنا نعيش، ونواصل المسيرة، والمهم أن نتذكر فنتعظ، وأن ننظر إلى الخلف لنأخذ الدرس.. لا داعي للتباكي على ما فات، لماذا الحسرة على الفرصة التي ضاعت، والندم على الحلم الذي لم يتحقق والأمل الذي ضاع؟! إن هذه (النظرة) لن توصل إلى شيء.. أي شيء.. أنها تعني الوقوف والتجمد واليأس، وهي جميعاً ضد إرادة الحياة.. ويمكن أن تترك آثارا ضارة على الصحة، وبصمات واضحة على النفس.. أنها تعني المرض والعجز المبكر، والقلق والتوتر، والانطواء والحيرة.. ففى حياة كل منا فرص كثيرة، فالفرصة بنت جميلة.. العاقل لو يلحقها يتبدل بيه الحال، ولكن هناك من يستطيع اغتنامها والاستفادة منها فى تحقيق طموحاته وأهدافه ويصنع منها حياة جميلة ناجحة، حتى لو لم تكن هذه الفرصة عظيمة لأنها لو راحت مابترجعشى.. فيستطيع الشخص الناجح أن يخلق منها النجاح، وهذا يختلف عن الإنسان غير الطموح الذي ينتظرها تأتي إليه دون أي جهد منه، فحلمك لو يوم يلمسها تديك أكتر ما بتحلم، فينظر للإنسان الناجح على أنه محظوظ ولا يدرك حقيقة اقتناص الفرصة بالرغم من إنها تأتي للجميع باختلاف أنواعها وأشكالها لأنها ببساطة بتعرف ناسها و اللي بتفوته بيندم، وعلى الإنسان أن يثق بالله وبما وهبه من قدرات حتى يستطيع أن يغتنمها ويحقق طموحاته، لو واقف وسط ناس كتير ممكن تختارك أنت.. كذلك الأمل الذي تبدد، يمكن أن يلوح مرة أخرى فى الأفق، والغم يمكن أن يتحول إلى سعادة، والألم يمكن أن يصبح مجرد ذكرى عابرة، والتعب الجسدي والنفسي، يمكن أن يمر فى حياتكم مثل سحابة الصيف. فالأمل يعني الإيمان بالله وبالنفس والآخرين، يملك هذا الأمل المؤمن الواثق، ولابد أن يسبح مع الحياة فى تيار هادئ، مطمئن، ولابد أن يصل بقاربه إلى شاطئ الأمان. ولهذا أدعوكم من أجل أن تسير حياتكم فى العام الجديد والأعوام القادمة، فى طريق الصحة والسعادة أن يكون رائدكم هذا الدعاء الذي استقبلت به العام الجديد، وأدعوكم لاستقباله به. يارب.. كنت وما زلت وسأظل الإنسان الضعيف الذي يرفع يديه إليك وقت المحنة ويقول: يارب.. ومن هنا يا عزيزي القارئ فإن ما أتمناه لك ليس له حدود.. كل سنة وأنت طيب.. طيب من عللك وأوجاعك وأمراضك ومتاعبك.. طيب من مساوئ نفسك، وشرورها وآثامها، طيب من المشاكل التي تؤرق منامك وتحول حياتك إلى نكد وتعب، طيب من المفاجآت غير السارة والمحن. طيب وسعيد بنفسك وأسرتك وأولادك.. سعيد بصحتك، براحتك الجسدية والنفسية.. سعيد بعملك، بتقدمك بنجاحك.. سعيد برؤية الآخرين يتقدمون وينجحون.